أدب الدرجة الثانية

أ. مها حسن

 المصطلح غير متوفر باللغة العربية. هذا يعني، للبحث عن أصل التسمية، تجب العودة إلى المراجع الأجنبية. لنذهب إلى محرّكات البحث عبر الإنترنت، ونكتب اللفظة التالية: Paralittérature . سنعثر على عشرات المُقترحات للقراءة والتنقيب عن اللفظة. (باراليتيراتور)، والتي تتكوّن من كلمتي: بارا ـ ليتيراتور. (ليتيراتور)، هو الأدب، أما (بارا) فهي لفظة تنتمي إلى منظومة لغوية، تأتي في بداية بعض المفردات، لتعطي معنى مختلفاً. ويمكن ترجمتها، حسب سياق ورودها، ما بين: إلى جانب ـ أو عكس.

أي يمكن أن يكون تعبير (الباراـ ليتيراتور) هو: إلى جانب الأدب، أو عكس الأدب. أو ما يدعوه بعض الدارسين في فرنسا بـ «تحت الأدب». وربما يمكننا أن نجتهد في لغتنا العربية، التي لم تتعرّف كثيراً على هذا المصطلح، فنسمّي هذا النوع من الأدب: أدب الدرجة الثانية. وهذا مانتوصل إليه عبر التعاريف العديدة والاشتغالات النقدية والأبحاث الجامعية على تاريخ المصطلح، الذي ظهر أكاديمياً، لأول مرة في السبعينيات من هذا القرن.
يُنظر إلى هذا الأدب، على أنه الكتابات التي تظهر على هامش (المؤسسة الأدبية)، أو النصوص التي لا تتمتع باعتراف أدبي. ربما كان من الضروري، وضع مصطلح المؤسسة الأدبية بين قوسين، للتمييز بين الرأي العام ونظرته إلى الأدب، وبين نظرة المؤسسة الأدبية، التي أيضاً تحتاج إلى وقفات تعريفية. هذه المؤسسات، الأكاديمية غالباً، والتي تضم نُخب الباحثين والنقّاد الدراسين للغّة والآداب، تنظر إلى بعض أنواع الأدب، وهو المقصود هنا بالبحث عنه، نظرة دونية إلى حد ما.
ضمن هذا التقسيم، للأدب، وما تحت الأدب، يضع الباحثون كثيراً من الأشكال الأدبية الرائجة في خانة الأدب الثاني، أو أدب الدرجة الثانية، ومنها: الرواية البوليسية ـ رواية المغامرة ـ رواية الخيال العلمي ـ الرواية الإيروتيكية.. أو كل الروايات التي تحقق المتعة السريعة. وضمن كل هذا، تدخل الرواية الشعبية.
قد يكمن هنا ربما الفاصل العتيد بين الطرفين الناظرين للأدب: المؤسسة الرسمية ـ النظرة الشعبية. من هنا سيأتي التناقض في التقييم. ففي دراسة للكندي مارك أونجونو، صدرت عام 1974، تحمل عنوان: ما هو أدب الدرجة الثانية؟ يبدأ دراسته بطرح المعاني المتعدّدة للمصطلح. يتحدث عن الرواية الشعبية ـ روايات الحشد ـ رواية الثلاث بنسات والتي يُقال عنها بالأميركية (ديم نوفيل) أو العشر سنتات.
يربط مارك بين تعريفات هذا الأدب، وبين النظرة الإيديولوجية والاجتماعية للثقافة، الأمر الذي يجعل المجتمع الثقافي يقسم الأدب إلى أدب مُعترف به ـ وأدب لاحق، أو مجاور، أو أقل قيمة من الأول. حتى أن قاموس لاروس يعرّف هذا الأدب بالأدب الموجّه للجمهور الواسع.
ربما من المهم في الثقافة العربية اليوم، العودة إلى الأصول اللغوية في تعريف الأدب، وطالما الحديث عن الرواية أصلاً، والتي ساهمت أوروبا، بنشأة هذه التعريفات، وكون الرواية هي فن أوروبي أساساً، فالشعر هو قاموس العرب، أما الرواية فهي ثقافة آتية من الآخر، كما يعتقد أغلبنا. ربما إذن على الثقافة العربية، والنقد العربي المُعاصر، الاشتغال على النتاج الروائي العربي، بغض النظر عن الموافقة على تلك التقسيمات الصارمة والقاسية للأدب، عبر فصله بطريقة الأكاديميين إلى أدب، أو تحت الأدب. لكننا في الوقت نفسه، لا نستطيع إنكار دور هؤلاء الأكاديميين. حيث الصرامة تنقذنا من الإسفاف في بعض الحالات.
ليأخذ أي مُشتغل على الهمّ الثقافي، النماذج الروائية الصادرة كل سنة، وليحاول أن يلعب بينه وبين نفسه، أو مع أصحابه، لعبة التقسيم هذه. أي نتاج يحقق إعجاب الحشود؟ هل هذا يعني اضمحلال القيمة الأدبية للعمل الرائج؟ القاعدة ذاتها التي تُخلخل نظرية البيست سيلر، حيث النظرة التشكيكية بالعمل الحاصل على الإعجاب الجماهيري؟
هل يمكن الوثوق بالذائقة العامة؟ أم أن ثمة فجوة فكرية بين الأروقة المؤسسية الثقافية، الأكاديمية، وبين الجمهور، لا يمكن ردمها والاستكانة لرأي جمهور يسعى غالباً إلى تحقيق المتعة السريعة من القراءة؟
هل تتنافى المتعة مع المعرفة الجدية والتساؤلات المُقلقة التي يطرحها الأدب الجيّد، أو الأدب الحقيقي؟ وهل لهذا علاقة مثلاً، بأن أغلب الحاصلين على نوبل، لم نكن نعرفهم من قبل، ولم يكونوا مترجمين إلى اللغة العربية خاصة، من قبل؟
هي لعبة ربما، قد تكون نتائجها كارثية، للإجابة على سؤال عربي بحت: ماهي الرواية العربية اليوم التي تحظى بالضوء الإعلامي، وتنتمي في الوقت ذاته، إلى الأدب، لا إلى الأقل من الأدب، أو الأدب الأقل؟
 

السفير