اللغة.. وإحياء أهداف الثورة

أ. بلال حسن التل

 دعونا في مقال سابق إلى انصاف الثورة العربية الكبرى,وإبقاء أهدافها حية في ضمائرنا لمواصلة العمل من أجل تحقيق هذه الأهداف. وفي الطليعة منها حماية اللغة العربية بما تمثله اللغة من دلالات حضارية وثقافية وفكرية, بل أن اللغة هي أهم دلالات ومؤشرات الوجود المادي والمعنوي للأمة, حيث يؤكد علماء الاجتماع السياسي أن زوال الأمة لا يكون الا بزوال لغتها. التي هي عنوان عزتها وكرامتها واستقلالها من هنا حرصت الشعوب والامم على ان لا تتحدث, وان لا تُعلم الا بلغتها, بل أكثر من ذلك فان الكثير من الامم الحية لا تكتفي بالحفاظ على لغتها في محيطها الجغرافي, وبين ابناء عرقها, بل تسعى لنشر هذه اللغة وانتشارها بين الأمم الأخرى, لأن هذا الانتشار للغة يعني حضور أهلها ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بين الأمم.

بالمقابل فإن المستعمر المحتل يحرص على طمس لغة البلاد التي يحتلها لتحل محلها لغته, ولتذويب الامة التي تحتل أرضها في ثقافة المحتل,نعيش ذلك في أيامنا هذه في فلسطين المحتلة التي أحيا فيها المحتل الغاصب لغة ميتة, وجعلها لغة علم ومعرفة, واستخدامها لطمس عروبة فلسطين سائراً بذلك على درب راعيته الأم بريطانيا, التي جاهرت بعدائها للغة العربية, يوم أصر مندوبها بمصر على تحويل التعليم في الجامعة المصرية من اللغة العربية الى اللغة الانجليزية, التي اعطاها الصدارة على اللغة العربية في سائر مراحل التعليم, وجعل معلمي اللغة العربية في ذيل السلم الوظيفي والمكانة الاجتماعية, ليصرف الناس عن تعلم اللغة العربية.
ومثل بريطانيا كان الفرنسيون الذين حاولوا فرنسة الجزائر من خلال احلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية, كمدخل لطمس عروبة الجزائر, وهو عين ما فعله الطوارنيون الذين حاولوا تذويب العرب والعروبة من خلال طمس لغتهم لطمس وجودهم هو الخطر الذي أدركه أحرار العرب فكانت ثورتهم الكبرى.
لقد كان سعي الاتحاديين لتتريك العرب من خلال اهمال لغتهم وطمسها الشرارة التي حركت نيران الثورة حفاظا على الوجود العربي, الذي صار مستهدفا من خلال استهداف اللغة العربية, وهذه حقيقة علينا ان نستحضرها في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا, وبعد مئة عام على ثورة العرب للحفاظ على وجودهم من خلال الحفاظ على لغتهم, التي صارت تتعرض الان الى ابشع عملية اقصاء وتهميش في بلادها. وعلى ايدي ابنائها الذين نسوا ان من أول واهم اسباب ثورة اجدادهم على السلطة العثمانية الحفاظ على اللغة العربية مما يعني ان الوفاء للثورة العربية الكبرى يستدعي الوفاء للغة العربية. وعبر هذا الوفاء يتم الوفاء لسائر اهداف الثورة وفي الطليعة منها هدف تحقيق وحدة الأمة ذلك ان اللغة مثلما هي عنوان وجود الامة المادي والمعنوي, فإنها من أهم مكونات وحدتها السياسية والجغرافية,الذي نحن اشد ما نكون حاجة الى استحضاره والتمسك به في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا التي تتعرض الى ابشع عملية تهدف الى تفتيت المفتت وتجزئة المجزا, فاذا كان المحتل والمستعمر قد تمكن من تمزيق الجغرافيا العربية, فإنه مازال حتى هذه اللحظة عاجزا عن القضاء على مشاعر الوحدة وثقافتها في نفوس أبناء الأمة بفضل اللغة العربية, التي تغذي مشاعر الوحدة وثقافتها, ولذلك فإن الوفاء للثورة التي نحتفل بمئويتها يفرض علينا الدفاع عن أهدافها, والعمل لتحقيق هذه الأهداف, وفي الطليعة منها هدف تحقيق وحدة الأمة, وأول مداخل تحقيق هذا الهدف هو وحدة الثقافة التي تضخ الحياة في حلم الوحدة حتى تتهيأ أسباب تحقيقه وبهذا يكون الوفاء للثورة العربية الكبرى والاحتفاء بها.
ومثلما أن اللغة مدخل من مداخل تحقيق هدف الوحدة, فان الوحدة بدورها تشكل مدخلاً لتحقيق هدف اخر من اهداف الثورة أعني به هدف السيادة والاستقلال, ذلك ان الوحدة هي الاطار الذي يمكن من خلاله حشد امكانيات الامة وتوظيفها لتحقيق السيادة والاستقلال, ومنع تدخل الاجنبي في شؤونها الداخلية, بعد ان وجد هذا الاجنبي في فرقة الامة المدخل الذي ينفذ منه للنيل من السيادة والاستقلال, الذي من اجله ثار العرب ثورتهم التي نحتفل بمئويتها, ونحن اشد ما نكون فرقة واحساسا بفقدان السيادة والاستقلال, بفعل عودة الاجنبي للتدخل في شؤونناولإدارة بلادنا بصورة مباشرة,الامر الذي صار واضحا في اكثر من رقعة عربية,مما يفرض علينا ونحن نحتفل بمئوية الثورة أن نتذكر هدف السيادة والاستقلال الذي قامت لتحقيقه.
كثيرة هي الاهداف التي قامت الثورة العربية الكبرى التي اسماها قائدها بالنهضة, والتي أعلن في بيانها الاول انها ستأخذ بكل الاسباب التي من شأنها تحقيق النهوض الشامل للأمة, وهو النهوض الذي يحقق لأبناء الأمة الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة, وهي أهداف جديرة بان نحييها ونسعى الى تحقيقها حتى لاتذهب الدماء التي سفكت من اجلها هباء.
 

الرأي