أ. ناصر عراق
مرّ اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية مرور الكرام قبل يومين (18 ديسمبر)، فلم تهتم به وزارة الثقافة في مصر، ولا انشغلت به وزارة التعليم، ذلك أن نور الحماسة للاهتمام بلغتنا يخبو كل يوم، حتى صارت اللغة الفصحى عبئًا على أصحابها.
أظنك تعرف أن الأمم المتحدة قررت اعتبار العربية لغة رسمية يتم العمل بها بالتدريج ضمن مؤسسات المنظمة الدولية منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي عام 2012 أعلن المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو قراره بتكريس 18 ديسمبر من كل عام يومًا للغة العربية، لكننا في مصر لم ننشغل بهذا الأمر، ولم نحتفل به كما يليق، لماذا؟
قبل أن أجيب يجب أن ألفت انتباهك إلى أن اللغة -باختصار شديد- هي المُعبّر الأول عن حال المجتمع وقوته، فإذا كان المجتمع قويًّا على مستوى السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والخيال الخلاق، باتت لغته قوية وقادرة على التعبير والوصف والشرح، وإذا كان المجتمع هزيلاً... خانعًا... يعيش عالة على حضارات غيره، يستعمل أدوات تكنولوجية لم يخترعها، تراجع مستوى اللغة، وانحطت التعبيرات، والأدهى أن لغة المجتمعات الأقوى ستفرض نفسها على هذا المجتمع الضعيف، الأمر الذي يدفعه إلى هجر لغته واستخدام لغة الأقوياء.
انظر حولك وتأمل تفاصيل حياتنا اليومية، إذ ستكتشف بسهولة حجم الضعف العام الذي يمسك بتلابيب المجتمع، في السياسة كما في الاقتصاد، وستلحظ بيسر كيف صارت اللغة الفصحى كابوسًا يعاني منه أغلب الناس، فلا أحد يتقن الكتابة بها، ولا أحد يريد أن يتعلمها، وها هي فضائياتنا المصونة مكدسة بإعلاميين يهينون اللغة كل لحظة بتعبيرات سوقية وألفاظ بذيئة، وها هي أيضًا مواقع التواصل الاجتماعي مترعة باللهجات المحلية لكل بلد (عربي) على حدة، كأن هناك اتفاقًا عامًّا على النفور من اللغة الفصحى والتبرؤ منها.
إذا سألتني... ألا يوجد أمل في الحفاظ على حلاوة اللغة العربية وتطويرها؟ سأخبرك بالآتي: ستظل اللغة العربية تتراجع من يوم إلى آخر -بكل أسف- إذا لم نشيّد مجتمعات قوية وعفية على المستويات كافة، عندئذ نغدو شعوبًا تحترم حقوق الإنسان وتخترع وتبتكر وتسهم بنصيب في إغناء الحضارة الحديثة، الأمر الذي سينعكس حتمًا على اللغة العربية، فيجعلها أكثر ليونة وتعبيرًا عن ضرورات العصر ومتطلباته المتغيرة.
باختصار... لم يعرف التاريخ لغة قوية لمجتمعات ضعيفة.
إذن... ابنِ مجتمعًا قويًّا... تنبثق منه لغة قوية!
التحرير