لغتنا الجميلة إلى أين؟

د. موفق السراج

 إن المرسوم الجمهوري الذي صدر قبل سنوات بإحداث لجنة تمكين اللغة العربية في الجمهورية العربية السورية، دليل قوي على الوعي العظيم بأهمية لغتنا الجميلة، وضرورة صونها والحفاظ عليها من عبث العابثين.. وفي ذلك دليل آخر على التوجه القومي، والغيرة الشديدة على وحدة الأمة العربية التي تبرز لغتها العربية الفصحى كأقوى رابط يلم شملها، ويوحد جمعها المترامي من المحيط إلى الخليج في دول لم تكن تعرف الحدود والبوابات إلا في عهد الاستعمار الغربي الحديث الذي رسم تلك الحدود، وصنع هذه البوابات ليمنع وحدة الأمة العربية كي تبقى ضعيفة لا تقوى على النهوض.

وغني عن البيان أن الأمم التي وحدت كلمتها، وبنت قوميتها، وأظهرت كيانها وشخصيتها، لجأت إلى اللغة وسيلة لذلك التوحيد وهذا البناء، فالوحدة الألمانية ومن بعدها الإيطالية قامتا على أساس وحدة اللغة، وعلى أساسها قامت القومية البولونية والبلغارية واليونانية.

ولقد أدركت الثورة الفرنسية، منذ أواخر القرن الثامن عشر أهمية اللغة القومية الفصحى في بناء الأمة، وأنه لا حرية حقيقية من رواسب الإقطاع، ولا كيان للشخصية الفرنسية إلا بتمثل اللغة القومية ومعرفتها.

ولو تساءلنا: لماذا اتخذ الاستعمار، من بين أساليب محاربة الأمة العربية، القضاء على اللغة العربية الفصحى، ووصمها بالتخلف، والدعوة إلى هجرها لتحل محلها العامية، وما فيها من لهجات كثيرة؟

لو سألنا هذا السؤال، لكان الجواب أن المستعمر أدرك أن اللغة العربية هي الرباط الذي يوحد بين أبناء هذه الأمة، فما عليه إلا أن يحاول قطع هذا الرباط، ليسهل عليه تفكيك الأمة، والسيطرة عليها.

ومن أسف شديد أن نجد في أيامنا هذه إهمالاً كبيراً للغتنا العربية من قبل الناشئة والشباب وطلاب الجامعات، بعدم الاهتمام بها، والإقبال على تعلم قواعدها، واستعمال العامية وبعض الكلمات الأجنبية في كتابة الشباب على الشبكة (نت)... إضافة إلى ملاحظة الكثير من الأخطاء اللغوية والأسلوبية عند الكثير من الكتّاب، والصحفيين، ومؤلفي الكتب.. في حين نرى الاهتمام باللغات الأجنبية، واستعمال مصطلحاتها، وتسمية الكثير من الأماكن بأسماء غير عربية للتظاهر، والتفاخر، والتباهي، والادعاء الكاذب بالتحضر والثقافة... وما ذلك إلا أثر من آثار الغزو الثقافي، والعولمة الجديدة التي رفعت شعارها الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل ماساءني أكثر من ذلك أن أرى كثيراً من طلابي في الجامعة لا يحسنون الكتابة السليمة، فأسلوبهم يعج بالأخطاء النحوية والإملائية... وأن أجد الصراف الآلي في بلدي العظيم يخاطبني بورقة مكتوبة باللغة الإنكليزية... فهل يخاطبني الصراف الآلي في بلد أجنبي بلغتنا العربية الجميلة؟

ومن هنا كان على أبناء الأمة العربية كافة، وعلى مدرسي اللغة العربية، وأساتذة الجامعات خاصة، ولجان تمكين اللغة العربية، أن يغرسوا الإيمان بأصالة هذه اللغة، وأن يعملوا على الاعتزاز بها في سلوكهم وتصرفاتهم، وأن يكونوا قدوة أمام الآخرين في الحفاظ عليها لأنها رمز لكياننا القومي، وعنوان لشخصيتنا العربية، رافقت هذه الأمة في أطوار حياتها، وواكبتها في كل مرحلة من مراحل حياتها، وفي كبوتها وبعثها، وهي المقوم الأساسي الذي بقي من مقومات أمتنا، يصهر العرب في بوتقة اللقاء الفكري، والمحبة، والتفاهم، وما أجمل قول الشاعر حين قال:

إذا أنتَ لم تعرف لنفسكَ قَدْرَها             هواناً بها، كانت على الناس أَهْوَنَا
 

الفداء