|

اليونسكو وسفرها عن الحضارة الإسلامية
أ. احمد عاطف
اصدرت اليونسكو منذ عدة سنوات ستة مجلدات ضخمة عن مختلف جوانب الثقافة الإسلامية يطيب لنا اليوم ان نلقي عليها الضوء.وكان الغرض المستهدف من ذلك هو تقديم هذه الجوانب علي نحو يراعي فيه تاريخ وحاضر هذه الحضارة التي تتطلع إلي مستقبل يضاهي الدور البارز الذي اضطلعت به والأمجاد العريقة التي شهدتها في ماضي أيامها.لانها كانت طوال العصور الوسطي قطب جذب علي الصعيد العالمي وتمكنت من تزويد الشعوب التي اعتنقت الإسلام، في الرقعة الممتدة من بحر الصين إلي شواطئ المحيط الأطلنطي في إفريقيا، بنسق متكامل من المرجعيات والقيم الثقافية التي شكلت وحدتها وصانت الخصائص المميزة لها في الوقت نفسه. يضاف إلي ذلك أن الحضارة الإسلامية التي ظلت تصبو منذ بزوغها إلي الشمول والعالمية مارست علي جيرانها في مجالات عديدة تأثيرا ليس إلي نكرانه من سبيل. وعلي امتداد القرون الوسطي اهتم آلاف المفكرين والعلماء المسلمين بالتراث اليوناني الغني واستنبطوا نظريات خاصة بهم خصبت تربة العصور الوسطي اللاتينية ومن ثم انبثقت البراعم المبشرة بميلاد النهضة الأوروبية، فكانوا حلقة وصل لا غني عنها في نقل المعارف والعلوم؛ تلك العملية التي تقف شاهدا رائعا علي اتصال حلقات الملحمة الإنسانية.وقد أسهم الفلاسفة والجغرافيون والفيزيائيون وعلماء الرياضيات والزراعيون والأطباء المسلمون في مغامرة العلم التي لا حدود لها، فتدفقت المعارف من صقلية ومن الأندلس، فكأنها حبوب لقاح نثرتها رياح التبادل المخصب.إن الثقافة الإسلامية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ والتي لا تزال تفيض حيوية وفتوة قد وضعت رؤية للإنسان وللعالم علي حدّ سواء واستحدثت فلسفة وطريقة في الحياة مازالت تشهد لها حتي اليوم الآثار الرائعة لتراثها الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من التراث الانساني واستمساكها بجذورها لا يمنعها بأي حال من أن تسعي إلي أن تتبوأ مكانها في هذا القرن، أو من أن تشارك في الراهنة، أو أن تفتح صدرها لحوار الثقافات المحفز.هذه المجلدات لم ترم إلي التخصص والتبحر، ولا إلي التبسيط، وإنما طمحت إلي أن تكون عملا تتحقق فيه الصرامة العلمية فشارك في إعدادها علماء مرموقون في العالم الإسلامي. وقالت اليونسكو انها صنعت ذلك العمل لاسترجاع أصالة الثقافة الإسلامية وإبراز حاضرها في آن واحد، رغبة منها أن تظل وفية لرسالتها السامية في صون وتطوير القيم الخاصة بكل ثقافة من ثقافات العالم بغية توثيق عري الحوار بين الثقافات باعتباره وسيلة سلمية لا غني عنها لتحقيق التفاهم بين الشعوب. المجلد الأول يقدم مبادئ الإسلام التي يستمدون منها تصورهم للكون وقيمهم الأخلاقية كما يركز علي أهمبة العبادة والتوحيد في حياة المسلمين، ووصف القرآن والسنة اللذين هما المصدران لمبادىء وتعاليمه كما يتناول الاجتهادات المستمرة فيما يخص التفسير والتأويل وأصول الفقه ويبين أن الإسلام صالح للتطبيق في أي زمان ومكان. المجلد الثاني هو الإسلام المعيش في الحياة اليومية للمسلمين ويتناول في بعض فصوله شؤون السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان وتحرير المرأة كما يناقش دور الفرد المسلم في جماعة المسلمين. ويشمل الفصل المفرد للفقه وصف هذا العلم وسعيه إلي تحقيق أهداف العقلانية والعالمية والمساواة التي ينطوي عليها القرآن؟ ويبين هذا السفر مرونة الإسلام وقابليته للتكيف مع الأعراف والعادات المحلية، وكذلك يبين كيف أضحي التعليم يؤدي في العصر الحديث دورا متزايد الأهمية في توجيه المسلمين، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وبقيمهم الدينية. المجلد الثالث يعني بالإسلام من وجهة النظر التاريخية والجغرافية ويصف الظروف الاجتماعية والدينية التي اضطلع فيها النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) والخلفاء من بعده بنشر الدعوة الإسلامية. اما الرابع فيشتمل علي موجز لتاريخ العلوم في الإسلام ، لاسيما في مجالي الطب والتكنولوجيا. ولئن كان إسهام الحضارة الإسلامية في مجالات الرياضيات والفلك والفيزياء والطب معترفا به منذ مدة طويلة ، فإن هذا المجلد يثبت أيضا إسهام العلماء المسلمين في دراسة الظواهر الكونية وعلوم الجيولوجيا والمعادن والحيوان والنبات. وفي حين أن مؤرخي العلوم عند المسلمين لا تتجاوز دراساتهم حدود القرن السادس عشر الميلادي فإن مؤلفي هذا المجلد يذهبون أبعد من ذلك حيث تتناول دراساتهم العلوم والتكنولوجيا وازدهارهما في ظل الإمبراطورية العثمانية وفي إيران والهند.و المجلد الخامس يقدم أربعة من مجالات الإبداع هي الفن ، والعلم ، والفلسفة، والتصوف ، واللغة والأدب، ويعرف القارئ بأعلام الموقعين في هذه الميادين. ويشتمل علي تحليل المنزلة الفريدة التي تحظي بها اللغة العربية في العالم الإسلامي ودورها في الأدب، ودراسة اللغات الكبري الأخري في العالم الإسلامي. وفيه عرض للتصوف وتعاليمه وأهميته في تاريخ الحضارة الإسلامية. ويتناول القسم المفرد للفلسفة العلاقة بين الإيمان والعقل ومناقشة بعض التيارات الفكرية ممثلة في فلاسفة كابن سينا. ويرد في هذا المجلد وصف لإسهام الثقافة الإسلامية في العلوم الاجتماعية والفنون عند العرب وغيرهم من الأقوام ، في مجال الجغرافيا والفن المعماري والموسيقي والصناعات اليدوية. ويتناول المجلد الأخير السنوات المائة الأخيرة من تاريخ الإسلام .وميزة هذا السفر الضخم أنه يتناول موقف الإسلام اليوم من الأديان والثقافات الأخري وكذلك يتناول الجهود المبذولة في سبيل تحقيق التفاهم والتعايش داخل البلدان الإسلامية وخارجها.
الأهرام
|
|
|
|