د. أحمد عبدالملك
قامت الهيئة العامة للحي الثقافي (كتارا) بجهود مشكورة نحو تنوير الشباب المُقبل على كتابة القصة القصيرة والرواية، خلال شهر مارس الماضي، من خلال تنظيم ورش عمل ومحاضرات متعددة.
وللأسف، لم يحضر محاضرة "الفرق بين القصة القصيرة والرواية" أي من الشباب الذين أصدروا كتبًا مليئة بالأخطاء النحوية والإملائية والموضوعية! ونجد لهم حضورًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو حضور يُبنى على خطأ، وله نتائج وخيمة في المستقبل. فمثل هذه الورش والمحاضرات تُسهِّل على الشباب الطريق وتوفِّر عليهم الوقت، وتجعلهم قادرين على الأخذ بالوسائل الناجعة والأساسية في الكتابة الإبداعية. كما توضِّح لهم الهنّات التي تظهر في إنتاجهم.
خلال العامين الماضيين ظهرت بعض الكتب (قصص وروايات) تحتاج إلى مزيد من التأني والتصليح، خصوصًا ما تعلق بسلامة اللغة والتراكيب اللغوية والبناء الفني للعمل. ولاحظت "الوعظ" المباشر والسجع المُتَصنّع، بل إن أحدهم يضع مقدمات لكل قصة، وهذا غير جائز، لأن التقديم يفسد القصة. كما أن بعضهم يؤلف قصة بناء على آيات قرآنية أو أحاديث شريفة، بمباشرة، ودون لمحات فنية. كما أن الأمر قد اختلط على بعض شبابنا الذي اتجه نحو كتابة السيناريو التلفزيوني، وقدّمه على أنه رواية!
والإشكالية الكبرى أن بعض هؤلاء الشباب "يتضجر" و"يزعل" من دعواتنا للكتابة بلغة سليمة، والالتزام بالمبادئ المتعارف عليها في كتابة القصة والرواية! يرى هذا البعض أن العامية هي الرائجة، فلماذا التعب مع اللغة الفصحى! وتساهم بعض دور النشر في نشر أعمال مشوهة، بها العديد من الأخطاء الإملائية والنحوية والبنائية للعمل، كما يساهم "المال الأدبي" عند بعض أبناء الأغنياء في الترويج لمثل هذه الأعمال. وللأسف نجد مثل هذه الأعمال المشوهة في مكتبات ومراكز مهمة لبيع الكتب في الدوحة. وهذا مخالف لقرار مجلس الوزراء الموقر باعتماد اللغة العربية في جميع المجالات التعليمية والإعلامية والثقافية والإدارية! كما أن النزوع نحو العامية أو تلك اللغة "المكسرة" مخالف لانتمائنا للأمة بالعربية. وللأسف، لا توجد جهة توقف هذا التشويه للغتنا وثقافتنا وهويتنا.
وكان قد دار حوار بيني وبين أحد الشباب بعد تغريدة مني حول أهمية استخدام اللغة العربية والخيال والمعرفة بأشكال الأدب! ولكنه ردّ على ردًا لا يرقى لأن أعيده هنا، ثم ما كان منه إلا أنه "حجبني" عن حسابه.
للأسف، بعض الشباب عندنا متسرع ومتلهف للشهرة، وبعضهم لم يتجاوز 25 عامًا، وهذا هو سبب قلة وجود الشباب على الساحة الأدبية! وبعض الشباب يعتقد أن وجوده على وسائل التواصل كافيًا، ولا يهمه أن إنتاجه قد يقع بيد من يعرفون اللغة أو أساسيات القصة والرواية، كما أن الكتاب سيكون في متناول الشباب الآخرين الذين سوف يعتمدون تلك اللغة الضعيفة، والمخالفة للغة القرآن الكريم، وللحضارة العربية التي قامت عليها حضارات أخرى.
الذي أريد إيصاله هنا هو أننا كجيل مخضرم في ساحة الأدب، خضنا تجارب عديدة ودرسنا اللغة في الجامعات، ولا نريد أن تتأسس الكتابة عند أبنائنا على الأخطاء أو اللهجات المحلية، وأنا لم أكتب رواية إلا بعد أن بلغ عمري 55 عامًا! (وكنت قد قرأت أكثر من 100 رواية قبل أن أبدأ الرواية الأولى)، بل يحفظ لنا التاريخ أن أحد عظماء الأدب العالمي راجعَ رواية له لأكثر من 35 عامًا، ظلت في دُرجه، ويُرجع سبب ذلك أنه لم يجدها تضيف شيئًا لما كتبه في السابق!
الكتابة الأدبية إبداع، وما لم يتحقق هذا الشرط فنحن لا نتحدث لا عن رواية ولا عن قصة! كما أن الإبداع لا يأتي بقرار ولا بمال! إن الموهبة شرط أساسي يُنمّى بالقراءة المكثفة والإحاطة بفنون الإبداع المختلفة.
الشرق