العروبة و العربية في السودان

أ. عادل إبراهيم حمد

 ليس جديداً القول إن الشعب السوداني تتعدد و تختلط مكوناته العرقية لدرجة يصعب معها تحديد ملامح محددة للسوداني .  نعرف ذلك أكثر عند لقائنا بالأجانب الذين يبدون تعجباً من وفد سوداني يضم الأسود الطويل و الأبيض القصير و الأسمر الرفيع و الأصفر البدين ..  يثور بسبب هذه الاختلافات جدال حول هوية السودان يدعو فيه كل فريق إلى تغليب عنصر أو ثقافة على الأخرى , و غالبا ما ينتهي هذا الجدال بقبول (السودانوية) التي تعترف بخصائص كل مكونات السودانيين ؛ إلا أن ما يلفت الانتباه و يبعث الإزعاج هو الهجوم التي تتعرض له اللغة العربية في ثنايا رفض الاستعلاء العرقي الذي يبدو في سلوك المعتزين بعروبتهم , فينشأ كرد فعل لهذا المسلك البغيض هجوم مضاد لا يكتفي بالتشكيك في عروبة هؤلاء المتمسحين بالعرب الأصليين كما يقول المهاجمون الساخرون , بل يتعداه لتجاهل التفوق الثقافي للغة العربية و الهجوم  على اللغة , باعتبارها قد أزاحت لهجات محلية كانت سائدة , و يرفع أصحاب هذا الرأي لواء إعادة الاعتبار للهجات يهددها الاندثار .  من المفارقات المرتبطة بهذا التيار أن أصحابه يصدرون آراءهم و بياناتهم في لغة عربية رفيعة ؛ حيث لا تحقق أية لهجة محلية أساساً مشتركاً يلتقي عنده أهل هذا التيار ذوو الخلفيات الثقافية المحلية المختلفة جداً . 

لا تخفى أهمية الأساس الثقافي الجامع بتمهيده أرضية سياسية مشتركة تبنى عليها الوحدة الوطنية . و قد حققت العربية الأساس الثقافي , فالأرضية المشتركة , و إليها يعود  هذا التمازج اللغوي الرائع الذي مكن كل السودانيين من التفاهم مع بعضهم البعض . 
 يعتبر الغناء السوداني الجميل من أمثلة التقارب على أساس العربية , فقد صيغت أغنيات جميلة ما كان لها أن تجد إجماع السودانيين لو أن شعراءها تمسكوا بخلفياتهم المحلية و تعصبوا لها .. و على سبيل المثال نذكر شعراء مثل محمد عثمان كجراى و أبو آمنة حامد و محمد الفيتوري و مرسي صالح سراج الذين قد وضعوا بالعربية كلمات رائعة لأجمل الأغنيات رغم تحدثهم بلهجات محلية . و كتبوا بالعربية شعراً غير غنائي مثلما فعل شعراء مجيدون آخرون ينتمون لثقافات محلية .. و بسبب التعامل التلقائي مع لغة غنية جميلة طرب السودانيون و فهموا معاني سال من شعرها الذهب  (و ما في داعي تقولي ما في .. يا الربيع في عطرو دافي) .. و لولا العربية الجامعة لما كانت هذه المكانة و القيمة لنشيد أصبح الصبح بلسان النوبي محمد وردي , و لما هتف مرسي صالح سراج  منشداً:
حين خط المجد في الأرض دروبا
عزم ترهاقا و إيمان العروبة
عرباً نحن حملناها و نوبة;
 

العَرب