للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

من هو أبو عبدو الرجل الحديدي

سناء يعقوب

 ان تعشق الوطن وتتغنى بسحره وجماله، فذلك لأنك ابن الوطن.. ان تذوب حباً باللغة العربية وتسعى جاهداً لفهم اللهجة العامية فذلك لأنك عربي أصيل وتحب التواصل مع أهل البلد، وان تقول لا مكان لي إلا في هذا الوطن وبين ناسه الطيبين المعطائين فهذا كل ما يتمناه أي انسان يسعى إلى اكمال مشوار حياته في أرض يقول عنها طيبة معطاءة وفيها كل الخير والأمان..

حكايتنا تبدأ مع «أبو عبدو» الاسم الذي تردد على مسامعي كثيراً قبل أن أراه أثار فضولي وفضول كل من رآه.. أحب سورية وأهلها وكانت اللغة العربية سبيلاً له ليهتدي الى فهم العرب.. ‏

هذا الانسان التواق الى معرفة الماضي والحاضر.. التاريخ والمستقبل أدرك مبكراً ان اتقان اللغة العربية الفصحى لا تكفي ليكون أكثر تواصلاً وقرباً من الناس فدرس وفهم اللهجة العامية السورية بل نكاد نقول أغرق فيها، فاللهجة كما يقول انعكاس ومرآة لواقع المجتمع وحاله.. ‏

«أبو عبدو» انسان دافئ المشاعر يعبر عن نفسه بكلمات بسيطة صادقة يصوغها بعيداً عن التكلف ويؤكد ان النكتة الشعبية المحلية مفتاح الوصول الى تفكير وقلوب وعقول الناس.. ‏

من هو أبو عبدو؟

والآن.. انتبهوا أبو عبدو ليس عربياً ولكنه يعرف عن العرب وتاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم ما لا يعرفه عن بلده!! أبو عبدو هو «كيم سونغ تشول» المستشار بسفارة جمهورية كورية الديمقراطية الشعبية في سورية ومعنى اسمه «الرجل الحديدي» وهوا سم على مسمى لأنه كان عنواناً للمثابرة والاجتهاد للتواصل بين الحضارتين الكورية والسورية ولتعلم اللغة العربية بل أكثر من ذلك في تعلم اللهجة المحلية فقط حتى يستطيع التفاهم مع الناس من دون حواجز!!.. ‏

ويعترف ان اللغة العربية عشقه الدائم ولكنها صعبة إلا أنها جميلة بسبب بلاغتها وقدرتها على التعبير عن الأشياء. ‏

أبو عبدو الكوري بدأ دراسته من دمشق فعاد اليها دبلوماسياً ويتمنى البقاء فيها لما وجده من دفء العلاقات الانسانية والتكافل الاجتماعي فهو يرى في المجتمع السوري انفتاحاً في التعامل مع الآخرين رغم تمسكهم بالتقاليد.. ‏

ولمن قال واستغرب لماذا «أبو عبدو» نقولها ببساطة لأن اسم ابنه «عبد الله» وابنته «وفاء» فمن شدة حبه للعرب تكنى بأسمائهم ولم لا.. وقد وعد أصدقاءه القدامى أثناء الدراسة الجامعية بتسمية ابنه عبد الله فكان ما كان.. وكان أبو عبدو مثالاً حياً لمواطن أحب ان يكون فرداً من المجتمع السوري وان يكون صلة الوصل بين حضارة بلده كوريا التي يحب والتي يعتبرها جنة خضراء وبين سورية وأهلها ناشراً رسالة سلام ومحبة الى جميع الناس.. فمن أين كانت البداية؟!! ‏

لماذا اللغة العربية؟!! ‏

يقول السيد كيم سونغ تشول: في يوم من عام 1974 وأثناء زيارة الرئيس حافظ الأسد لكوريا الديمقراطية وجدت نفسي أمام لافتات كتبت باللغة العربية للترحيب بضيف كوريا فتعمقت بالكلمات المكتوبة وبأشكال الحروف فيها فأعجبتني وأثارت فضولي لمعرفة معناها.. وهذا ما دفعني لاختيار اللغة العربية ودراستها بالرغم من صعوبتها وبدأت رحلتي.. ففي كوريا لدينا ثانوية للغات الأجنبية تتبع مباشرة لجامعة اللغات الأجنبية ندرس فيها ثماني لغات منها (العربية ـ الصينية ـ اليابانية ـ الانكليزية ـ الاسبانية ـ الألمانية) لأن اللغة الكورية بعيدة كل البعد عن باقي اللغات وفيها 40 حرفاً كما ان تعلم اللغة العربية محصورفقط بالجامعات والمدارس لأن الانسان الكوري ليست لديه فرصة للاختلاط بالعرب ولا يبقى أمامه إلا المدارس وفي أثنائها وخلال دراسة اللغة العربية لم تتح لنا فرصة التكلم باللغة العربية مع أنه كان بإمكاننا ان نقرأ الجريدة ونفهم ولكن أبداً لم نتعاط الحوار والكلام. ‏

وهكذا الى أن وصلت الى السنة الثانية من دراستي الجامعية فقررت السفر الى سورية لإكمال الدراسة وتعلم اللغة العربية فدرست في جامعة دمشق كلية العلوم الانسانية من عام 1981 لعام 1985.. واخترت قسم التاريخ لتعلم تاريخ العرب وثقافتهم وعاداتهم وكذلك لتعلم اللغة العربية والتي هي جانب من الثقافة العربية والتاريخ العربي.. ‏

وأفادني السكن في المدينة الجامعية للتعرف على أصدقاء كثر ولكن للأسف انقطعت هذه العلاقات بعد التخرج الجامعي.. لذلك أوجه نداء للأصدقاء الذين عرفتهم لمواصلتي.. وهكذا بدأت حياتي في سوريةوخلال ستة أشهر كافية للفهم والسماع والتكلم باللغة العربية. ‏

عادات عربية.. ‏

يقول المستشار كيم سونغ تشول: ‏

لفت انتباهي العادات والتقاليد وبحكم المسافة الكبيرة التي تفصل البلدين فكل ما هو موجود في كوريا لا يوجد في سورية وكل ما هو موجود في سوريةلا يوجد في كوريا لذلك كان كل شيء مميزاً.. ‏

كما لا يمكن تخيل اللغة العربية والكلام العربي دون ذكر الله «الله يعطيك العافية ـ الله يخليك.. الله يعافيك».. ‏

ولا شك في ان مرحلة الدراسة الجامعية افادتني كثيراً من نواح عديدة حيث كنا نجتمع يومياً مع مجموعة من الأصدقاء السوريين لنقاش أحد المواضيع التي نطرحها يومياً وفعلاً كان هؤلاء الشباب على دراية وعلم وثقافة وكانوا على مستوى من الوعي السياسي والوطني وتجلى ذلك أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 حيث تطوع بعض الطلاب والأصدقاء السوريين للدفاع عن لبنان وأرضها.. فطلبت الانضام اليهم والتطوع دفاعاً عن الشعبين السوري واللبناني اسوة بأصدقائي ولكن قيل اننا اتينا سورية للعلم فقط ورفض الطلب.. وما دفعني الى ذلك معرفتي الأكيدة بعدالة قضيتكم، فالكوريون في كتبهم المدرسية وفي مراحلهم الابتدائية والاعدادية والثانوية يعالجون القضية العربية لأنها عادلة هكذا درسنا وهكذا لمسنا.. وكوريا هي الدولة الوحيدة التي ليست لها علاقات سياسية ودبلوماسية مع اسرائيل ولا حتى أي نوع من العلاقات.. ‏

ولكن وبالرغم من المستوى الثقافي المميز للشاب العربي وجدت قلة في معلوماتهم عن كوريا ولأن أي اجتماع بين طرفين تأثير وتأثر فلا يكفي ان استفيد وأفهم كل شيء عن العرب بل أيضا يجب أن انقل اليهم العادات والتقاليد الكورية لردم الهوة والتقريب بين وجهات النظر وخاصة ان الشباب كان لديهم الفضول للمعلومات والمعرفة والصعوبة الوحيدة التي واجهتني اللهجة العامية حتى استطيع ايصال أفكاري بكل يسر وسهولةوربما هذه اللهجة آنذاك وصعوبة تعلمها لم تؤهلني للقيام بصداقات خاصة. ‏

وكانت نقطة التحول أثناء احدى السهرات مع الأصدقاء والطلاب العرب والسوريين حيث كنا نتبادل النكات الشعبية وكنت آخر من يضحك وهذا سبب لي الألم والاحراج.. فنحن كموفدين سياسيين ليست مهمتنا تعلم أو فهم اللهجة العامية وانما تعلم اللغة العربيةحتى نستطيع ان نكون جسراً للتواصل بين الدولتين والشعبين.. وهذا ما كان ففكرت جدياً بتعلم اللهجة العامية.. ولم أجد سبيلاً الى ذلك إلا المسلسلات السورية فكان مرشدي في ذلك غوار الطوشة وياسينو وست فطوم ومسرحية كاسك يا وطن ـ حمام الهنا ـ وغيرها فكنت أغوص في تعلم مفردات اللهجة والتعمق فيها وأعيد مشاهد المسلسلات مراراً وتكراراً حتى أتقن وأفهم الكلام واللهجة.. وحالياً يتابع السيد أبو عبدو المسلسلات السورية التي تعرض في رمضان مثل «اوعى تضحك» و «سماع وطنش» لأن الأجنبي كما يقول إذا كان بمقدوره ان يفهم النكتة المحلية فقد وصل الى القمة باللغة العربية.. ‏

أجواء أسرية.. ‏

لأن العائلة تعني له مجتمعه الصغير الذي يحب ولأن زوجته الكورية التي تعرف عليها في سورية أثناء دراستها هي صديقة ورفيقة العمر ولأن ابنه عبد الله الذي سيدرس حالياً كوالده التاريخ في جامعة دمشق ووفاء التي تدرس في كوريا علم الأحياء لذلك كله كانت الجهود مضاعفة لخلق أجواء دراسية حتى يستطيع عبد الله تعلم اللغة العربية فصحى وعامية، فهم كعائلة يجتمعون يومياً لمشاهدة المسلسلات السورية وتعلم اللهجة ومن خلالها تعلم طريقة التفكير والعيش والتقاليد. ‏

ويعتبر أبو عبدو وعائلته عائلة شرقية محافظة فالولد يجب ان يطيع أبيه ويسمع كلمته، ومن المواقف الطريفة التي حدثت معه ذات يوم وأثناء نقاشه مع عبد الله ان قال له ابنه: ألم تسمع بالمثل القائل «إذا كبر ابنك خاويه» وفجأة لم يعد يعلم ما يقوله فبعد 30 عاماً من تعلم اللغة العربية لم يسمع بهذا المثل فلجأ الى صديقه للاستفسار ومعرفة معنى المثل وعاد الى ابنه وقال له: سوف اعاملك معاملة الأصدقاء ولكن ستبقى هناك خطوط حمراء.. ‏

انطباعات.. ‏

ما لفت انتباه السيد المستشار أثناء تجواله في الوطن العربي ان مساحات شاسعة من الأراضي لدى العرب قاحلة وصحراء بينما كوريا خضراء.. ‏

ولفت انتباهه ظاهرة زواج القربى وهذا غير وارد في كوريا اطلاقاً.. وما يميز المرأة السورية ـ كما يقول ـ الأنوثة الطاغية وثقافتها وشراكتها في المجتمع الى جانب الرجل.. ‏

ومن أحب المحافظات السورية الى قلبه طرطوس واللاذقية، ويبقى السؤال الذي يدور في خلده: الى أين وصل في مسيرته والى أين وصل في تعلمه للغة العربية فحتى الآن وبعد 30 عاماً يعتقد انه يحتاج وقتاً أطول للتعمق أكثر باللغة التي أحب لدعم التواصل بين العالمين الكوري والعربي.. ‏

تشرين

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية