للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الكتابة العربية من النقوش إلى الكتاب المخطوط

د. أشرف صالح محمد سيد

 

إن اللغات بمفهومها العام ميسم مهم للأمم، بل لا نغلو في الأمر حين نقول إنها السمة الأساسية لكل أمة، فبها تمايز غيرها من الأمم، وتكون لها الشخصية المستقلة التي تصون لها ثقافتها وتجانسها، وتحفظ لها كيانها من أن يضطرب أو يزول، والشعوب التي توصف بأنها من الأمم البائدة لم تخرج من الحياة لانقراض جنسها البشري، بل لأفول سمتها المميزة، وهي لغتها !

وقد ارتبطت لغات الشعوب المتحضرة منذ آماد موغلة في التاريخ بنظمها الكتابية، فاللغات المكتوبة هي التي استطاعت عبور التاريخ، أو على الأقل البقاء على ساحته مددًا أطول، ولهذه الأهمية فقد كونت اللغات وكتابتها صورة واحدة ذات وجهين متلازمين تلازمًا تامًا، لا ينفكان إلا بقوة قسرية متسلطة. ونتيجة لهذا التلازم الحميم بين اللغات وكتابتها، حدث نوع من التآلف بينها، بحيث تتنازل اللغات عند كتبتها عن بعض أصواتها الشاذة أو المتطرفة، والكتابة بدورها تقدم إمكاناتها وأدواتها الرمزية لتمثيل تلك الأصوات اللغوية، بحيث تستطيع عزل الصوت وتمثيله برموز كتابية، تكون معبرة قدر الإمكانات الكتابية عن الكلمات المنطوقة. 
وقد أكسب هذا التلازم، الكتابة ذاتها مكانة اللغة نفسها بين أهلها، وأصبحت حرمة اللغة وكتابتها من حرمة الإنسان، وإهانتها من إهانته. 
ونتج عن هذه المنظومة الإنسانية دخول اللغات ونظمها الكتابية معترك الصراع الدولي، فأصبحت النزاعات العسكرية والسياسية بين الأمم تكلل بحرب شرسة على اللغات وكتابتها بوصفها رموزًا ذات دلالات عميقة ومؤثرة في الخصم. كما أنهما (اللغة وكتابتها) تحويان سجلاً عميقًا وموسعًا لتراث الأمة وثقافتها الذين تقومان عليهما. وعند الإخلال برمز التواصل بين الأمم وميراثها الحضاري، يحدث انقطاع بين ماضيها وحاضرها، وهذا يؤدي إلى هزيمتها من داخلها، فتزهد في شخصيتها وكيانها المستقلين، ومن ثَمَّ تكون تابعة للمعتدي المحتل عن طيب خاطر. 
ومن الأهمية البالغة للغة وكتابتها كانت حروب الدول الاستعمارية عليها شرسة لا هوادة فيها، تبذل الكثير من المال والسلاح والعتاد؛ لزحزحة مستعمراتها عن لغاتها ونظمها الكتابية. 
وإذا كانت هذه الأهمية البالغة للغات ونظمها الكتابية قانونًا إنسانيًا يسري على جميع الأمم والشعوب، فإنها بحق العرب ولغتهم وكتابتها أهم وأولى؛ وذلك لارتباطهم بمصادر التشريع السماوية (الكتاب والسنة) وهي مصادر نزلت باللغة العربية، وذادت عنها الأمة طوال خمسة عشر قرنًا على امتداد العالم الإسلامي بذخائر فكرية لا تحصى، مكتوبة باللغة العربية وبالحرف العربي. ومن هنا فإن مجرد التفكير في أي تغيير في بنيتها النحوية أو الصرفية أو الكتابية، يؤدي إلى زعزعتها، وفقد التواصل بين الأمة وتراثها وهويتها، وسيؤدي هذا إلى كارثة كبرى لا يستطيع العقل تصور مداها، أو التنبؤ بعواقبها. 
وقد أدركت الأمة هذا الأمر، لهذا سفهت دعاوى إصلاح الكتابة التي جاءت على لسان عبد العزيز فهمي (1870 - 1951)؛ لأنها رأتها دعاوي غير مدركة لطبيعة النظام الكتابي العربي، فهي مفروضة عليه من خارج بيئته اللغوية والكتابية، ومن ثَمَّ فإن القبول به سيؤدي حتمًا إلى تدمير النسق الكتابي العربي، وقطع الصلة بين حاضر الأمة وماضيها. وقد أكد صحة مسلك الأمة علماء اللغات بمقولتهم؛ إنه ليس هناك نظام كتابي أصلح من نظام آخر، بل إن كل لغة لها نظامها الكتابي الخاص الذي يتلاءم مع نظامها الصوتي والصرفي والنحوي.    
وأثبتت الأيام بطلان دعاوى عدم ملاءمة الكتابة العربية لآلات الطباعة؛ نتيجة للتطور العلمي الهائل في تقنياتها، فقد أكدت عمليًا أن كل مشكلة كتابية لها تقنية علمية كفيلة بحلها، فكتبت لغات أعقد، تضم عددًا كبيرًا من الرموز الكتابية يفوق العربية بعشرات المرات،. وجاء عصر الحاسوب، فإذا هو يحدث ثورة هائلة في مجال المعرفة ونقل المعلومات، ويعد بتقدم هائل في استعمال اللغات المطبوعة والمنطوقة من خلاله، فيعاود المنهزمون مرة أخرى إلى الولولة وشجب الحرف العربي واللغة العربية من جديد، بدعوى عدم تلاؤمها مع تقنيات الحاسوب والاتصالات الحديثة. 
وتأتي كلمة المتخصصين من علماء اللغويات الحاسوبية حاسمة في هذا المجال، لتصفح وجوه المخذولين بالقول: إنكم تجاهلتهم الحقائق اللغوية والفنية، وإن النظرة العميقة المتأنية ستكشف لنا كثيرًا من الأمور التي تجعل من العربية موضوعًا مثيرًا وشائقًا للمعالجة الآلية بقدر تفوق اللغة الإنجليزية نفسها. وإن النظام الصوتي في العربية، والصلة الوثيقة بين كتبتها ونطقها عامل آخر يزيد من قابلية اللغة العربية للمعالجة الآلية بصفة عامة، وتمييزه آليًا بصفة خاصة. 
وتنكسر أصفاد اللغة الإنجليزية على الحاسب الآلي وتقنياته، لينفتح على الأبجديات الأخرى، وذلك حين تكتشف طرائق جديدة تقوم على تكوين أشكال الحروف بتتبع مسارات خطوطها، أي بمحاكاة مسار ريشة الخطاط اليدوية في الخط العربي. ويقرر العلم الحاسوبي الرياضي –الذي لا يكابر ولا يجامل- أن التخلص من أسرار اللغة الإنجليزية لا يحل فقط كثيرًا من المشكلات التي تواجه المعالجة الآلية للغات الأخرى، بل يضيف الكثير من المزايا إلى تطبيقات الإنجليزية ذاتها. 
وعلى أثر ذلك يناشد الدكتور نبيل علي (1938 - 2016) عالم اللغويات الحاسوبية المطورين العرب قائلاً: "أليس في هذا ما يوحي بأن استغلال خصائص اللغة العربية خطًا وصوتًا وصرفًا ونحوًا، هو مدخل أساسي لحل مشكلات معالجتها آليًا، بل ربما أيضًا للمساهمة في حل بعض المشكلات التي تواجه بعض اللغات الأخرى". 
ويتقدم الحاسوب في معالجة اللغة العربية، بل ويبتدع المتخصصون المؤمنون بقدرات لغتهم وكتابتها في إنتاج خطوط عربية رائعة تقارب في جمالها وإحكامها خطوط الخطاطين. إلا أن المهزومين يأبون إلا البحث عن أمر ينتقصون به لغتهم وكتابتها، ويروجون لدعاوٍ يزعمون فيها الإصلاح، فتخرج علينا مجلة "أبل" في تشرين الثاني سنة 1993 بمقال يتضمن الزعم باختراع خط جديد، أسماه أصحاب الخط العربي "المبسط"، ويصفه المقال بأنه "يتيح لمسلمي العالم وغير العرب تعلم اللغة العربية بسرعة، ويفتح أفق الاستفادة الفورية من التكنولوجيا الغربية". أي أن المقال – على الرغم من وعوده البراقة – لا يزال يعيش على أحلام المنهزمين الأوائل الذين زعموا أن الخط العربي لا يلاءم التقنيات الحديثة، والغريب أن هذا الخلف هم من أبناء الحاسب الذين يعرفون ما وصل إليه الخط العربي من تطور وتقدم هائل ضمن هذه التقنيات، بل هم من المطورين له!
وتتكشف حقيقة الأمر في هذه الدعوى عند إتمام قراءة المقال، فيتبين أن هذا الخط يمتاز بزعمهم باختصاره "الأشكال الأربعة للحرف العربي بشكل واحد، ويتيح إمكان الفصل بين الحروف العربية"، أو بمعنى آخر أن هذا الخط يهدم بنية الخط العربي وخصائصه الأصيلة التي تقوم على اتصال حروف الكلمة الواحدة حسب نظام خاص، ووجود حالات ثلاث للحرف حسب موقعه من الكلمة. بل يفصح أصحاب المقال عن هدفهم بالقول إن خطهم يعمل على "تعويد العين العربية التي اعتادت قراءة الأشكال التقليدية على أشكال منفصلة، فهو يمكن استخدامه اليوم بشكل متصل فلا تتعدى صعوبة قراءته صعوبة التعود على أي خط جديد، وبعد فترة من الزمن يمكن فصل هذه الأشكال بعضها عن بعض، إذ أن العين قد اعتادت عليها"، ومن هذا القول الذي لا يحتاج إلى شرح أو إيضاح، يتبين أن الأمر ليس معالجة مشكلات تقنية أو خطية، بل هو الأخذ بما هو غربي على أنه الأكمل والأوفى، فما دام الغرب يكتب بحروف منفصلة، فلنكتب بحروف منفصلة، وما دامت أشكال حروفه لا تتغير حسب موقعها في الكلمة فيجب أن تكون كتاباتنا كذلك، أما الحسابات الغوية والصرفية العميقة، فلا مكان لها عند هؤلاء!
وسقطت فكرة مجلة "أبل" كما سقطت أوهام سابقة من قبل، فلم نسمع عنها شيئًا بعد ذلك، على الرغم من إلحاح المجلة والقائمين عليها بضرورة مشاركة القُرَّاء في دعم مشروعهم، وتبع سقوط المشروع سقوط المجلة نفسها، فلم نراها بعد ذلك في الأسواق.

السيرة العطرة للكتابة العربية 
بحث المؤلف (صالح بن إبراهيم الحسن) في أسرار الكتابة وأساليبها في الرسم وطرائقها في التطور، ووسائل علماء العربية في إحياء رسومها، وتكميلها حتى وصلت إلينا في قمة كمالها وشموخها. كما تتبع نموها منذ كانت في رحم النقوش الصخرية، مرورًا بأطوارها التاريخية، فتية يدوّن بها القرآن الكريم، ثم ناضجة تزينها جهود اللغويين العرب، الذين ما فتئوا يطورونها بأدوات لغوية وفنية أحكمت صنعها من داخل الكتابة نفسها، فنجحوا في التطوير والبناء، وأصبحت ترفل بعد ذلك في بذخ جمالي شامخ مع إبداعات الفنانين من أرباب الخط العربي. 
اختص الفصل الأول بدراسة الكتابة العربية في فجر نشأتها في العصر الجاهلي، وما أصابها من استعمال مكثف في العصر الإسلامي إبان تدوين القرآن الكريم، مما أبان عن قدرتها الذاتية الهائلة، وإمكاناتها في الوفاء بأصوات اللغة العربية وبنيتها الصرفية والنحوية، وخصائص رسمها في تلك المرحلة. أم الفصل الثاني، فقد عالج الكتابة في عصر النضج والاكتمال إبان القرون الثلاثة الأولى للهجرة، فأبان عن بنيتها، وما أصابها من تطور وتطوير على أيدي علماء اللغة وكتّابها، فقد تم في هذه الفترة إحياء نقاط الإعجام، كما تم رصد الملامح الأولية للخطوط الأولى وما أصابها من تطور تمخض بعد ذلك عن الخط الموزون. 
كان الفصل الثالث مكملاً في فترته الزمنية والدلالية للفصل الثاني، إذ عالج الفترة نفسها، ولكن من منظور الضبط اللغوي، وعني بتتبع إصلاحات اللغويين لها، فرصد ما نالها من وسائل الضبط بتكميلها بنقط الإعراب، ثم إصلاحات الخليل بن أحمد لهذا النظام، كما أبان عن العوامل المؤثرة في القضايا الإملائية في تلك الفترة؛ لأنها عوامل راسخة بقيت مهيمنة على الإملاء العربي حتى العصر الحاضر، وبذلك اكتملت البنية الأساسية وقضايا الضبط اللغوي إبان هذه المرحلة، وبدأت منذ القرن الرابع الهجري عصور التجويد لما أصاب الكتابة من تطور في القرون الثلاثة الأولى.
في الفصل الرابع تمت دراسة ما أصاب البنية الجمالية من تطور هائل؛ نتيجة لاكتمال الملامح الأولى لمدرسة الخط المنسوب، وتقرير قواعدها الأساسية على يد ابن مقلة الذي أقامها على مبدأ النسبة الفاضلة، وبذلك تمت هندسة بنية الحروف العربية عن طريق هذه النظرية، وعلى هذا الأساس وضع الإطار العام للتناسق الخطي بين القلم والحروف في الكلمة الواحدة، وبين الكلمات في الجمل، وبين الأسطر في الرقعة الواحدة. ولبيان الوضع الخطي في هذه المرحلة الطويلة استعرضت الدراسة ما قام به أعلامها في العصر العباسي؛ ابن البواب، وياقوت المستعصمي، ثم ما نال الخط المغربي والخط الموزون من تطور وثبات، ليفضي هذا الأمر إلى دراسة المدرسة الفارسية والعثمانية التي نال الخط العربي فيها أسمى درجات الإبداع الفني. وهكذا خلصت هذه المرحلة إلى أنواع الخط العربي الستة الباقية (الثلث، النسخ، النستعليق، الديواني، الرقعة، وخط العرب الأول الكوفي). 
كان للنظرة الإسلامية للخط وسائر الفنون الأثر الكبير في ظهور مدرسة الصنعة الفنية التي جعلت الخط العربي أداتها الرئيسة، لكنها طوعت خطوطها الخاصة بها، بحيث تفي برؤاها الجمالية البحتة، وكانت آثار هذا الاتجاه ظاهرة على سائر الفنون الإسلامية التطبيقية. وقد تم معالجة البنية الدلالية للكتابة في عصر التجويد في الباب الخامس؛ فحاولت الدراسة رصد بعض التطورات التي أصابت الحروف والرسم الإملائي، كما حاولت تلمس البدايات الأولى لعلامات الترقيم في المخطوطات، وعلامات الوقف في القرآن الكريم. وبما أن رموز الأعداد هي من مكونات النظم الكتابية، فقد عنيت الدراسة بها فبحثت عن أصلها، وتعريبها ورحلتها إلى أوربا، كما تم رصد سمات الحرف العربي في رحلته مع لغات الشعوب الإسلامية، وما أصابه من تراجع عند تلك الشعوب، نتيجة للهجمة الاستعمارية الشرسة إبان القرن التاسع عشر والقرن العشرين. 
أهمية الكتاب
الدراسة بتأريخها للنظام الكتابي العربي في صورته الدلالية والجمالية تبين عن أسبقيتها وجدتها في موضوعها، إذ لا توجد في المكتبة العربية دراسة عنيت بالتأريخ للنظام الكتابي العربي، واختصت به بصورة علمية حتى صدورها (1424هـ)، إذ أن الموجود ينحصر في كتب الرسم المصحفي، كتب الإملاء، كتب الخط والخطاطين، كتب الدراسات الأثرية. في الحقيقة؛ الدراسة قدمت مهادًا تاريخيًا، وآليات عمل حية لما يمكن أن يصيب النظام الكتابي العربي من تطور وتطوير، ينقلها إلى مدارج الرقي، ولا يخل ببنيتها، أو يخرجها عن سياقها العلمي الذي جاءت فيه، وارتضاها لها علماء العربية على مر العصور. لقد استطاعت الدراسة أن تحقق التاريخ العام لمسيرة الكتابة العربية منذ كانت نقوشًا على الأحجار إلى أن استقامت أداة حضارية دونَ بها القرآن الكريم وعلومه، ونشرت بها الأمة العربية والإسلامية فكرها وحضارتها في أرجاء المعمورة.
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية