اللغة العربية: التبسيط وليس التسطيح

أ. فاتن الحاج

 لا يترك وزير التربية الياس بوصعب مناسبة إلا ويتحدث فيها عن توجهاته «لتبسيط» مادة اللغة العربية في المناهج المنوي تطويرها بما يتماشى مع مقتضى الأحوال. لكن ما لم يتوقعه أساتذة المادة أن يخرج الوزير في برنامج "طقطوق"، كما وصفه بعضهم، ليخبرهم عن عدم فائدة بعض القواعد في اللغة والأدب بلهجة ساخرة وظرف ممجوج.

استفزّ الأساتذة أن يكون «هيدا حكي» الذي يقدمه عادل كرم، على شاشة «MTV»، المكان الذي تناقش فيه مشكلة تربوية بهذا الحجم، وإن كانوا يوافقون على إعطاء الأولوية لكل ما هو وظيفي لمخاطبة إنسان اليوم، شرط عدم الوقوع في فخ التسطيح. إلا أن المعترضين اعترضوا على اختصار لغة الهوية والتراث ببضع كلمات.
حدث ذلك عندما سأل مقدم البرنامج بوصعب لمن يوجه كلمات أغنية الفنانة جوليا «ما عم بفهم عربي»، فأجابه وهو يضحك: «لكل الطلاب»، ثم طلب الوزير من كرم أن يسأل الشباب الحاضرين في الاستوديو «ما إذا كانوا يدرسون مادة اللغة العربية فعلاً بعدما باتت بعيدة عنهم نتيجة تفاعلهم مع لغات وتقنيات جديدة، ما يحتم علينا التسهيل لإعادة تحبيبهم بها وكي لا نخسرها». ثم دار «تنغيم» وحوار ساخر إلى حدّ التهشيم بين الشخصين عن أخوات كان (ما فتئ وما برح) و«البحار» والمقصود البحور الشعرية والفائدة من تعليمها إذا كان الطلاب لن يستخدموها في حياتهم العملية.
بٌعَيد الحلقة، قامت قيامة الأساتذة، فقال رباح القادري إنّ الدعوة إلى عدم الاهتمام باللغة العربية تدل على ما آلت إليه علوم وآداب وقيم المجتمع من انحطاط وفساد. ورأت زهراء قطيش أن اللغة تعرضت للقضم والتشويه في التعديلات الأخيرة للمناهج لتنشأ أجيال بكاملها لا تدري شيئاً عن أعلام اللغة العربية وأرباب القلم والكلمة فيها، سائلة: «ألا يكفينا جيل مبتور الجذور، منقاد، أعمى، يقلد ولا يبتكر، يتماهى ولا يبدع؟».
أما النقابية بهية بعلبكي فطالبت عبر «الأخبار» وزير التربية بتوضيح ما حصل، فالتخفيف من صعوبة بعض قواعد اللغة لا يعني الاستخفاف بمكانتها و«الذي ينسف محاولاتنا الحثيثة لإقناع الجيل الجديد بلغته الأم»، مشيرة إلى أنّ هناك انطباعاً خاطئاً بأن المشكلة هي في محتوى المادة، فيما تكمن الأزمة في مقاربتها وتعليمها.
في المقابل، لم يجد أنطوان طعمة، خبير تربوي مواكب لتطوير المناهج، مبرراً لكل هذه الحملة إذا وضعت في سياقها، فالحديث التلفزيوني كان عفوياً وربما متسرّعاً، «إلا أن التوجيهات التي أعطانا إياها الوزير تنمّ على أنه يتعاطى مع اللغة العربية على أنها قضية كيانية مرتبطة بالهوية، لكنه ميال إلى أن يتصالح الطلاب معها وأن لا يعتبروها من الماضي». يشير طعمة إلى أن الخيط الرفيع بين الدعابة والسخرية المدمرة يحتاج إلى وجدان ذكي كي لا يخطئ، والوزير ليس بعيداً عن هذا الجو. مع ذلك، يؤكد طعمة أن ترشيق اللغة مطلوب وتسليط الضوء على ما هو وظيفي وراهن ضروري، «لكننا مسؤولون تجاه عدم الارتجال وحذف ما يتعلق بتراثنا».
 

الأخبار