قصة الخط العربي

أ. محمد الجزيري

 لا توجد لغة في العالم نالت شرفاً كاللغة العربية لغة القرآن ،ولايوجد خطاً نال هذا التكريم كالخط العربي ، وكيف لا وهو الخط الذي كتُب به كلام رب العالمين، فقد إحتل الخط العربي مكانة عالية في الحضارة الإسلامية وبالإضافة إلي كونه خط المصحف الشريف إلا أنه أيضاً صار متنفساً لمواهب الفنان المسلم والذي إبتعد عن رسوم الكائنات الحية بفتاوي فقهاء المسلمين فصار الخط العربي رمزاً للفن الإسلام .

إختلف العلماء في كيفية إنتقال الخط العربي وأصله وبعيداً عن هذا الإختلاف تعتبر أدق النظريات صحة هي القائلة بأن الخط إنتقل من الشمال حيث بلاد الأنباط ومنه إلي مكة والمدينة.

والخط العربي قبل الإسلام انقسم لنوعين رئيسين الأول: الخط المزوي(الكوفي كما يسميه البعض) وهو كثير الزوايا ويكتب به علي شواهد القبور التذكارية . الثاني:الخط اللين : وهو يميل للإستدارة ويستخدم في المعاملات اليومية.
ومع إنتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية إنتشر معه الخط العربي وبدأ يتاُر بالمدنيات المختلفة ويتطور ، وكأي فن أو علم يحتاج إلي قواعد تنظمه فجاء الوزير بن مقله مهندس الخط العربي ومحققه الأول ليضع قواعد محددة لكتابة الحرف العربي وعمل علي قياس الحرف بالنقط كما إستخلص عده خطوط مثل: النسخ،التوقيع،الرقاع، المحقق ، وكان يضُرب بخطه المثل في الجودة والإنضباط فقد كتب كتاب هدنة بين المسلمين وبين كنيسة قسطنيطنية ونظراً لحسنها ورونقها كان قساوسة الكنيسة يعدونها من مفاخرهم .

كما بلغت العناية بالخط في العصر العباسي أن صارت هناك لكل وظيفة معينة نوع خط خاص بها فهناك قلم الحريم ويكُتب به للأميرات من الأسرة الحاكمة حتي لايعرفه سواهم، وهناك قلم غبار الحلية وكان يوضع في بطاقات الحمام الزاجل وكان خفيفا أشبه بالغبار ، وهناك السجلات والعهود والرياسي والكوفي بأنواعه والمشق والمغربي.

وبدأ الخط مرحلة جديدة وهي التنوع تبعاً للقطر فالكوفة كانت منشأ للخط الكوفي المميز بالزوايا الهندسية ،وفي المغرب كان القلم المغربي والقريب جداً من القلم الأندلسي ،وهناك في تركيا طهر القلم الديواني بأنواعه، وكان لكل خط شيوخه الذين يملكون مفاتيح الخط ومًلمين بفنونه .

في الحقيقة لم يقف تأثير الخط العربي علي البلاد العربية بل إنتقل إلي أوربا بالعديد من الطرق ففي قصر إشبيلية تزييانته لا تخلوا من الخط العربي ،بل في كنيسة الترانسيتو بطليطلة إمتلأت الكتابات العربية ذات الموضوعات الإسلامية. يقول الكندي" لا أعلم كتابة تحمل من تجليل حروفها وتدقيقها ماتحمل الكتابة العربية" الخط العربي هو جزء من ثقافتنا من هويتنا من تراثنا فناً قد إنفردنا به دون الأمم الأخري فوجب علينا الحفاظ عليه والإهتمام به حتي لا يضيع شأن بقيه تراثنا الضائع بأيدينا.


 

الفجر