|
|

قل... وقل
أ. مصطفى سليمان
قل... وقل فقط: جغرافيا وفيزياء وكيمياء وجيولوجيا، وموسيقى، وفلسفة، وإلكترونيات، وهندسة (إلكترونية، وميكانيكية، وميكانيك (وليس علم الحِيَل...) ومهندس وأستاذ ودكتور...
ما سبق ألفاظ غير عربية، وغيرها مئات بل آلاف. لكن لغتنا الساحرة العبقرية المرنة العاشقة للتطور بالتحديث والتعريب والاشتقاق والنحت والتوليد وتطويع الدخيل، جعلتْ هذه الألفاظ وغيرها تبدو وكأنها عربية، بل صارت عربية بالتداول اللغوي. وهكذا اغتنت معاجمنا العربية الحديثة بها، كما اغتنت لغات العالم الحية بمئات الألفاظ والمصطلحات العربية في العلوم والفلك والطب والرياضيات، والكيمياء... وأنصح بقراءة كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، لمعرفة تأثير اللغة العربية في لغة الغربيين وثقافتهم في المجالات السابقة. ويكفي ما قاله المستشرق دوزي: إن ربع الإسبانية من جذور عربية.
عام 1981 كنت مشاركاً في منتدى ثقافي قومي في جامعة طرابلس- ليبيا، ضم أكثر من أربعمئة مثقف عام وأكاديمي، بعد انتهائي عقّب (نِحرير) أي دكتور على بعض الألفاظ الأعجمية في مشاركتي الأدبية منبهاً ومحذِّراً (!) من استعمالها تنقيةً للسان العربي، وحمايةً له من التلوث اللغوي!
وكان ردي عليه أن يجيب «بكلمة وردِّ غطاها» أي سين وجيم فقط. قلت له: ما شهادتك؟ وما تخصصك؟ قال: دكتور في الفلسفة قلت له: بل أنت «نِحرير في حب الحكمة»! لماذا تستخدم ألفاظاً أعجمية ولديك البديل العربي؟ وأردفت؟ ما الكليات والأقسام في هذه الجامعة؟ فأخذ يعدد: الجغرافيا والهندسة والفيزياء والكيمياء... قلت له: أنت تعلم أن كل هذه الألفاظ أعجمية فلماذا لا تسمّيها ببديلها العريي؟ وتابعت: على المغسلة في الحمام قطعة نغسل بها أيدينا لننظفها، وسائل نغسل به شعرنا، ما اسمهما؟ قال مبتسماً: الصابون والشامبو. قلت: لا، بل الغاسول؟! أين تشاهد وتسمع الأخبار؟ لا تقل لي من المرناة أو الرائي؟ قل من التلفزيون، وربما تكتب التلفاز، كتابةً فقط، لكنك تقول التلفزيون، أيضاً فقط! هل تفتح الإذاعة أم الراديو؟
ثم انتقلت إلى سوق الخضار عن البقدونس والباذنجان والبطاطا والبندورة... «الطماطم في مصر والمطيشة في المغرب»، وإلى العملات العربية: الفرنك والليرة والجنيه إلخ... والأدوية: البنسلين والتتراسكلين والبروفين والأسبرين... وهكذا، حتى دوّت القاعة بالتصفيق، ليس لي، بل لهذه اللغة العبقرية الجميلة التي تحطم أسوار الانغلاق والجمود عبر العصور.
لقد اغتنت لغتنا عبر مسيرتها الحضارية بما أغنت به لغات العالم في كل المجالات، فكانت لغة «العولمة» القديمة عندما كانت أوروبا تحرق العلماء والأطباء والفلاسفة «الهراطقة» مع كتبهم في الساحات العامة!
وإلى قول آخر.
الراي
|
|
|
|
|