
هل تعود العثمانية والعربية إلى تركيا؟
أ. عبد العزيز الكحلوت
يشعر المرء بعراقة المكان وبأصوات من التاريخ تناديه وهو يخطو إلى حي أبي أيوب بإسطنبول حيث مسجد أيوب سلطان "الذي بناه السلطان العثماني محمد الفاتح سنة 1458م وبداخله قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري الذي توفي سنة اثنتين وخمسين من الهجرة على أسوار القسطنطينية". جموع غفيرة من الأتراك منهم الصغير والكبير المرأة والرجل من مختلف الأعمار والمدن والقرى جاؤوا للصلاة فيه تفيض أعين بعضهم من الدمع خشوعا وترتفع أكفهم ضراعة فتشعر أن حب الأتراك لدينهم ودين آبائهم الإسلام لا يبزه حب ولا يضارعه هوى.
لقد حاول مصطفى كمال أتاتورك لأسباب ربما كانت مقنعة له ولنفر ممن حوله في ذلك الوقت ورغم تعلق الأتراك بتاريخهم ودينهم غربنة تركيا من خلال جملة من الإجراءات التي كان أخطرها إلغاء اللغة العثمانية المكتوبة بالحرف العربي 1928 والذي يشتمل قاموسها على نحو 6400 كلمة عربية وإعادة كتابتها بالحرف اللاتيني واستدعاء مفردات تركية قديمة لا يعرفها إلا المختصون وقد استخدم أتاتورك كما قال جيفري لويس عالم اللغة في أكسفورد ثلاثة أسس لإنتاج الكلمات الكفيلة بجعل اللغة التركية مستقلة عن المفردات الأجنبية وجديدة وهي استكشاف مصادر اللغة المنطوقة وجمع الكلمات الموجودة في النصوص القديمة وتوليد كلمات جديدة وبالفعل نجح العلماء بعد قراءة النصوص التركية القديمة في جمع 90 ألف كلمة لم تستخدم على الإطلاق وجعلوا منها لغة الأتراك الجديدة وعدّ المراقبون المنصفون هذا الإنجاز كارثة كبيرة لأنه أدخل تركيا في صراع رهيب وطويل مع هويتها وتاريخها إذ ألغى أتاتورك بجرة قلم أكثر من ألف سنة من الكتابة بالأحرف العربية ثم بجرة قلم أخرى منع تدريس اللغة العثمانية حتى للراغبين فيها حتى قدمت جامعة هارفارد في السنوات الأخيرة ولأغراض علمية منحة لدراستها ونتج عن ذلك نسيان التاريخ لجيل أو لأجيال ولا أدل على ذلك من أن الأجيال المعاصرة عجزت عن فهم خطاب أتاتورك الذي ألقاه أمام البرلمان في عام 1927 باللغة التركية القديمة (العثمانية) فاضطرت الإدارات المتعاقبة إلى ترجمته ثلاث مرات إلى التركية المعاصرة: الأولى في سنة 1963، والثانية في سنة 1986، والثالثة في سنة 1995 وكما قالت واشنطن بوست "فقد كان على شعب كامل أن يتعلم نظامًا جديدًا من الأبجدية بين عشية وضحاها" وهذا معناه أن الأجيال الحالية لا تستطيع قراءة تاريخها الموثق.
الرئيس رجب طيب أردوغان الذي شب وترعرع في حي قاسم العريق وابن إسطنبول مدينة التاريخ والعراقة والمعمار أدرك خطورة هذا الواقع وقال "لا يوجد شعب في العالم لا يستطيع أبناؤه أن يقرؤوا لغة أجدادهم التي كتبت قبل مائة عام" وأضاف "اللغة أكبر من أن تكون وسيلة تخاطب واتصال إنها حضارة وقلب وذاكرة وديمومة للأمم والشعوب" ولذلك وبتوجيه منه قرر المجلس الوطني للتعليم تدريس العثمانية في المدارس الثانوية بينما اعتبرت المعارضة تدريسها عودة إلى ظلام العصور الوسطى وقال بحسب جريدة حرييت "هناك من يرغب في ألا تدرَّس اللغة العثمانية ولكنْ سواء أحبوا أم لا فإنها ستدرس في هذه البلاد".
وربما لنفس الأسباب ولأن الدين في قلب كل ثقافة فقد قررت وزارة التعليم التركية اعتبارا من سبتمبر المقبل 2016 تدريس اللغة العربية لصفوف المرحلة الابتدائية الحكومية في خطوة جريئة غير مسبوقة وبتدريس العثمانية في المرحلة الثانوية والعربية في المرحلة الابتدائية فهل يمكننا أن نقول إن تركيا تصالحت مع نفسها وتاريخها وهل يمكننا أن نقول بعد عدد من الأعوام إن العربية والعثمانية قد عادتا إلى تركيا وأن تركيا أردوغان نجحت في وصل حاضر الأتراك بماضيهم.
الشرق
|
|
|