ما هذا؟

أ. محمد العلي

 «إن كل ما هو «عربي» لا بد له أن يرتد لفظه وبالتالي وعينا به إلى صيغة الفعل الماضي، فلا شيء «أصلي» في الحاضر والمضارع، ولا شيء يحدث الآن أو سوف يحدث مستقبلا إلا وأصله ومعناه كامن في جذره الذي يأتي على صيغة فعله الماضي وإلا فهو غير عربي».

هل ارتعدت فرائصك وأنت تقرأ هذا النص الجارح للأستاذ يوسف زيدان؟! ليوسف زيدان بعض الشطحات.. ولو كان صوفيا لقُرئت قراءة أخرى.. ولكنه مطلع قدير، ويقول شطحاته هذه بكامل قواه العقلية والمعرفية.. وهذا هو منبع العجب!.

التهم التي رجمت بها اللغة العربية تهم كثيرة، حتى من بعض اللغويين المعاصرين.. ولكن الفادح في أي تهمة هو سريانها إلى «الوعي» العربي وبناء الذهنية العربية نفسها، وأنها ذهنية ماضوية بحكم اللغة.

إن الكثير منا يدين هذه التهم؛ لأنها تتعارض مع تصوراته الإرثية عن اللغة، وأنها تتمرد على الاعتزاز العاطفي بها.. وقليل هم الذين يضعون هذه الاتهامات موضع تأمل طويل.

إن ارتباط اللغة بالبناء النفسي والعاطفي والمعرفي؛ يجعل من هذه الاتهامات اتهاما لوعي الأمة واعتبار ذهنيتها ذهنية بعيدة عن الحاضر والماضي أي إدراك الواقع.

ليس في استطاعتي دحر كل التهم الموجهة إلى العربية، ولكن بعضها يتضمن اتهام الوعي العربي نفسه بالعقم وعدم التطور، وهذا الاتهام ليس ظالما وحسب، بل هو ضد الواقع، فاللغة شجرة تغير أوراقها كل جيل والذهنية متطورة.. والفعل التطوري ليس فعل اللغة وحسب.. بل هو جدلية قائمة أبدا بين الفكر واللغة.

ينطلق اتهام زيدان من أساس "الاشتقاق" وأنه الفعل الماضي في حين أن أكثر اللغويين عمقا في الماضي يعتبرون أن أساس الاشتقاق هو المصدر، والمصدر يدل على الحدث مجردا من الزمن.

الاشتقاق هو توليد الألفاظ بعضها من بعض، ويعتبر جسرا يصل بين اللغة وبين الحياة الاجتماعية والفكرية.. وهما في تطور دائم.

ينعى كثيرون أن القاموس العربي ليس فيه تاريخ للألفاظ وتطورها، فهو يعتبر المفردات ثابتة، وهذا يخالف قانون التطور الذي هو "الحتمية" الوحيدة.
 

اليوم