أما حان الوقت أن نبهرهم

أ. عائشة الجناحي

 كشف وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان أسرار عسكرية تدور حول خطته في الهجوم على العرب في مصر باتباع الخطة ذاتها التي تم اتباعها في سنة 1956م فثار عليه القادة العسكريون بسبب كشفه لأسرار عسكرية واتهموه بالجنون فرد عليهم: «لا تقلقوا، العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون». هل نحن فعلاً كذلك؟.

قال الله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» – سورة العلق. مع أننا أمة أقرأ ولكن البعض لا يقرأ وإذا قرأوا لا يتم الاهتمام إلا بالقصص والروايات التي لا تجلب النفع الكافي لقارئها فالقراءة تنير دروب السالكين وتعرفهم على منارات العلم والمعرفة فتحفظ الوقت من الضياع وتشغله عن توافه الأمور.

كم هي عظيمة تلك المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، لعام 2016، مبادرة التأصيل والتنوير والتحضُّر، «عام القراءة» والتي تحفظ وتحصن الدولة من عبث العابثين، فهي تشجع كل ما من شأنه منح العقول معرفة وتحصيلاً ثقافياً. ولكن هل حب القراءة نمط وأسلوب في حياة الأفراد أم هو مجرد وهم كاذب؟

بعد أيام قليلة من إطلاق هذه المبادرة ذهلت من ردة فعل إحداهن حين أخبرتني أنها ترى في القراءة مضيعة للوقت وذلك هو سبب أساسي لعدم رغبتها في القراءة ورددت بسلبية «أناعندي وقت حق شو ولا شو»، وقد لا يمكننا أن نبني العالم من حولنا مثلما نريد، لكن يمكننا أن نبنيه في داخلنا كيفما نشاء لنعكس أفكارنا بشكل إيجابي على عقول الآخرين.

معظم الناس يركزون ويبحثون عن نقاط ضعفهم ناسين أهمية تنمية نقاط قوتهم في جانب القراءة فينتهي بهم المطاف بأن يكونوا أناساً عاديين لا يميزهم شيء، ومن المضحك المبكي أن البعض يتفنن في وصف نقاط ضعفه ولكنه لا يستطيع إدراك نقاط القوة لديه فيجهل الأشياء التي يتقنها وهذا ما قد يحرمه من لذة التجربة وتحقيق النجاح فيصعب عليه تجنب العثرات.

إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ – (الرعد:11).

الإنسان المتميز يبحث عن أساليب تقوي وتطور من نقاط قوته لتتغير حياته نحو الأفضل مما يعني أن زمام أمره في يده، وإذا سلطنا الضوء على دور الأسرة في غرس حب القراءة في نفوس الأطفال لوجدنا أنها المثير الأول لميل الطفل نحو القراءة فالأسرة هي التي تشكل الطفل وتبني عاداته واتجاهاته إما أن يكون اتجاهاً مزخرفاً بالنجاح أو اتجاهاً يلقي بهم في الهاوية.

في هذا الإطار، لا أقصد التندّر قدر ما أود الإشارة إلى عواقب نقص الاهتمام في غرس حب اللغة العربية عند الطفل فاتقان اللغة الإنجليزية أمر مطلوب وجميل وجهلها لا يعيب الفرد ولكن ما يعيب بحق هو جهل اللغة الأم «اللغة العربية» و إزدراؤها.

أظهرت بعض الدراسات أن تعلم الأطفال اللغة الإنجليزية واتقانها في سن مبكرة ليس له تأثير إيجابي في أن يجعلهم أكثر ثقافة من أقرانهم الذين لم يتعلموا هذه اللغة في المراحل الأولى، ولقد ظهرت نتائج كثيرة أن تعلم الطفل للغة الإنجليزية في سن مبكرة قد أدى إلى نسيان اللغة العربية عند الطفل وتحولها إلى عبارات ركيكة - سترين (1990).

الطفل لديه القدرة على استيعاب أكثر من لغة ولكن من الضروري العناية باللغة الأم في الدرجة الأولى. توفر دولة الإمارات مبادرات عديدة لتطوير وغرس حب اللغة العربية في نفوس أبنائنا من ضمنها «تحدي القراءة» .

والتي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والذي يعَّد أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي. هذا المشروع عظيم وقد يحقق نجاحاً ملحوظاً إذا تم إدراكه من قبل الأسرة بشكل خاص والمدرسة بشكل عام.

القراءة تفيد الإنسان في حياته وتوسع دائرة خبراته وتكسب الطفل حساً لغوياً رائعاً فيتحدث مع الناس بثقة ويعبر عن فكره بشكل أفضل فتنمي لديه ملكة التفكير وتبني شخصية قوية قادرة على حل المشكلات التي تواجهه في الأمور الحياتية، لذلك اهتم العلماء بالقراءة ووضعوا الكتاب في أرفع منزلة وجعلوه الأنيس والصديق والرفيق.

في الماضي، كان الغزاة إذا دخلوا لاحتلال الأراضي العربية المسلمة يتخلصون من مكاتبهم وكتبهم لأنها العامل الأساسي في إنارة وتنمية العقول وأشهر أحداث التاريخ تشهد بذلك.

مبادرات الدولة اليوم تشهد آفاقاً جديدة خاصة للشباب لأنهم الركيزة الأساسية والأهم في المجتمع لذا جاءت المبادرات الخاصة بالقراءة في دولة الإمارات لتحفز أبناءنا وأبناء العالم العربي على القراءة وهو بلا شك طريق لبناء شعب متحضر بعيد عن التشدد والإنغلاق.

نعم يا موشي دايان العرب اليوم يقرأون وإذا قرأوا يفهمون وأفكارهم قابلة للتطبيق. أما حان الوقت أن نبهر العالم بثقافتنا العربية ومدى قوتها؟!

 
 

البيان