للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

حتى لا تنعى العربية أبناءها

أ.محمد شريم

 

عندما قرأنا قصيدة الشاعر العربي حافظ إبراهيم ( اللغة العربية تنعى حظها ) في المقرر المدرسي عجبنا أشد العجب من ( تجني ) الشاعر على أبناء العربية البررة ، كيف لا نعتبرهم كذلك وهم لم يتوانوا عن التحدث بهذه اللغة والتأليف بها وجعلها لغة الدراسة والتدريس في المدارس ولغة التواصل في المراسلات ووسائل الإعلام ، ذلك بالإضافة إلى ما تحاط به عندهم من هالة التقديس باعتبارها لغة القرآن الكريم ، فما الداعي لما يقوله هذا الرجل ؟!

ولكننا ، ونحن نرى ما آل إليه حال اللغة في أيامنا هذه ، وموقف العقوق الذي يقابلها به الكثير من أبنائها ندرك كم كان هذا الرجل في ذلك الحين على حق ، بل نشعر أنه ـ وبحسّ الشاعر وحدسه ـ نظم نبوءته التي رآها قبل عشرات السنين في أبيات هذه القصيدة التي تنطبق على حالنا مع لغتنا في وقتنا الراهن ، أكثر مما كانت تنطبق على حال أسلافنا معهذه اللغة في ذلك الزمان!

وكيف لا يكون على حق ونحن نرى اللغة رأي العين وقد ألمت بها النوائب والمصائب ، وتشكو خذلان أبنائها حتى تصل شكواها عنان السماء! 

فالناظر إلى الغالب الأعم من الجامعات العربية مثلاً يجدها قد جنحت إلى تدريس طلبتها باللغات الأجنبية ، وخاصة في التخصصات العلمية ،  متجاوزة بهم لغتهم التي طالما تردد صدى كلماتها في معاهد العلم ومجالس الفكر في الأندلس والقاهرة وبغداد وغيرها ، وحجة هذه الجامعات أن اللغة العربية لم تعد لغة العلوم في زماننا ، حيث يتناسى القائمون على هذه الجامعات أن لغتنا العربية قد أثبتت جدارتها في أن تكون لغة لتدريس العلوم في الجامعات التي سعت إلى هذا بجدّ واجتهاد كجامعة دمشق مثلاً !

 

ولم يكن الجنوح إلى اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية في الجامعات فقط ، بل إن المدارس في الكثير من بلداننا أصبحت شريكة في هذا الخذلان ، حيث أصبحت تدرس طلبتها اللغة الأجنبية منذ الصف الدراسي الأول ، لتكون شريكة لغتهم الأم من حيث الاهتمام ، وذلك بحجة زيادة استعدادهم لدراسة العلوم بلغة العلم ، حيث يتجاهل أصحاب القرار أن ذلك قد يضعف الطفل في اللغتين معاً ، وأن الطلبة الذين درسوا اللغة الأجنبية من الصف الخامس فما فوق ـ في السنوات السابقة ـ كانوا أكثر نجاحاً فيهما مما نشاهده في هذه السنوات!

وليت هذا الداء ، وما يجلبه من عظيم البلاء قد توقف عند هذا الحدّ ، ولكنه في بعض البلدان العربية ـ وللأسف ـ شمل حتى مواقع القرار ،وعلى أعلى المستويات ، ولن أسمي بلداناً بعينها ، ولكني سأذكر أن وزيرة في إحدى البلدان العربية قد صرحت تصرحاً يخلو من الحكمة ـ بعكس اسمها ـ حين أعلنت أن الحديث باللغة العربية يتسبب في ارتفاع درجة حرارة جسمها!

أما بعض المثقفين ، فإنهم يعتقدون أن ترقيع عباراتهم بكلمات أجنبية هو السلم الذي يصعدون من خلاله إلى منصة الثقافة ، وأقول ( ترقيع ) لأن هذه الكلمات تبدو في سياق الحديث كما تبدو الرُّقع السوداء في الثوب الأبيض ، ولم يتوقف الأمر على المحادثات الصوتية ، بل انتقل الأمر إلى رموز الخطاب المكتوبة من خلال ما يعرف في لغة التواصل عبر الإنترنت والرسائل الإلكترونية بـ ( العربيزي ) !

وإذا كانت الحالة على هذا النحو مع حماة اللغة ودعاة الثقافة وأرباب العلم ، فلا عجب في أن نجد التهاون في اللغة لدى العوام ، ومنهم الوالدان اللذان يطلقان على أبنائهما الأسماء الأعجمية الغريبة ، وبعض العمال الذين لا يترددون في تداول مفردات وتسميات مشغّلهم الأجنبي ، وكذلك التجار الذين يعتقدون أن كتابة لافتاتهم التجارية بخط أجنبي أو تسمية محلاتهم بأسماء أعجمية سيجلب لهم الحظ أو الزبائن أو كليهما معاً ، فيا للعجب!

إن التهاون في شأن اللغة الأم ليس هو مجرد خذلان بحق الركن الأساس من أركان الهوية القومية في ميدان التنافس بين الحضارات ، أو هو إضعاف لهذا الركن فقط ، بل إن لهذا التهاون ما له من انعكاس على المسيرة التربوية والتعليمية والعلمية والثقافية ، فهل نتنبه إلى هذا الأمر ، ونعطي لغتنا الجميلة ما تستحقه من الاهتمام والتكريم ؟ وهل سيأتي ذلك اليوم الذي نشعر فيه حقاً أننا لم نعد بحاجة إلى قصيدة شاعرنا حافظ إبراهيم إلا للدراسة اللغوية فقط ، أم أننا سنفاجأ ذات يوم بشاعر حريص على اللغة وقد نظم ـ هذه المرّة ـ في حالنا قصيدة عنوانها ( اللغة العربية تنعى أبناءها ) ؟!
 

الحدث

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية