بعض الاختلالات في تعليم الدرس اللغوي العربي في الابتدائي

د. عبدالحق العمري


      في مرحلة التعليم الابتدائي، بالمغرب والدول العربية التي تشابهه في نظامها التعليمي، يلاحظ "أن الطفل يُعَلّم اللغة العربية دون أن تخصص لها الوسائل التعليمية، ولا المناهج والتقنيات التي يتم تخصيصها لتعليم اللغة الفرنسية بوصفها اللغة الأجنبية الأولى، واللغة الإنجليزية بوصفها اللغة الأجنبية الثانية في المغرب" . وهذا ناتج عن تصور خاطئ للغة العربية، فهاته الأخيرة ليست لغة أولى للطفل المغربي خاصة والعربي عامة، حيث إن الطفل يكتسب لغة محيطه الذي ينشأ فيه، ولغة محيطه إما العربية أو العربية التونسية أو غيرها، وليست - على أية حال - اللغة العربية الفصحى، كما أن العربية ليست لغة أجنبية بالنسبة لهؤلاء الأطفال كالفرنسية أو الانجليزية مثلا. "ودَرَجَ اللسانيون على تصنيف اللغات إلى لغات أُول ولغات ثَوان، على اعتبار أن اللغة الأولى تكتسب بدون تلقين، وهي اللغة الأم أي اللغة التي يلتقطها الطفل في محيطه الأقرب، وهو محيط الأم، دون أن يحتاج في ذلك إلى التمدرس أو إلى توجيهات مُعلم مُلقن، وعلى اعتبار أن اللغة الثانية تعتمد أساسا على التلقين، فأين وَضعُ اللغة العربية في هذا التصنيف؟ طبعا لا نحتاج إلى كبير عناء لنبين أن اللغة العربية ليست لغة أولى، فالطفل العربي لا يخرج إلى محيطه ليلتقط لغة فصيحة متداولة في الأفواه بالكيفية نفسها التي يخرج بها الطفل الفرنسي إلى محيطه ليتعلم الفرنسية أو الإنجليزية ليكتسب الإنجليزية، إذن فالعربية الفصيحة ليست لغة أولى في محددتها النفسية والإدراكية والذاكرية ...إلخ" .

       ويبدو جليا أن وضع العربية كلغة أولى غير مناسب للتعليم وذلك للاعتبارات السابقة، وينتج عن عدم تصور اللغة العربية تصورا صحيحا عدم العناية بالوسائل التعليمية الكفيلة بتعليمها، إذن أين يكمن التصور الخاطئ لتعليم اللغة العربية في التعليم الابتدائي في مكون الدرس اللغوي؟ 
       يكمن التصور الخاطئ في كل أبواب النحو والصرف التي تدرس في التعليم الابتدائي تقريبا، وهذا ما توضحه فقرات برنامج مادة اللغة العربية (القواعد) المنصوص عليها في الكتاب الأبيض (الجزء 2 ) والمناهج التربوية لسلكي التعليم الابتدائي، وذلك بدءا بموضوع تعرف الجملة المفيدة وتأطيرها، حسب تعبير مؤلفي الكتاب المدرسي في الابتدائي، وأقسام الكلمة: اسم، فعل، حرف، ثم أزمنة الفعل: ماض، ومضارع، وأمر في الصف الثالث، وانتهاء بالحال، والجملة الحالية، والمنادى، واسم الآلة، والتمييز الملحوظ، والملفوظ، وتمييز العدد، والمستثنى بإلا، والمستثنى بغير وسوى، في السنة السادسة ابتدائي  .
        وما يلاحظ هو أن ما يدرس في النحو والصرف يدرس بمنهجيات عقيمة لا تستطيع أن تُسهم في جعل التلميذ قادرا على تصحيح أخطائه اللغوية وعلى تنمية مستواه التعبيري، فالتلميذ يستطيع أن يفهم المتن اللغوي فهما صحيحا، لكنه يعجز عن توظيف ذلك المتن في تعابيره على المستوى المكتوب أو على المستوى المنطوق، فالتلميذ قد يفهم القاعدة النحوية أو الصرفية  فهما صحيحا، لكنه لا يتوفر على ما يكفي من المؤهلات البيداغوجية التي تسهل عليه الاستفادة من هذه القواعد النحوية والصرفية في رفع مستواه التعبيري. ويؤكد هذا وجود خلل في الدرس اللغوي، حيث لا يؤدي هذا الأخير دوره كما ينبغي في التواصل والتعبير عن الأفكار والأحاسيس بطلاقة وسلاسة لغوية. أضف إلى ذلك أن  القواعد النحوية والصرفية تقدم للمتعلم بعلاتها وشذوذها، وهذا أمر لا يمكن أن يفيد المتعلم" .
       ويلاحظ من خلال تتبعنا للموضوعات المقررة في الدرس اللغوي أيضا مجموعة من الملاحظات التي تؤكد وجود خلل في تعليم الدرس اللغوي. وتكمن هذه الملاحظات في  :
      - غياب عتبات تحدد بمقتضاها اللغة الملائمة لكتاب مدرسي معين في مستوى دراسي معين.
-  افتقار المنهجية الحالية للأساس التطبيقي والتعليمي، إذ المنهج الوظيفي هو منهج معروف في تراثنا العربي، فالعبرة ليست بالكم وإنما بالكيف، أي كيف يتعلم المتعلم اللغة، وكيف تستثمر مهاراته العقلية ويرتقي بها إلى الإبداع والتفكير .
       -  غياب منهجية لسانية تقتضي تبسيط القواعد، وتوضح البنيات اللغوية وعناصرها، وتعوض التمارين التقليدية، وتركز على البنيات الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية، إذ لوحظ نقص في إتقان جانب من هذه الجوانب، فلا وجود لقضايا صوتية ومجمعية في الكتب المدرسية في التعليم الابتدائي، ف" أليس من الغريب حقا أن طالب الجامعة عندنا ممن يتخصص في العربية لا يعرف الفرق بين الأصوات الصائتة (vowels) والأصوات الصامتة (consonants)، ويعرف ذلك تلميذ المرحلة الابتدائية في أوروبا؟" .
-  كون الممارسة البيداغوجية مازالت حبيسة الآلية وتتطلع إلى الممارسة الواعية .
هذه، إذن، بعض الملاحظات حول تعليم الدرس اللغوي في الابتدائي، وهي تشخص الخلل الكامن في موضوعاته. ومن المفيد معرفة الداء للوصول إلى حل فعال يعيد للعربية بريقها بين أهلها قبل دار غيرها.

 

  - البوشيخي، (2002 ): "نحو استثمار اللسانيات في تعليم اللغة العربية "  ص: 20.
  - الفاسي الفهري، (1986 ) المعجم العربي: نماذج تحليلية جديدة، صص: 20 -21.
  - انظر الكتاب الأبيض، ج2، ص: 41 وما قبلها.
  - العماري (2002 )، "اللسانيات التعليمية واقع وأفاق"ص: 41 وما قبلها.
  - الدريبي علوي محمد، (2002 )، "قراءة في منهجية تدريس وحدة اللغة العربية من خلال أهداف وتوجيهات تربوية : المدرسة الابتدائية نموذجا" ص: 53.
  - الراجحي (1989 ): علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، ص: 110.