د. هند المطيري
لا عجب أن تسمع أحدهم يقول لصاحبه الذي كان يتمنى أن يدرس الطب أو الحاسب أو حتى يلتحق بقسم الجغرافيا أو التاريخ، ثم تخذله نسبته المنخفضة في المرحلة التحضيرية "احمد ربك إذا قبلوك لغة عربية"!
لا شك أن علوم العربية هي أجل العلوم بعد علوم القرآن الكريم، وأن تعلمها منّة وفضل من الله عظيم، فـ"العربية" لغة التشريع التي لا يستنبط إلا بها، ولغة العرب الذين لا يتم لهم التفاهم بغيرها؛ مع كثرة اللهجات واختلاف الألسن.
وقد حظيت اللغة العربية في المملكة بعناية الدولة -سددها الله- حين جعلت "العربية" جزءا من معرفها الجغرافي، وجعلت استخدامها ركيزة أساسية من ركائز النظام العام للحكم.
وحين ننتقل من التنظير إلى التطبيق نجد الدولة قد أولت تعلم اللغة العربية جلّ عنايتها؛ من خلال المناهج والمقررات الدراسية في مراحل التعليم المختلفة، ومن خلال الحرص على تعليم العربية للناطقين بغيرها، وابتعاث كثير من الطلاب غير العرب إلى الجامعات السعودية لدراسة العربية على نفقتها.
هذا الجهد الكبير تؤكده سياسة التعليم في المملكة التي جعلت اللغة العربية مادة أساسية يدرسها الطلاب في جميع المراحل الدراسية؛ يستوي في ذلك طلاب التعليم العام والتعليم العالي.
ففي التعليم العام تنال اللغة العربية ما تستحقه من الإجلال والتقدير، إذ يدرسها الطلاب في كل المراحل عبر مقررات متنوعة، طوال سنوات دراستهم؛ والتي تبدأ من الصف الأول الابتدائي وتنتهي عند الثالث الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي، ويعد حصول الطالب على النهاية الصغرى في مواد اللغة العربية، وهي الأعلى في درجات التحصيل مع مواد الدين، شرطا لاجتياز المواد التي يتعثر فيها الطالب وفق نظام التجاوز.
تلك الإجراءات من شأنها أن تعلي منزلة اللغة العربية في نفوس الطلاب، وأن تجعلها في بؤرة اهتمامهم وعنايتهم.
وحين يغادر الطلاب التعليم العام باتجاه التعليم العالي، فإنهم يجدون عناية مماثلة بتعليم اللغة العربية التي تعد مقرراتها مقررات رئيسة تدرّس للطلاب في سائر الكليات، وباختلاف التخصصات، لكنهم يفاجؤون في أن الاجتياز والعبور من السنة التحضيرية إلى الكليات التي يرغبونها يصبح عسيرا ما لم يحصلوا على معدلات قبول عالية، ويصير البديل الأيسر الذي لا يحتاج إلى معدل عالي هو قسم اللغة العربية، حتى صار هذا القسم في جامعاتنا أشبه ما يكون بقارب الإنقاذ، فكل من قصرت به نسبته عن التخصص المرغوب يلتحق بهذا القسم؛ البديل الإجباري، ولذا فلا عجب أن تسمع أحدهم يقول لصاحبه الذي كان يتمنى أن يدرس الطب أو الحاسب أو حتى يلتحق بقسم الجغرافيا أوالتاريخ، ثم تخذله نسبته المنخفضة في المرحلة التحضيرية "احمد ربك إذا قبلوك لغة عربية!".
هذا الذي يحصل في الجامعات، هو ما أدى إلى تكدس الطلاب في أقسام اللغة العربية؛ والتكدس في ذاته مشكلة، فكيف إذا أضيف إليه عدم رغبة الطالب في دراسة هذا التخصص.
لا شك أن تأثير ذلك على الاستثمار في اللغة العربية، وهو ما تنشده الدولة وتحشد له القوى والطاقات، سيكون سلبيا وضارا؛ إذ لا يمكن أن تتحقق جودة المخرجات في ظل التكدس وعدم الرغبة في دراسة التخصص.
لذا، أقترح البحث عن قوارب إنقاذ أخرى، أو المبادلة بين القوارب من حين لآخر؛ لأن تكدس الأشخاص على ظهر قارب الإنقاذ قد يؤدي إلى غرقه!
الوطن