أوراق دستورية... الهوية واللغة في مشروع الدستور الليبي

أ. عمر النعاس

 (استعراض توضيحي للنصوص)

أقرّت الهيئة التأسيسية مشروع الدستور الليبي بتوافق أغلبية معززة بلغت 37 عضوا وعضوة من الأعضاء الذين يمثلون كل الدوائر الانتخابية في ليبيا، وذلك بمقرّ الهيئة التأسيسية يوم 19/ 4/ 2016 بمدينة البيضاء.
ومن الجوانب التي يجب أن تكون واضحة لليبيين في مشروع الدستور مسألة الهوية واللغة، والتي انطلق المشروع في النظر اليها من خلال أن المجتمع الليبي بمختلف مكوناته الاجتماعية والثقافية واللغوية نسيج واحد  له تاريخ واحد ومصير واحد وتراث واحد وتجمعهم رقعة جغرافية واحدة هي ليبيا. وقد ارتكز مشروع الدستور على هذه الحقيقة الجامعة لكل الليبيين والليبيات وتضمّن في ديباجته ونصوصه هذه الحقيقة وذلك على النحو الآتي:
أولا: الديباجة:
جاء في الديباجة الآتي: "... وضمان الحقوق والحريات العامة وتحقيق المساواة بين الليبيين، واعتزازاً بمختلف مكوناتهم الاجتماعية والثقافية واللغوية المشكّلة للهوية الليبية".
التوضيح:
هذا نص صريح يؤكد على أن الهوية الليبية هي الهوية الجامعة من مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية واللغوية المشكّلة للهوية الليبية. وتعتبر الديباجة جزءا لا يتجزأ من الدستور. ذلك لأن المادة 216 من مشروع الدستور تنص على الآتي: "الدستور بديباجته ونصوصه وحدة واحدة لا تتجزأ. وتفسر أحكامه وتؤول بحسبانها وحدة عضوية متماسكة".
ثانيا / المادة (2) الهوية واللغة:
تنص المادة 2 من المشروع على: "تقوم الهوية الليبية على ثوابت جامعة ومتنوعة، ويعتز الليبيون بكل مكوناتهم الاجتماعية والثقافية واللغوية، وتعتبر ليبيا جزءاً من الوطن العربي وأفريقيا والعالم الإسلامي ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.  تعد اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم ومن بينها العربية والأمازيغية والتارقية والتباوية تراثاً ثقافياً ولغوياً ورصيداً مشتركاً لكل الليبيين، وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وضمان المحافظة على أصالتها وتنمية تعليمها للناطقين بها واستخدامها. اللغة العربية لغة الدولة. وينظم القانون في أول دورة برلمانية تفاصيل إدماج اللغات الأخرى في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي ومستوى الدولة".
التوضيح:
1/ الهوية: النص يؤكد أن الهوية الجامعة هي الهوية الليبية، والتي تقوم على كل الثوابت الجامعة والمتنوعة والتي تشكل المجتمع الليبي في ليبيا. فما يجمع الليبيين هي الهوية الليبية الجامعة.
2/ الموقع: النص يتكلم عن رقعة جغرافية محدّدة هي ليبيا.
3/ اللغات: كل اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم كالعربية والأمازيغية والتارقية والتباوية كلها تعد تراثاّ ثقافيا ولغويا ورصيدا مشتركا لكل الليبيين دون أي استثناء. ويجب على الدولة وفق هذا النص الدستوري أن تتخذ كل التدابير اللازمة لحمايتها وضمان المحافظة على أصالتها وتنمية تعليمها للناطقين بها واستخدامها وفق الآلية التي تضمن استمراريتها، وذلك من خلال إصدار التشريعات اللازمة لذلك وتنفيذها.
4/ اللغة العربية لغة الدولة من حيث استعمالها في المؤسسات العامة. وعلى المشرّع القانوني وجوباً وفق هذا النص الدستوري في أول دورة برلمانية أن يصدر قانونا يبيّن فيه  تفاصيل إدماج اللغات الأخرى كالأمازيغية والتارقية والتباوية في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي (وهذا يعني في القرى والمدن التي تسود فيها تلك اللغات)، وعلى المستوى العام (وهذا يعني الارتقاء بتلك اللغات حتى يعم ويسود استعمالها تدريجيا على مستويات أوسع من القرى والمدن إلى المستوى العام في الدولة الليبية). ويحدّد القانون الصادر عن السلطة التشريعية في الدورة البرلمانية الأولى المعايير والنطاق والتدرجية اللازمة لذلك.
ثالثا/ المادة (64) اللغات والثقافات الليبية:
تنص المادة 64 على ان: "للأشخاص; أفراداً وجماعات الحق في استخدام لغاتهم وتعلمها والمشاركة في الحياة الثقافية. وتضمن الدولة حماية اللغات الليبية، وتوفر الوسائل اللازمة لتنمية تعليمها واستخدامها في وسائل الإعلام العامة. كما تضمن حماية الثقافات المحلية والتراث والمعارف التقليدية والآداب والفنون والنهوض بها ونشر الخدمات الثقافية".
التوضيح:
هذا خطاب دستوري آمر يؤكد على حق أي ليبي في استخدام لغته وتعلمها، والمشاركة بها في الحياة الثقافية. وتضمن الدولة وجوبا من خلال الخطاب الدستوري الآمر حماية كل اللغات الليبية وتوفير كل الوسائل لتنمية تعلميها واستخدامها في وسائل الاعلام العامة في الدولة. وهذا الخطاب الدستوري يؤكد على وجوب ضمان الدولة حماية كل الثقافات المحلية والتراث والمعارف التقليدية والآداب والفنون والنهوض بها ونشر الخدمات الثقافية التي تعمل على التعريف بها محليا ودوليا كونها تراثا وموروثا ثقافيا ليبيا وعالميا.
رابعًا/ المادة (74) ضوابط القيد على ممارسة الحقوق والحريات:
تنص المادة (74) على: "... ويحظر الرجوع على الضمانات المقررة قانونا".
التوضيح:
هذا النص الدستوري يؤكد على الزام الدولة بعدم الرجوع على أي ضمانات حقوقية سابقة، وهذا يتضمّن التزام الدولة بتفعيل القانون رقم (قانون رقم (18) لسنة 2013م في شأن حقوق المكونات الثقافية واللغوية)، والعمل على تنفيذه وفق الآلية الواردة فيه، وعدم المساس بهذه الحقوق إلا بغرض تعزيزها وزيادتها، وحظر أي محاولة  للاستنقاص من هذه الحقوق لما يعدّ ذلك انتهاكا لحقوق دستورية راسخة.
خامساً/ المادة (171) المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي:
تنص المادة 171 على ان: "يتولى المجلس تنمية وحماية اللغات كالعربية والأمازيغية والتارقية والتباوية، والمحافظة على الموروث الثقافي واللغوي المتنوع للشعب الليبي وتوثيقه والاهتمام به، بما يكفل المحافظة على أصالته في إطار الهوية الليبية الجامعة.  ويدير المجلس تسعة أعضاء، يراعى فيه تمثيل المكونات الثقافية واللغوية للشعب الليبي. وتنتخب السلطة التشريعية رئيساً من بينهم لمدة ست سنوات لمرة واحدة".
التوضيح:
يعتبر المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي جسما دستوريا، وهو ركيزة مهمة لتأكيد الهوية الليبية الجامعة لكل مكونات المجتمع الليبي الاجتماعية والثقافية واللغوية. ومهمته الرئيسية المحافظة على الموروث الثقافي واللغوي المتنوع للشعب الليبي وتوثيق كل ما من شأنه النهوض بذلك ويما يكفل المحافظة على الأصالة في إطار الهوية الليبية الجامعة. وهذا يعني البحث والتنقيب عن أي مخطوطات وكتابات وحفريات وآثار وتوثيق كل ذلك كتاريخ وتراث ليبي مشترك. ولتأكيد أهمية هذا المجلس للقيام بدوره على أكمل وجه، تم النص دستوريا على تمثيل كل المكونات الثقافية واللغوية للشعب الليبي في إدارة المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي.
سادساً/ المادة (217) تعديل الدستور واجراءاته:
تنص المادة 217 على: "1) لا يجوز تعديل أحكام هذا الدستور إلا بعد انقضاء خمس سنوات من دخوله حيز النفاذ. 2) لا يجوز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة الثامنة من هذا الدستور، ولا بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة الثانية، ولا بالمبادئ المتعلقة بالتعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة ووحدة وسلامة التراب الوطني ولا بالضمانات المتعلقة بالحقوق والحريات إلا بغرض تعزيزها، ولا بزيادة عدد دورات أو مدد رئاسة الجمهورية".
التوضيح:
الفقرة 1:  تؤكد على عدم جواز التعديل خلال 5 سنوات من نفاذ الدستور. والعلة من ذلك هي ضرورة الحفاظ على فترة استقرار محكومة بالدستور وتخضع فيها الدولة لحكم القانون. وخلال هذه الفترة يتم مراقبة آلية تطبيق الدستور ويتم تدوين أي ملاحظات حول أي نصوص من المقترح طرحها للتعديل وفق الآلية التي ينص عليها مشروع  الدستور في المادة (217/ الفقرات 3، 4، 5، 6، 7).
الفقرة 2: يؤكد النص الدستوري الوارد في هذه الفقرة على عدم جواز المساس بالمبادئ التي تقوم عليها بعض المواد، وهذا القيد لا يعني عدم جواز تعديل النصوص الواردة في تلك المواد، بل القيد يرد على المبدأ فقط. والمبادئ التي تقوم عليها تلك المواد هي التي جاءت في صدر تلك المواد وبدايتها.
وللتوضيح أكثر  حول الفقرة الثانية من المادة 217، عدم جواز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه:
1- عدم جواز المساس بالمبدأ (المبدأ هو الاسلام دين الدولة). (المادة الثامنة).
2- عدم جواز المساس بالمبدأ (المبدأ هو الهوية الليبية الجامعة). (المادة الثانية).
3- عدم جواز المساس بالآتي: (مبدأ التعددية السياسية ومبدأ التداول السلمي على السلطة).
4- عدم جواز المساس بمبدأ (وحدة وسلامة التراب الوطني).
5- عدم المساس بـ (الضمانات المتعلقة بالحقوق والحريات إلا بغرض تعزيزها زيادتها وتفعيلها أكثر).
6- عدم جواز المساس بعدد دورات أو مدد رئاسة الجمهورية الواردة في الدستور. وهذا قيد على رئيس الجمهورية أو غيره حتى لا يحاول التفكير في اقتراح زيادة عدد دورات أو مدد رئيس الجمهورية.
الخلاصة: مشروع الدستور يتضمن نصوصا صريحة وواضحة لتأكيد الآتي:
1/ أن الهوية الجامعة لكل الليبيين والليبيات هي الهوية الليبية.
2/ كل مكونات المجتمع الليبي الاجتماعية والثقافية واللغوية هي أساس الشعب الليبي وهويته الليبية.
3/ كل اللغات التي يتكلم به الشعب الليبي أو جزء منه هي لغات ليبية.
4/ اللغة العربية لغة الدولة لأنها هي اللغة الجامعة لكل الليبيين والليبيات، والتي تستعمل في مؤسسات الدولة.
5/ تعمل الدولة على تفعيل اللغات الليبية الأخرى لتعلّمها واستعمالها سواء على المستوى المحلي في القرى والمدن، أو على مستوى الدولة وذلك وفقا لخطة واسعة أساسها النص الدستوري وتبدأ بقانون تصدره السلطة التشريعية خلال أول دورة برلمانية من نفاذ الدستور ويتم تنفيذه من خلال السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة.
6/ لا يجوز المساس بالمبدأ الذي يؤكد على الهوية الليبية، وهي الهوية الجامعة لكل الليبيين والليبيات.
7/ ضمان الاستعمال الحرّ لكل اللغات الليبية في مجالات الثقافة والإعلام والفنون والآداب.
8/ عدم الرجوع على أي ضمانات لأي حقوق تم الحصول عليها، مع إمكانية تعزيزها وزيادتها.
9/ إنشاء المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي مع ضمانة دستورية لتواجد أعضاء من كل مكونات الشعب الليبي الثقافية واللغوية، ويهدف المجلس إلى حماية التراث والموروث الثقافي واللغوي والحفاظ عليه كرصيد مشترك لكل الليبيين والليبيات.
10/ مشروع الدستور الليبي هو مشروع توافقي بامتياز يحفظ حقوق كل الليبيين والليبيات وهو أساس بناء الدولة الليبية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة، دولة الحقوق والحريات. دولة القانون التي تخضع فيها كل السلطات لحكم القانون الأعلى وهو الدستور الذي يصنعه الشعب استنادا إلى مبدأ الشعب يصنع دستوره  والشعب مصدر السلطات.
حفظ الله ليبيا... حفظ الله الشعب الليبي.
 

ليبيا المستقبل