|
|

ألسنتنا ليست ضريحاً
أ. أمل الرندي
منذ ثلاثة وأربعين عاماً ونحن نحتفل بك لغتنا الجميلة، بعد القرار الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام، باعتبارك ضمن اللغات الرسمية الست المتداولة، فحروفك الثمانية والعشرون تشهد على جزالة الفاظك، وفصاحة معانيك، وسحرك في الايقاع، فكل عيد يحتفي بك عاشقوك.
من أجلك يا لغتنا الأم أقيمت الاحتفالات والمؤتمرات والندوات في الكويت وكل الدول العربية، وأكثر الاحتفالات التي سعدت بها وشاهدتها تلك الخاصة بالأطفال، لأنها تحثهم على حب اللغة وانتمائهم لها، إنها الخطوات الأولى لصنع جيل يدرك أهمية لغته، ويقدرها ويعتز بها.
فقد اقام فريق «صغيرك سفيرك» احتفالاً مميزاً تحت شعار «فسحة بالفصحى» في حديقة الشهيد، بقيادة الفراشة النشيطة سلمى الميمني، المنسق العام للبرنامج، بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون الشباب، تميز بالروح الطفولية والتنوع الثري المفيد، بدءاً من العنوان الذي ينبض ببراءة الطفولة، والفاعليات الممتعة الهادفة، التي تجعل هذه المناسبة تسكن حواسه وتتأصل في ذاكرته، فالشخصيات الكرتونية الشهيرة لبرنامج «افتح يا سمسم» كانت رفيقة الأطفال، والعرض المسرحي الهادف «الأميرة والدب والمهرج»، والأغاني الوطنية، والمسابقات، أضفت حالة من الفرح، فكان الطفل زينة عيد اللغة حقاً. كما كان للأسرة نصيب من الاحتفال، من خلال الأمسية الشعرية التي قدمت في ختامها، ليصبح احتفالاً يلامس قلوب الجميع، فتحية إجلال وتقدير لكل من ساهم في غرس حب «لغة الضاد» في نفوس أطفالنا حاملي رايتها في المستقبل. لكن برغم كل مظاهر الاحتفالات المتنوعة.. هل هي تكفي لتكون اللغة العربية حاضرة في حياتنا اليومية بكل زخمها! للأسف ما نراه في الواقع، رغم كل الطنين والرنين والبهرجة لا يعطي اللغة حقها! لغتنا تعتبر من أقدم اللغات السامية، التي نطق بها الإنسان، فهي «لغة القرآن»، ينطق بها حوالي نصف مليار نسمة، إنها واحدة من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وهي كانت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون. لكنها الآن تواجه تحديات جمة، بدءاً من ضعف البحث العلمي، وعلوم اللغة واللسانيات، ضعف حركة الترجمة، وسيادة اللغة الغربية الموروثة عن الاستعمار في الادارة والاقتصاد والتعليم، مما جعل لغتنا غريبة في موطنها، هزيلة على لسان أبنائها، يتباهى البعض بأنهم لا يتقنونها أكثر مما يتقنون سواها، فيفضلون الكلام والغناء بلغات أخرى، أو يخلطونها مع لغات أخرى ليبينوا أنهم «عصريون» و«متحضرون» و«متطورون»! هذا لا يعني أننا ندعو إلى عدم تعلم اللغات الأخرى، بل نؤكد أن اللغات الأخرى ضرورية جداً للتواصل مع العالم والتعرف على الثقافات الاخرى والتعايش معها، لكن ذلك من خلال الانطلاق من هويتنا وترسيخها كأساس متين نحاور من خلاله العالم، لا أن نكون غرباء في ساحة لغتنا. علينا أن نعرف اسرارها وجمالها، فلا نبقى عند قشور نلتقطها من بحور نحوها وثروتها المدهشة في المترادفات، فلغتنا ليست للمختصين وفقهاء اللغة فقط.
فأين أنتِ منا.. وأين نحن منكِ.. يا لغتنا الجميلة!
علينا أن ننقذها فننقذ أنفسنا، قبل أن نتلاشى وننقرض، فقد أصابها وأصابنا الهزل والضعف، فباتت ألسنتنا ضريحاً لها، فأيقظوها من هذا السبات العميق لتزهر على شفاه أطفالنا، وافتحوا ورود مفرداتها الجميلة في نفوسهم، لتنبت بساتين عطرة برحيق معانيها، فلننقذ هويتنا وأجيالنا من فقدان أهم ما يميزنا، لغتنا، معها تعلو مكانتنا، ونرتقي بشعوبنا.
ولنتذكر مقولة أمير الشعراء أحمد شوقي التي تحثنا على رحلة الارتواء من ينابيع لغة الضاد:
«إن الذي ملأ اللغات محاسناً/ جعل الجمال وسرّه في الضاد».
الراي
|
|
|
|
|