حتى اللغة العربية معيار للوطنية اللبنانية

أ. أحمد زين

 نتائج «الامتحان الاستطلاعي حول الإملاء باللغة العربية» الذي جرى قبل أيام قليلة بمشاركة عينات من المثقفين والمتعلمين وأنصاف المتعلمين تفرض على الجميع بمن فيهم أصحاب المبادرة ودعاة الوطنية والدولة اخذ تلك النتائج بعين الاعتبار.

فقد نصت المادة 11 من الدستور اللبناني على ان «اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرسمية...» وحرص المشترع على وضع تلك المادة في الفصل الثاني من الدستور الذي تتناول مواده الحريات العامة والجنسية وغيرها. وجاء المشترع ليضيف على هذا النص التالي: «اما اللغة الفرنسية فتحدد الأحوال التي تستعمل بها بموجب قانون».
والجدير بالذكر ان المادة 11 وضعت ونوقشت عند إقرار الدستور في 23 أيار 1926 وبحضور المندوب الفرنسي سوشييه الذي شارك في المناقشة ليتجاوز ما جاء في هذا الخصوص في صك الانتداب الذي نص في المادة 13 منه على اعتبار اللغة العربية والفرنسية أيضاً لغتين رسميتين.
ومن هنا، يتبين ان اللغة الفرنسية هي اللغة الوحيدة بعد العربية التي يمكن استعمالها رسمياً إذا ما كان هناك من قانون يجيز ذلك امام استخدام اللغات الأخرى، فيكون مخالفاً للدستور.
هذه المسألة التي تبدو في نظر البعض جانبية وهامشية في ظل واقع الالتزام بالدستور هي في الحقيقة من الأهمية بمكان، فقد وصف المشترع اللغة العربية بالوطنية يربطها بشخصية الانتماء وبالتالي فهي أوسع مدى من اعتبارها اللغة الرسمية لتشارك مع الخصائص الأخرى التي تنشئ الأمم وتميز الشعوب عن بعضها وأكثر ما يظهر ذلك في الممارسة اليومية للشعوب عند ظهور العادات والتقاليد والتراث وغيرها من يوميات المواطنين كتحية الصباح والمساء وغيرها واستعمال المصطلحات الروتينية بلغة اجنبية برغم ان العربية تقدم أكثر من صيغة لها تختلف بالنسبة لفهمها عن «الشاطر والمشطور وبينهما الكامخ» الذي عربت به كلمة «السندويش».
ويمكن القول إن العربية لا تستحي من اعتماد كلمة أو مصطلح بنصه الأجنبي عندما تكون قاصرة عن استنباط ما يعادله عربياً. ولهذا فإن الشعوب لا تعتمد في تخاطبها ويومياتها إلا ما يكون خاصاً بها لأنها في ذلك تؤكد مواطنيتها وانتماءها؛ فلا نجد في فرنسا مثلاً من يبادر بالتحية باللغة الإنكليزية والعكس أيضاً صحيح، ولا نجد روسيًّا يبادر بالتحية باللغة العربية، وهكذا دواليك.
أما الانفلاش اللغوي عندنا فلا يعبّر عن علو ثقافة، بقدر ما هو تجاوز لأصول الالتزام بالمواطنية التي نص عليها الدستور، وفي حالات ونماذج عديدة وربما كثيرة، تكون معبرة عن نقص ما في النفوس تجري محاولة ردمه بالإيحاء ان هناك ثقافة وعلما «ومجتمعا مخمليا».
لذلك، فإن المبادرة إلى امتحان الإملاء باللغة العربية كانت في محلها كونها ابرزت إشكالية وطنية أساسية، خصوصاً ان الدول عندما تنتصر في حروبها وتحتل دولا أخرى تبادر إلى ضعضعة اللغة الوطنية وتسويق لغتها للقضاء على الشخصية الوطنية للدولة التي تحت احتلالها على غرار ما كان قد جرى في الجزائر وفي الدول التي كانت قد خضعت لـ «الرجل المريض» قبل ان يمرض.
في الختام، ملاحظة لا بد منها، إذ إن معظم ضيوف لندن الأجانب يحرصون في محادثاتهم ويحرصون أكثر في مؤتمراتهم الصحافية على استخدام لغتهم الأم، فلماذا لا يحرص المسؤولون عندنا على استخدام اللغة العربية، ويصرون على استبدالها ليس بالفرنسية، بل أحياناً كثيرة باللغة الإنكليزية.
 

السفير