أوقفوا الجـور على الفصحى

 

استعرض المؤتمر الدولي الخامس للغة العربية -الذي أقيم مؤخراً في إمارة دبي- الجهود المبذولة في خدمة اللغة العربية وأهم التجارب الناصعة التي بذلتها الدول من أجل إعطائها المكانة اللائقة في العالم، وبحضور ما يقرب من (2500) مشارك من (72) دولة تم مناقشة (1167) بحثاً وورقة عمل في (172) ندوة وجلسة، تحدث خلالها (1250) شخصية عن مختلف القضايا والموضوعات التي تتعلق باللغة العربية في جميع التخصصات والمهن ومن جميع القارات.

وبدورها طرحت صحيفة «الرياض» ظاهرة انتشار الإعلانات التجارية المعربة بترجمة عربية خاطئة، وأبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية، وتساءلت عن الحلول في سبيل حماية لغة الضاد وتمكين اللغة العربية، في ضوء انتشار الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي.

تأثير سلبي

في البداية قال أ.د. محمد بن حسن الزير -أستاذ اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض- «نلاحظ في بعض اللافتات الإعلانية، وكذلك في بعض وسائل الإعلام ثمة أخطاء إملائية ونحوية، وهذه أصبحت أقرب إلى الظاهرة، كونها تخدش الوجود الفاعل للغة العربية، خاصة حين نجد الكثير من اللافتات باللغة الأجنبية، وحتى لو كتبت باللغة العربية تكتب بالمعنى الأجنبي وهذه الازدواجية اللغوية تؤثر وتنعكس سلباً على اللغة في المجتمع، بحيث أصبحنا نتحدث بلغة مزدوجة ونتباهى بتحدثنا للغات أجنبية، وهذه كارثة نفسية واجتماعية ولغوية خطيرة».

ورأى أنّ الحل يكمن في تمكين هذه اللغة وتعزيزها في نفوسنا ويبدأ ذلك من التعليم، بحيث يجب أن يكون التعليم بطريقة صحيحة، ومشكلة التعليم في الوطن العربي أنه ينفر من اللغة العربية؛ لأنّ هناك خلطا بين قواعد اللغة والصرف واللغة نفسها، ففي المدارس والجامعات نثقل كاهل الطالب بالدراسة عن اللغة كالنحو والصرف، وننسى اللغة نفسها، نحن نريد من الطالب أن يجيد البيان العربي فيراه جميلاً، أو أن يقرأ نصاً قرآنياً أو حديثاً نبوياً أوقصة وشعراً يتذوق من خلاله حلاوة هذه اللغة، ومن بعدها نعرفه بقواعد اللغة، فيجدها سهلة، ولا بد من استثمار الطرق الحديثة في تعليم اللغة العربية وتمكينها في عقول ونفوس الشباب.

وعن مشارك للسنة الخامسة في المؤتمر الدولي الخامس للغة العربية؛ كشف أنّها تمثلت بعرض الإستراتيجية الوطنية لتمكين اللغة العربية، وإحداث أثرها الفعال، من ناحية البواعث والمقومات، كون اللغة العربية -حسب رأيه- بحاجة لأن تمكن وأن تعيش في وجودنا وتحيا فينا وبنا، ومن هنا تستطيع أن تحدث الأثر الفعال لها، حين تتحول إلى سلوك وإلى تفكير وممارسة، موضحاً أنّ المؤتمر شهد مشاركة سعودية كبيرة، تجاوزت (163) باحثاً، معتبراً أنّ هذا أمر طبيعي باعتبار المملكة العربية السعودية هي قلب اللغة العربية، وقلب الإسلام، وأن واجب حماية اللغة العربية هو شرف ومسؤولية في الوقت نفسه.

الجور على الفصحى

فيما رأت د. ازدهار عبدالرحمن السيد إبراهيم -من كلية اللغة العربية في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان- أنّ اللغة العربية تعاني الضعف الذي لا تخطئه العين في جميع أقطار الوطن العربي ذلك الضعف الواضح والبين، «إنّ مثل هذه التظاهرات تعكس وتبين المشكلات التي تعاني منها هذه اللغة في محاولة لإيجاد الحلول، اللغة العربية تواجه تحديا كبيرا، يتمثل في مزاحمة اللهجة العامية للفصحى، فعلى مستوى السودان يوجد أكثر من (150) لهجة محلية، وهي بدورها تزاحم اللغة العربية الفصحى، أيضاً دخول اللغة الإنجليزية التي باتت تزاحم العربية بشكل كبير»، مستدركةً: «لسنا ضد الانفتاح على اللغات الأخرى، ولكن أن تجور على اللغة العربية، فهذه من المفترض النظر في أمرها والحد من تبعاتها، من ذلك ظهور الأخطاء اللغوية الكارثية في لافتات المحلات والشوارع».

مؤتمرات دعم اللغة العربية «بكاء على الأطلال» وتوصياتها «حبرٌ على ورق»

وأضافت: «ما يحدث من تشويه وأخطاء في لغتنا العربية هو نتيجة العولمة وبسبب دخول مواقع التواصل الاجتماعي، التي أدت إلى وأد اللغة العربية وأحدثت لهجات لا ترقى لمستوى اللغة، وهذه الأخطاء التي تحتسب اليوم على أنها ظاهرة خطيرة، لذلك يجب الانتباه لها، خاصة في ظل اندماج الشباب بلهجات غربية وأخرى دخيلة تؤدي إلى إبعاد النشء عن اللغة الأم الفصحى التي ترتبط بالدين، والثقافة، والهوية، والحضارة».

حبر على ورق

من جانبه، أكّد د. الوكال زرارقة -أستاذ اللغة العربية بجامعة ﻋﻤﺎﺭ ﺛﻠﻴﺠﻲ في ﺍﻷﻏوﺍﻁ بالجزائر- على أنّ اللغة العربية في الواقع العربي مريضة، معتبراً أنّ السبب في ذلك يعود لكون الفصحى لم تجد لها مكانة بين أبنائها، سواءً من ناحية التداول أو الإدارة، وما زاد الأمر خطورة وجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبح أبناء وشباب اللغة العربية يتداولونها بلغة يمكن وصفها بأنّها «هجينة» تجمع بين العامية والأجنبية والعربية.

وأضاف أنّ وسائل الإعلام لا تساهم بشكل كبير في ترسيخ الفصحى، ولم يصل هذا المؤتمر للسنة الخامسة إلاّ لإيجاد حل لتعميم اللغة العربية في جميع مجالات الحياة في الوطن العربي، مشيراً إلى أنّ المؤتمرات الخاصة بتمكين اللغة العربية تخرج بتوصيات كثيرة، ولكنها لا تتعدى الحبر على ورق، وهذا يشمل جميع المؤتمرات التي تقام في الوطن العربي، فهي فقط بكاء على الأطلال بعيداً عن العلاج، مشدداً على أنّ الحل يبدأ من المدرسة والبيت قبل المجتمع، محملاً مسؤولية تمكين اللغة العربية للمدارس التي ما زالت متمسكة بمناهج دراسية غير مستقرة، التي انعكست مخرجاتها سلباً على تداول اللغة العربية في الوطن العربي.

وطني