أ. خالد مطر
ربما تعيش «بنت الضاد»، اليوم أصعب مراحل تاريخها، فبعد كم الأخطاء اللغوية في الإعلام الذي نشاهده يوميا، علينا أن نأخذ وقفة (ولو ذاتية) حيال ما تتعرض له اللغة العربية من انتهاكات وهجمات ضارية، فهي كأحد معطيات تشكيل الهوية القومية مع عاملي الدين والتاريخ، تعاني اليوم ما تعانيه من حرب، ودليل قولي أننا نجد الآن كثير من خريجي التعليم الجامعي يخطئون في التفريق بين التاء والهاء المربوطة، فضيحة بكل المقاييس.
بعد ثورة يناير عام 2011 بأشهر كنت أسير بأحد الشوارع فوجدت لافتة مدفوع فيها مبلغ وقد كتب عليها قولا للشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، بشأن الثورات كالآتي: "(الثأر) الحق هو من يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ (ليبنيا) الأمجاد" والحقيقة أصابني ذهول، ومع متابعة المواقع الإلكترونية للصحف والنشرات الإخبارية بمحطات التليفزيون كانت الصدمة أشد.
إننا فعلا أمام مشاكل تواجه اللغة وتهددها بالدمار حال تجاهلها، إذ أنه ليس من المنطق أن نتفاخر بتعليم أولادنا في مدارس لغات وندهس اهتمامنا بتعليمهم لغتهم الأم، وإلا فكيف سيقرأ خريج الجامعة القرآن، وبالمناسبة قد نتفاجأ بخريج جامعة لا يجيد قراءة القرآن.
والأخطاء الشائعة في اللغة يخجل العربي من نشرها لكنها، على أي حال أصبحت مرضا بحاجة إلى علاج ناجز، يبدأ في نشر ثقافة مضادة لذيوع الألفاظ التي باتت منبوذة حتى من اللهجات العامية ذاتها، مع العمل على الارتقاء بالمنتج الفني ومناهضة ما يسمى بأغاني "الدي جي" التي حاولت تقليد الأغاني الغربية فأنتج مسخا أحمقا فلا هي غناء عربي رصين، ولا هي أغنية عامية مفهومة، كما أنها في الوقت نفسه، أخذت من الأغنية الغربية لحنها وحاولت تعريبها، ومع الأسف أصبحت لسائقي "التوك توك" فيها نصيب الأسد من "المسخ الأحمق".
وأخلاقيا، حدث ولا حرج فكثير من تلك المسوخ الغنائية لا علاقة لها بأخلاق أو مراعاة لذوق، فهي في حد ذاتها مرتبطة بصوت فج عال هو أنكر الأصوات وأكثرها فظاظة، وأمام ما يعتري الدولة من ضغط على منظومتها الأمنية أصبحت شوارعنا بحاجة إلى "شرطة أخلاق" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيم.
أكتب ما أكتب لأنني أعلم تماما أنه لا حديث عن صون لغة والحفاظ عليها في معزل عن واقع اجتماعي عام غلبت فيه الحياة المادية على قيمة العلم والتعلم، وأصبح الطالب يتسابق لهثا وراء العلم حتى يحصل على عمل يجني به أرباحا مادية، أو هكذا زرعنا جهلا في عقول أولادنا، ناسين أن العلم يُطلب لذاته.
فعلى مجمع اللغة العربية أن يتحرك وعلى الإنتاج الدرامي أن يعيد النظر في التعامل مع مهنة التدريس عموما ومع مدرسي العربية على وجه الخصوص، وغير خفي على البيان أن ما يسمى، مسرحية مدرسة المشاغبين كانت أكبر طعنة في التعليم بمصر، الذي أصبح الآن يعاني مافيا الغش والدروس الخصوصية والتخريب... ولنا الله في مصر.
مصر 24