اللغة العربية فى الأمم المتحدة

د. عبد الستار محفوظ

 اعتبارا من عام 2010، تحتفل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والدول العربية وسائر المتحدثين بالضاد بيوم اللغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام. وقد اختارت إدارة شئون الإعلام بالأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك بالتشاور مع اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، هذا اليوم بالتحديد لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والعشرين المعقودة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في الجمعية العامة والهيئات الفرعية التابعة لها بحيث يكون لها نفس وضع اللغات الرسمية الخمس الأخرى: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. وقد ذكرت الجمعية العامة في حيثيات القرار المتقدم أنها اتخذته إدراكا منها لما للغة العربية من دور lil في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته وأنها لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأمم المتحدة (في ذلك الوقت) ولغة مقررة في وكالات أخرى ذكرت منها اليونسكو والفاو (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة) ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية ولغة رسمية في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا). 

وفي 17 ديسمبر 1980، أصدرت الجمعية العامة قرارها 219 ألف وباء الذي قررت فيه أن يُصبح جهاز موظفي اللغة العربية في حجم جهاز موظفي كل من اللغات الرسمية ولغات العمل الأخرى، وأن تتمتع اللغة العربية بنفس الوضع الممنوح للغات الرسمية ولغات العمل الأخرى، وطلبت إلى مجلس الأمن إدخال اللغة العربية لغة رسمية ولغة عمل، وإلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي إدخال اللغة العربية لغة رسمية في أجل لا يتعدى 1 يناير 1983. وتنفيذا لهذا القرار، أصبحت اللغة العربية لغة رسمية في مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 1 يناير 1983. 

ووجود اللغة العربية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية يتخذ أشكالا شتى. فعلى سبيل المثال، وتنفيذا لقراري الجمعية العامة المذكورين، وإلى جانب قسم الترجمة التحريرية المذكور الذي اتسع فيما بعد فأصبح يسمى دائرةً، أنشئ بالمقر قسم للترجمة الشفوية (الفورية) وقسم للمحاضر الحرفية وقسم لتحرير الوثائق الرسمية ووحدة للمصطلحات العربية (أدمج كلاهما أخيرا في دائرة الترجمة التحريرية العربية) ووحدة للغة العربية في قسم تجهيز النصوص وتصحيح التجارب المطبعية ووحدة للنشر المكتبي العربي في قسم دعم الاجتماعات ووحدة لتجهيز النصوص ووحدة للموقع العربي للأمم المتحدة على شبكة الإنترنت فضلا عن الإذاعة العربية للأمم المتحدة وبرنامج تعليم اللغة العربية بها. 

إن هذا كله يعكس الاهتمام باللغة العربية والحرص على إعطائها المكان الذي يليق بها باعتبارها اللغة التي يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة واللغة الرسمية الأولى في دول الوطن العربي والثانية في إريتريا وتشاد وكان لها تأثير على لغات أخرى كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية وغيرها وتكتب بحروفها لغات أخرى كالفارسية والملايوية والتركية سابقا فضلا عن كونها لغة العبادات لجميع المسلمين في العالم. 

مع كل هذا الشعور بالحسرة والأسى على حال اللغة العربية لدى أهلها، أجد قدرا كبيرا من التفاؤل في أمرين: أولهما, مدى الأهمية التي باتت تحتلها اللغة العربية في العالم الافتراضي ممثلا في أجهزة وبرمجيات الحاسوب والإنترنت التي طرأ عليها تطور كبير زالت معه العقبات التي كانت تحول دون تطويع اللغة العربية للاستخدام الرقمي.فقد أصبحت اللغة العربيةتحتل حاليا المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية بين اللغات الأكثر استخداما على شبكة الإنترنت والمرتبة الثانية بين أكثر اللغات نموا والتاسعة بين أكثرها استخداما على موقع فيسبوك. وقد حدث أخيرا تطور باهر في الاستعانة بالحاسوب في الترجمة بالأمانة العامة للأمم المتحدة وفي منظمات دولية أخرى في مقدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية. وكان لمترجمين عرب في دائرة الترجمة التحريرية العربية وبينهم كاتب هذه السطور دور ريادي في إحداث هذه الطفرة في مجال رقمنة المصطلحات وتدقيقها رقميا والاستعانة بالحاسوب في الترجمة بالأمم المتحدة على مستوى اللغات الرسمية الست واللغة العربية على وجه الخصوص. وأهم وأحدث تطور في هذا المجال هو استخدام تقنية برمجية تتيح استرجاع الترجمات السابقة وإعادة استخدامها لو صودف في النص الجديد مقطع مطابق أوشبه مطابق لما سبقت ترجمته. وهو تطور سيساعد كثيرا في زيادة الكفاءة والاتساق وتوحيد المصطلحات ولكن سيظل للمترجم الإنسان دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه أبدا. 

أما الثاني, فهو أن التمكن من اللغة العربية كان ومازال شرطا أساسيا من شروط العمل في الترجمة بالأمم المتحدة ومن النادر أن تصدر وثيقة وبها أخطاء نحوية أو إملائية. وعلى هذا، فربما وجدت اللغة العربية في اهتمام الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بها وفي اهتمام العالم العربي المتزايد بتلك المنظمات الدولية وبالوثائق والمنشورات العربية التي تصدر عنها ما يُعزيها عن الإهمال الذي تلقاه حاليا بين من كانوا - ويُنتظر منهم أن يكونوا - أبعد ما يكون عن إهمالها. 
 

الأهرام