ماليزيا - ماليزيا ترعى اللغة العربية

د. ماجدة حمود


 أنجزت الجامعة الإسلامية في ماليزيا معجزة حين رعت مؤتمرا للغة العربية (مدة ثلاثة أيام من 21/12 إلى 23/12/2009). واستضافت فيه أكثر من مئتي باحث من جميع أنحاء العالم! ‏

كم شعرت بالتقصير تجاه لغتنا العربية! حين وجدت هذه الجامعة مهمومة بنهضتها، تعقد مؤتمرا دوريا من أجل حمايتها والارتقاء بها! إذ آمنوا بقدرتها اليوم على أن تكون لغة العلم مثلما كانت شرط أن نربطها بالعصر وبمنجزاته التقنية، لهذا كانت أكثر التوصيات تتعلق بتلاحم علم الاتصال والعلوم اللغوية بالكوادر الإسلامية، كي نستطيع ربط التراث بأدوات الاتصال الحديثة! بل وجدنا في التوصية الرابعة أنها تعنى بتنمية الجانب الاتصالي في اللغة العربية لتصبح لغة عالمية، كي تصبح أكثر خدمة للمجتمعات الإسلامية، وأكثر مواكبة للمجتمعات الأخرى، والحضارة الحديثة التي تقوم على المعرفة! لهذا لن يكون غريباً أن نجد توصية أخرى تركز على ضرورة ابتكار مصطلحات عربية تواكب عصر المعلومات المتدفقة، كل ذلك من أجل بناء إنسان فاعل، يساير عصره، على المستوى الوجداني والتفني! ‏

أكدت التوصيات على ضرورة جعل المقررات (التي يدرسها طلاب اللغة العربية والدراسات الإسلامية من الناطقين بغير العربية) أكثر حيوية ومواكبة للعصر، والاستفادة من التعليم عن بعد، وتيسير سبل التعليم الذاتي، وعقد دورات تدريبية للأستاذة الذين يقومون بتعليم العربية! ‏

كما أكدت ضرورة استدعاء خبراء مناهج وطرق تدريس لتقويم أداء المدرس، وبعد الاطلاع على تقريرهم يقوم مركز التعليم بإثراء المناهج بما يتماشى مع العمر الزمني والعقلي للمتعلم! ‏

وكذلك أوصت بتزويد مراكز التعليم بتقنيات حديثة حتى يلحق الطالب بعجلة العصر السريعة، والاستمرار بإعداد المعلمين وتدريبهم! ‏

أكد المؤتمر ضرورة التخطيط من أجل تعليم العربية، والاستفادة من النظريات الحديثة، لذلك وجدنا توصية تحث على ضرورة عقد مؤتمرات تعمل على إحياء العربية وبحث سبل تفعيلها، بوصفها لغة مؤثرة في تطوير العلوم والمعارف الإنسانية المتنوعة، لهذا تم اقتراح تخصيص مؤتمر لدراسة الصعوبات التي تواجه الطلاب في تعلم العربية. ‏

وجدنا في المؤتمر، كالعادة، من يتبنى الرؤية المنغلقة المتعصبة لمصطلح الأدب الإسلامي، لهذا كانت التوصية الثانية هي ضرورة الانفتاح في دلالة هذا المصطلح، وعدم إغلاقه على معنى ضيق، كما أكدت على ضرورة الانفتاح على الآخر، واحترام الرأي المخالف، فقد لاحظنا لدى بعض المحاضرين انغلاقاً فكرياً، وتعصبا يصل حد الشوفينية، بل لاحظنا عدم إتقان لغة الحوار المهذبة لدى بعضهم، والسخرية من يخالفهم الرأي أو المعتقد! لهذا جاءت توصية أخرى تؤسس لآداب الحوار، وتبين ضرورة استخدام ونشر اللغة الراقية، التي تزخر بها العربية، أثناء الحوار مع الآخر المخالف! ‏

وقد لاحظت اهتمام الجامعة برعاية الحوار بين طلابها، وتربيتهم عليه، فقد سألت إحدى الطالبات الماليزيات، لماذا لم تحضري بالأمس، فقالت: كان عندي مناظرة! كأن تدريب الطلاب على الحوار أحد المقررات الهامة في الجامعة الإسلامية في ماليزيا! وهم محقون في ذلك، لأن القدرة على الحوار أساس الثقافة، ولن يستطيعها الطالب إلا إذا شجعناه على المعرفة واحترام الرأي المخالف! ‏

برزت في التوصيات، التي كتبها المدعون بأنفسهم، القدرة على ممارسة النقد الذاتي، فقد لوحظ أن معظم الأبحاث تقوم على دراسة الشعر، لهذا وجدنا توصية تدعو إلى ضرورة التنوع في تقديم أجناس أدبية مختلفة. ‏

قلت بيني وبين نفسي: كم لغتنا العربية محبوبة من غير أبنائها! حتى إنهم يكتبون الشعر بها (كما بيّن لنا باحث من نيجيريا)! كم تأثرت حين سمعت باحثا من تايلاند يتحدث عن العقاد بعربية سليمة! وباحثة إيرانية تتحدث عن الرافعي! ‏

وكم تألمت وأنا أسمع بعض الباحثين العرب يفوتهم التعبير السليم بلغتهم الأم! ‏

لقد أحبوا العربية فأخلصوا في خدمتهم! وعقدوا مؤتمرا عالمياً من أجلها! استنجدوا من أجل تكاليفه بالسفارات العربية والجامعة العربية، ولكن، كالعادة، مامن مجيب!!! فاعتمدوا على التمويل الذاتي. ‏

تشرين