اللغة العربية بخير لكن أصحابها ومستخدميها ليسوا بخير

أ. محمد حجازي

 

تقول السيدة أم كلثوم: العيب فيهم يا في حبايبهم أما الحب فيا عيني عليه.

وهذه حالنا مع لغتنا الجميلة اللغة العربية، مشكلتها مع العرب الذين يتحدثونها ومع كل من يستخدمها من الأجانب، أما هي فلا أروع ولا أحلى ولا أمتع من التحدث بها والإستماع إليها بأصوات جميلة معبّرة وقادرة على توصيل المعاني إلى المتلقّي. لكن هل وضعها طبيعي هذه الأيام، وهل بالإمكان الركون إلى مستقبلها على الصورة التي هي عليها اليوم. الجواب دونما تردد: لا. ولا نهائية حاسمة.
ليست المرة الأولى التي نضيء فيها على لغتنا الجميلة التي نكاد نفقدها لكثرة إهمالنا لها وعدم تحدثنا بها إستناداً إلى قواعد صحيحة، بل بما تيسر على أساس أن الآخر يجب أن يفهم المعنى ولا ضرورة لدخوله إلى تفاصيل الصرف والنحو والممنوع من الصرف. ومن قال إن المتحدث بلغة الضاد يحتاج إلى عُقد وفلسفات لا طائل تحتها، إن اللغة يجب تدريسها بشكل صحيح منذ الصغر لكي يتشبّع بها بقواعدها بموسيقاها وجرْسها كل عربي عندما يكبر، ولأن الأساس غير صحيح تقع الأخطاء المميتة حتى في الفعل والفاعل والمفعول به، وكم من مرة أصبح القاتل قتيلاً والقتيل قاتلاً.
هذه الصورة ليست بعيدة عن كلام قاله الشاعر والإذاعي الكبير فاروق شوشة في حديث لصحيفة الأهرام بدأه بما إعتمدناه عنواناً لمقالتنا: «لغتنا الجميلة بخير، ولكن أصحاب هذه الغة ليسوا بخير، لأن اللغة لن تنطلق أوتعيش بعيداً عن مستخدميها كالكاتب والشاعر والمتصل بالناس، وعندما ننظر إلى اللغة نراها في إنحدار فتكون لنا ملاحظات ليس على اللغة لكن على من يستعملون هذه اللغة».
لا نقاش حول هذا الكلام، وحدث معنا أكثر من مرة دهشنا ونحن نستمع إلى أدباء وشعراء ولغويين يقعون في أخطاء يصعب تجاوزها فالمسألة تتعدى الخطأ إلى من الذي يخطئ، وهنا لا يعود من مجال للمسامحة، فأبناء اللغة ليس مبرراً خطأهم مهما كانت الظروف، ومما طرحه شوشة وضع منهج عصري يجعل اللغة العربية مادة محبوبة ويجعل كتابها هو الكتاب المفضّل لدى النشء المتعلّم، ويدفعه هذا الكتاب إلى المزيد من القراءة والتكوين. ويخلص الشاعر شوشة إلى الأسف لأن تعليم اللغة العربية متدن، ولأن أصحاب اللغة ما عادوا يستحقونها من حيث القدر والجمال والمكانة.
ولفتنا في السياق ما عمدت إليه الفنانة التونسية هند صبري عندما أرادت تقديم خدمة لجمهورها ومعجبيها من خلال هاشتاغ أطلقته بعنوان: كتبجية، تمهيداً للإعلان عن ناد أدبي حيث أعلنت:
«لآني أحب القراءة وأحب أن يشاركني أحبائي ما أقرأ وأشاركهم ما يقرأونه فكّرت في إطلاق هاشتاغ كتبجية عبر صفحاتي على فايسبوك، تويتر، وأنستغرام لنناقش الكتب التي نقرأها معاً وننشر مقاطع منها ونتبادل المعرفة فيما بيننا، شاركوني في التعليقات بعنوان الكتاب الذي تقرأونه هذه الأيام».
وهل أهم وأروع من هكذا مبادرة تطلقها فنانة لها جمهورها وناسها تعزيزاً لصورتها ودورها في المجتمع ، بما يسمح من تواصل وتبادل أفكار يفضي عادة إلى حراك إجتماعي ينعكس إيجاباً على الفنان والذين يحبونه، وهنا واحد من الحلول المتاحة ولا يحتاج إلى ميزانية أو تخطيط بل إلى فعل ثقة يوصل إلى التكامل بين عالمين نموذجيين.
لا الواقع ليس مريحاً، والموجع أكثر إصرار السياسيين والعاملين في مجالات مختلفة على التحدّث بالفصحى وهم بالكاد عندهم ملكة العامية، مما يجعل تهمة الأستاذ شوشة في محلها، لكن لا أمل في حل قريب.
 

 

اللواء