الإنجليزية تهدد لغة الضاد في محرابها العربي

محمد الفكي

 كشف الدكتور يحيى عبدالمبدي محمد، أستاذ اللغة العربية بجورجتاون قطر لـ «العرب»، أنه مع بداية برنامج اللغة العربية في كلية الشؤون الدولية في قطر، كانت هيئة التدريس أمام تحدٍ كبيرٍ، إذ كانا نعتقد أننا سندرس اللغة العربية للأجانب فقط، لكننا وجدنا أن الطلاب الذين درسوا بالمدارس الدولية في حاجة ماسة لمتابعة تعلم اللغة العربية، لأنهم يعانون من صعوبات جمة في استخدامها خاصة في مهارات القراءة والكتابة والتحدث بلغة عربية سليمة، فالطالب نشأ على استخدام اللغة الإنجليزية. وأوضح أن هناك استخدام لـ «خلطة لغوية» من مجموعة لغات قائمة في المجتمعات العربية، وهذا خطير جداً على اللغة، والعجيب أن الكثير من العرب يسعون للتحدث بهذه اللغة مع الآخر «الهندي أو الآسيوي» بلا داع، مشيراً إلى أن الحادي عشر من سبتمبر أدى لتنامي الاهتمام بدراسة اللغة العربية في الولايات المتحدة الأميركية وتضاعف عدد الطلاب الدارسين لها، وتحدث عن الكثير من تحديات اللغة العربية في الحوار التالي مع «العرب»:

حدثنا عن تجربتك في تدريس اللغة العربية في جامعة تعتبر فيها اللغة العربية لغة ثانية؟
- كنت معيدا في الجامعة المصرية الأم منذ عام 1994، ثم انتقلت للولايات المتحدة الأميركية في عام 2001 وعملت في جامعات منطقة واشنطن العاصمة، وهي بيئة تختلف تماماً من حيث نوعية الجامعات، والطلاب، وبيئة التعلم، وتخصصي الأساسي هو فنولوجيا العربية واللغات السامية، ولكن بعد الحادي عشر من سبتمبر حدث تحول كبير في اهتمام الطلاب في الولايات المتحدة بدراسة اللغة العربية، وتضاعف عدد الطلاب عشرات المرات حتى إن أقساما مثل الأقسام المهتمة بالدراسات السوفيتية أغلقت لتحل محلها أقسام تهتم بدراسة اللغة العربية، والشرق الأوسط، والإسلام، وزادت اهتماماتي بالجانب التطبيقي للغة، ومنها تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، في ظل تضاعف أعداد الطلاب المهتمين بدراسة اللغة العربية، ولم تكن دوافع الجميع سياسية، وأمنية، ووظيفية فقط، بل أراد الكثير منهم أن يكتشف ويعرف هذا الجزء من العالم.
أصبحنا ندرس العربية 
للطلاب العرب
في جامعة جورجتاون قطر، من الطلاب الذين يهتمون بتعلم اللغة العربية؟
- في كلية الشؤون الدولية بشكل عام تدرس اللغات الأجنبية كلغة ثانية، وعلى كل طالب أن يحقق الكفاءة اللغوية في لغة ثانية، وهذا من متطلبات دراسته وعمله المستقبلي المفترض كدبلوماسي، أو موظف بمؤسسات دولية، ولذلك هو مطالب بإتقان لغة ثانية بالإضافة للإنجليزية "لغة الدراسة"، وهذا شرط من شروط التخرج في الكلية، والكفاءة في لغة ثانية فيها تنوع كبير إذ يمكن أن تحصل عليها في: "اللغة الإسبانية، أو الألمانية، أو الفرنسية، أو الصينية، أو اليابانية، أو الفارسية، أو التركية... إلخ"، لكن هنا في قطر ولأن معظم الطلاب من أصول عربية أو إسلامية، فإن اللغة الأقرب هي اللغة العربية، هذا جانب من الموضوع، والجانب الآخر أن ثقافة هؤلاء الطلاب ودينهم وتاريخهم يجعلهم حريصين على تعلم اللغة العربية، وعندما بدأ برنامج اللغة العربية في كلية الشؤون الدولية في قطر، كنا أمام تحد كبير، إذ كنا نعتقد أننا سندرس اللغة العربية للأجانب فقط، لكننا وجدنا أن الطلاب الذين درسوا بالمدارس الدولية في حاجة ماسة لمتابعة تعلم اللغة العربية، لأنهم يعانون من صعوبات جمة في استخدام اللغة العربية خاصة في مهارات القراءة والكتابة والتحدث بلغة عربية سليمة، فالطالب نشأ على استخدام اللغة الإنجليزية في مجالات شتى، لذلك لا يستخدم اللغة العربية بذات الكفاءة التي يستخدم بها الإنجليزية، فالإنجليزية هي لغة الدراسة والبحث عنده، بينما اللغة العربية هي لغة الحوار بينه وبين والديه، أو في محيطه الصغير، لذلك حرص كثير من الأسر على إلحاق أبنائهم بجامعة جورجتاون - قطر لما لها من سمعة حسنة في توفير بيئة تعليمية جيدة، ويحمد لأولياء الأمور وعيهم بهذه المسألة لأن أبناءهم تعلموا في مدارس دولية لا تمنح فيها الأولوية للغة العربية.

هل هنالك جنسيات أو متحدثون بلغات محددة يتعلمون اللغة العربية بطريقة أسرع؟
- هذه النقطة نقطة خادعة إلى حد ما، هناك طلاب ذوو أصول إسلامية من آسيا وإفريقيا يعتقدون أنهم يعرفون اللغة العربية أكثر من الآخرين نظرا لمعرفتهم بالقرآن ووجود مفردات ومصطلحات عربية كثيرة في لغاتهم، كذلك فإن بعض هذه اللغات تستخدم الخط العربي في الكتابة مثل اللغة الفارسية ولغة الأوردو، وكل هذا يجعل هؤلاء الطلاب يتصورون أنهم يعرفون العربية، وأن إتقانهم للعربية سيكون أسهل عليهم من أقرانهم من أوربا والولايات المتحدة، والواقع أن هذه الميزة النسبية لهؤلاء الطلاب تتلاشى بمجرد نهاية الفصل الدراسي الأول. 

في كتابك "الشفويات في الأمهرية والعربية" قلت إن هناك تشابها بين اللغتين العربية والأمهرية على المستوى الصوتي، هل هذا صحيح؟
- اللغتان تنتميان إلى أسرة اللغات السامية، وهذا يؤدي بالطبع إلى وجود ملامح مشتركة في جوانب اللغة كافة صوتا، وصرفا، ونحوا، ودلالة، واللغة الأمهرية أحدث من اللغة الحبشية القديمة "الجعزية"، التي هي أقرب للعربية، وهناك كثير من الكلمات مشتركة الأصول بين اللغتين فنحو كلمة "برهان"، وكلمة "مشكاة"، وكلمة "منبر"، وهي كلمات أصلها سامي مشترك، والشعوب السامية تتبادل الكلمات دائما، فبين الحبشية والعربية مفردات مشتركة كثيرة جدا، أما فيما يتعلق بالأصوات والظواهر الفونولوجية، فإن اللغات العربية واللغات الحبشية السامية ومنها اللغة الرسمية لإثيوبيا وهي اللغة الأمهرية تتشابه في معظم الجوانب الصوتية والبناء المقطعي والظواهر الفونولوجية الأخرى، وتأتي هذه الدراسة المقارنة في سياق إعادة بناء الأسرة السامية المفترضة. وتفسير ظواهر كثيرة في اللغة العربية من خلال الدراسة السامية المشتركة، وقد استخدمت في هذه الدراسة التحليل "الفيزيائي الأكوستيكي" نظراً لدقة نتائجه مقارنة بالتحليل النطقي التقليدي الذي يفتقد إلى الدقة.
دراسة الأصوات ترتبط 
بعدة علوم
في كتابك ربطت بين دراسة الأصوات وعلوم مثل طب السمع والكلام، وهندسة الاتصالات، والموسيقى، ما الخيط الناظم بين هذه العلوم؟
- نعم، هذا جزء من تطبيقات التحليل الأكوستيكي للأصوات، وهو مجال فيزياء الصوت، وقد تمت الاستفادة من تطبيقاته في عدد متزايد في أجهزة طبية وهندسية ترتبط بالأصوات، وهي قائمة على تحليل الصوت وقياسه، وتطبيقاته التي تمتد لتشمل أمراض السمع والكلام، وقد ذكر شيخ الصوتيين العرب الدكتور سعد مصلوح في مؤلفاته المختلفة العديد من المجالات التي استخدم فيها التحليل الأكوستيكي للأصوات، ذلك أن علاج عيوب النطق أو محاولات تدريب المذيعين والممثلين والخطباء على أفضل أداء صوتي ممكن للنص اللغوي يقوم على أساس من المعرفة بالخصائص الفيزيائية لهذه الأصوات، وكذلك توثقت علاقة الصوتيات في السنوات الأخيرة بمجال هندسة الاتصال، وأصبح لنتائجها أثر كبير في رفع كفاءة أجهزة الاتصال ونظم الهواتف وتصنيع مكبرات الصوت واستخدام النوع المناسب منها في الإذاعة المسموعة والمرئية، ومن بين المجالات الأخرى التي استخدمت فيها تطبيقات علم الأصوات التجريبي مجال البصمة الصوتية والأدلة الجنائية، وما زلنا نتذكر إلى الآن أهمية هذه التحليل للتأكد من هوية صوت أسامه بن لادن في التسجيلات التي كانت تنسب إليه.

نتيجة لعيش مجموعات كبيرة من الناطقين بغير العربية في المنطقة العربية خصوصا منطقة الخليج، هذا الواقع أنتج لغة هجينا، هل هنالك دراسات حول هذا الأمر؟
- نعم هناك دراسات ترصد هذه الظاهرة، وهذه اللغة الجديدة لم تصل لدرجة الهجين بعد ولكنها في طور التكوين. وهي استخدام "خلطة لغوية" من مجموعة لغات قائمة في المجتمعات الخليجية، وهذا خطير جدا على اللغة، والعجيب أن الكثير من العرب يسعون للتحدث بهذه اللغة مع الآخر الهندي أو الآسيوي بلا داع، وأسألهم من قال لكم إنكم إذا تحدثتم باللغة العربية الصحيحة، فإنهم لن يفهموكم؟! لماذا تقفزون إلى افتراضات خاطئة؟! لماذا تستخدمون لغة مسخا؟! كلايف هولز اللغوي الأوربي المتخصص في لهجات الخليج، والذي عاش في البحرين فترة من الزمن كتب عدة كتابات عن اللغة العربية في الخليج، وفي بعض كتاباته أن اللغة العربية في الخليج في طريقها لأن تكون لغة هجينا.

ما أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم في مجتمع متعدد اللغات واللهجات؟
- ليس تعدد اللغات واللهجات هو المشكلة، بقدر سيطرة اللغة الإنجليزية على المشهد، فالمقيمون في دول الخليج جميعهم على اختلاف جنسياتهم، يستخدمون الحد الأدنى من اللغة الإنجليزية في التواصل، ولغة التعليم في معظم المدارس هي اللغة الإنجليزية، والأجيال الجديدة حتى من العرب يفضلون استخدام اللغة الإنجليزية في التواصل فيما بينهم، والحقيقة أن مواجهة هذه السيطرة ليس صعبا، فلماذا مثلا لا يتم إلزام كل من يرغب في العمل في دول الخليج من الأجانب باتباع دورة ابتدائية في تعليم العربية؟ وأن يكون هذا شرط من شروط التوظيف للجميع، نحن في العالم العربي مهزومون ومغرمون باتباع الغالب، وكثيرا عندما أتأمل واقعنا اللغوي والثقافي أتذكر مقولة ابن خلدون الخالدة: "المغلوب مغرم بتقليد الغالب"، فالخطر الأكبر ليس التنوع واللهجات وإنما سيطرة لغة أجنبية، وأن تكون هي لغة الاتصال والتعليم والثقافة.
 

العَرب