|
تأثير النحو العربي في نظرية تشومسكي
د. جاسم علي جاسم
ملخص البحث
إن الهدف من هذا البحث هو بيان تأثير النحو العربي - بطريقة غير مباشرة - في نظرية علم اللغة لدى تشومسكي، التي يعدها من بنات أفكاره، ولم يشأ أن يذكر أي أثر للنحاة العرب في شيء من هذا مطلقاً. لذلك يحاول هذا البحث جاهداً أن يبرز الخطوط الرفيعة والرئيسة التي تثبت تأثر تشومسكي بالنحو العربي؛ وذلك من خلال اللغة العبرية وترجمتها للغات الأوربية في العصور الوسطى, أو العصر الأندلسي الذي كان يعد العصر الذهبي للغة العبرية. وأن يسلط الضوء قليلاً على البنية العميقة والسطحية عند الجرجاني ومدى تأثر تشومسكي بها.
تـمـهـيــــد
إن للخليل بن أحمد الفراهيدي مدرسة أصيلة في النحو العربي اتخذت من البصرة مقراً لها في ذلك الزمان النجيب. وأشرقت أنوارها المبينة في أرجاء المعمورة, وتتلمذ على يديه الكثير من الطلاب وأولهم وأنجبهم سيبويه. ومالبثت تلك المدرسة؛ وبعد أن خبت نارها ردحاً من الزمان، حتى أنجبت في هذا العصر عالماً لغوياً يهودياً عمل على إشعال النار من تحت الرماد مرة أخرى للنحو العربي ليهتدي به العالم ويطبقه على لغاته المختلفة. ولكن هذه المرة على خلاف السابق, فإن النحو العربي يُدَرَّس باللغة الإنجليزية، وعلى يدي أشهر عالم لغة في العصر الحديث والذي أَحْدَثَ زلزالاً لغوياً في النحو الإنكليزي ألا وهو نوم تشومسكي.
فإن كثيراً من العلماء أخذ نظريته على أساس أنها من اختراع العقل اللغوي الغربي. ولكن الحق مهما غُطِّي وَوُرِيَ وحُحِبَ عن البيان لابد أن ينجلي يوماً ما, ويسمو عالياً ويعود إلى أهله مهما طال الزمان. ومن أبناء اللغة العربية من يسهرون على رد الحق إلى نصابه وأن يُصوبوا الحقيقة لتظهر ناصعة حتى لا تُعمى على الكثيرين من أبنائها وغيرهم. فها هو تشومسكي يعيد للعربية بريقها وبهاءها وجمالها وعزَّها ورونقها بثوب جميل على أهلها وعلى غير أهلها، وليطبقها على اللغة الإنجليزية؛ ومن خلالها تُطبق على لغات العالم أجمع. كيف هذا؟ وعلى أي أساس يُبنى؟ الجواب:
إن تشومسكي عالم لغوي يهودي، وإن أباه عالم لغوي كذلك؛ وله اطلاع على اللغات السامية كالعربية والعبرية وغيرهما ( [1]). ولقد كتب تشومسكي رسالته للماجستير عن الصيغ الصرفية في العبرية([2]). والأكثر أهمية من ذلك، لقد قام اللغويون اليهود في الأندلس بكتابة قواعد لغتهم نحوياً وصرفياً على طريقة النحو العربي. فكان النحو العبري صورة طبق الأصل عن النحو العربي؛ والذي صيغ على هيئة النحو العربي. ومن ثم ترجم إلى اللغة العبرية واللغات الأوربية على أيدي علماء اللغة اليهود في العصر الأندلسي([3]). وكانت اللغة العربية وعلومها من نحو وصرف وبلاغة وغيرها تُدَرَّس بشكل رسمي ومعتمد في جامعة باريس في القرن الرابع عشر([4]). وتسربت هذه المعلومات إلى المدرسة الفرنسية في القرن السابع عشر التي كانت تسمى بالباب العالي (Royal-Port) وعلم اللغة المنطقي الديكارتي (Cartesian Linguistics…)؛ واستفادت هذه المدرسة الفرنسية من النحو العربي ومدارسه والتي تأثر بها تشومسكي كما يعترف بنفسه بها([5]). فتجد في النحو العبري ظاهرة التقديم والتأخير والتأويل والحذف والزيادة وغير ذلك من الظواهر النحوية العربية ([6]). وهذه الظواهر اللغوية معروفة لدى تشومسكي وطبقها على اللغة الإنجليزية([7]). ووجد لها صدى مدوياً في الآفاق في تلك الفترة الراكدة لغوياً فعمل على إحياء اللغة الإنجليزية, وأحدث زلزاله العربي فيها وأعاد بناءها من جديد من خلال الظواهر النحوية العربية الجديدة عليها. وذلك من خلال التقديم والتأخير والتأويل الذي لم يُعرَف في النحو الإنجليزي من قبله وجاء به من البصرة بنبأٍ يقين. فعمل على زلزلة النحو الإنجليزي القديم وطبق الظواهر النحوية العربية عليه؛ وسار على منواله كل لغويي العالم تقريباً عرباً وغير عرب ([8]). وقبل البدء بعرض آراء المعارضين والمؤيدين لنظرية تشومسكي, يجب علينا أن نمهد قليلاً للنظرية التحويلية لنتعرف عليها بشكل موجز وبسيط.
إن النظرية التحويلية ذاتها نظرية حديثة نشأت في الخمسينات. فلقد كان أول ظهورها سنة 1957م عندما نشر اللغوي الأمريكي نوم تشومسكي كتابه المشهور "التراكيب النحوية Syntactic Structures". ثم تبعه عديد من اللغويين الذين طوروا نظرية تشومسكي أو أعطوها أشكالاً جديدة. طريقة النظرية التحويلية في سرد حقائق اللغة طريقة جديدة تخالف الطريقة التقليدية للنحويين. فهي طريقة تشبه معادلات الكيمياء أو متطابقات الجبر. فكلما ألف المرء هذه الطريقة شبه الرياضية، ازداد تفهمه لهذه النظرية وخف تعقدها بالنسبة له([9]).
والقواعد التحويلية هي: أن أية قواعد تعطي لكل جملة في اللغة تركيباً باطنياً وتركيباً ظاهرياً وتربط بين التركيبين بنظام خاص يمكن أن تكون قواعد تحويلية ولو لم تصف نفسها بهذا الوصف. إن وصف العلاقة بين التركيب الباطني والتركيب الظاهري يسمى تحويلاً أو قانوناً تحويلياً. والعلاقة بين التركيبين تشبه عملية كيمياوية يتم التعبير عنها بمعادلة أحد طرفيها المواد قبل تفاعلها والطرف الآخر هو الناتج بعد التفاعل. إن التركيب الباطني يعطي المعنى الأساسي للجملة. وهذا التركيب هو تركيب مجرد وفرضي يتوقف عليه معنى الجملة وتركيبها بعد أن تصبح تركيباً ظاهرياً. وبذلك يكون التركيب الظاهري حقيقة فيزيائية ملموسة ونستعمله إذا تكلمنا أو كتبنا..." ([10]).
مثال للتركيب الظاهري والتركيب الباطني([11]):
البنية الظاهرية/السطحية:
1-كَتَبَ المعلمُ الدرسَ
2-كَتَبَ ¬ كُتِبَ
3-المعلم Æ تحذف
4-الدرسَ ¬ الدرسُ
البنية العميقة/ الباطنية:
1-ركن فعلي + ركن اسمي
2-ركن فعلي معلوم ¬ ركن فعلي مجهول
3-ركن اسمي1 ¬ صفر
4-ركن اسمي2¬ ركن اسمي1
5-ركن فعلي مجهول + ركن اسمي ¬ جملة
وبعد هذا التقديم الوجيز لنظرية تشومسكي يجب علينا أن نعرض لآراء المعارضين و المؤيدين لها.
الإيوان
|
|
|
|