للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية لكي لانبكي على أطلال جمال متهالك

د. عدنان شاهين


 علينا أن نسلم بمآزق اللغة العربية في ظل شراسة العولمة التي ندرك أمداء مخاطرها عندما تستفحل الأمور وتتضاءل فرص السيطرة، حينها نقف ونستوقف ونبكي ونستبكي على أطلال جمال متهالك وتعبير يصير شواذه صواباً فالانتهاكات مستسهلة ونحن مطمئنون بالتسويف وبارعون في التأجيل ولاحول لنا ولاقوة حينما تقع الواقعة ومن أجل ألا يقال:إننا ندعي الفروسية نردد مع أستاذنا الدكتور احسان النص الذي سلم بصعوبة تعلم اللغة العربية لتشعب قواعدها النحوية ومقرراً ان غاللغة العربية ليست من اللغات البسيطة التي يسهل على من يجهلها تعلمها وإجادة الكتابة والتحدث بهاف1

غير أن هذه الصعوبة يجب ألا تكون مشجباً نعلق عليه تقصيرنا ومعرضين عن تعلمها ولاينسى الدكتور النص أن ينادي بالحاجة الى إعادة النظر بقواعد العربية النحوية، مركزاً على الترابط المنطقي في تركيب الجملة العربية ولاأظن أن أبناء الأجيال المعاصرة تنقصهم المحاكمات المنطقية لابل إنهم يذهبون بعيداً في التفسير الفيزيائي لأبعاد الأدب الجمالية، مجردين الروعة من بهائها ووالجين في معاني الأبيات بنفس المنظور فتقعد ملوماً محسوراً. ‏

ورجائي بالنسبة للذين طال هجرانهم ألا تصل بهم الأمور الى الحد الذي جعل تلك الأم الداغستانية تغطي وجهها بطرحة سوداء كما تفعل النساء حين يسمعن بموت أبنائهن بعد أن سألت (رسول حنزاتوف) الذي التقى ابنها الفنان المهاجر في ايطاليا هل تحدثتما بالأفارية؟ فأجاب تحدثنا بوساطة مترجم لأن ابنك تكلم معي بالفرنسية. ‏

ويضع يده على الجرح قائلاً: غوسبب آخر من أسباب نفور الطلاب من مادة النحو هو أسلوب التدريس فينبغي توجيه المدرسين الى ضرورة استخدام اسلوب مشوق...ف2 حتى تتكامل العملية التعليمية وتؤتي ثماراً تنضج بالبراعة والقوة ويستأنف الدكتور إحسان النص حديثه بعد ست سنوات ليؤكد طروحاته السابقة من صلاحية اللغة لاستيعاب ألوان المعارف الى تعلم النحو بالمحاكمات العقلية والقياس المنطقي الى الصعوبة فيقول:غوثمة فئة من الناس تتهم علوم العربية بالتعقيد ولاسيما علم النحو والحقيقة ان نحونا ليس أشد تعقيداً من نحو بعض الأمم الأخريف3 لكننا لانستطيع نفي الصعوبة والتعقيد مهما صعب نحو الأمم الأخرى إذا تطلب منا الدخول في التفاصيل وتعدد الأوجه. ‏

كما يذكر بالقصور في تعلم النحو وبأنه لايرجع الى سوء المناهج وإنما الى اسلوب التعليم أيضاً ميالاً الى تدريس الأبحاث النحوية التي يحتاج اليها المتعلمون فقط. ‏

غير أننا ـ معشر العاملين ـ في ميدان التعليم نجد الطالب راغباً في معرفة كل شيء وملحاً على الدخول في أكثر المسائل الخلافية تعقيداً لا لأن هوى النحو يعصف بقلبه وإنما رغبة في تحصيل العلامة التامة، وفي ذلك تعطيل للغايات وانهيار المعارف متحقق بعد الامتحان، وفي ذلك أيضاً نكوص مرير في حين هدفنا الإجادة وبناء طالب يسيطر على التركيب ويدهش في حسن التعبير لكنه يظل مرعوباً لأن علامات القبول الجامعي عندنا تتواضع أمامها علامات أرقى طلاب الجامعات في العالم. ‏

ولانجانب الحقيقة إذا سلمنا مع الباحثين بأن غرابة النحو نتاج منافع وإصرار على تصدر الصف الأول ولايليق ذلك بالعالم وكان أن بقينا أسرى اجتهاداتهم الى اليوم متحايلين للتحرر من تبعاتها وغالباً مانخرج من المنازلات خاسرين. ‏

فإذا كان الخليل بن أحمد قديما يسلم وعلى مضض قائلاً: غلايصل أحد من علم النحو الى مايحتاج إليه حتى يتعلم مالايحتاج إليهف والدكتور عبد الله العلايلي شيخ علماء اللغة في القرن العشرين حديثاً يرى ان لغتنا لاتخلو من مشاكل مستعصية ولايجد حرجاً في ضبط عين الفعل كما نريد، إلا ماكان مشهوراً لأن الإلمام بذلك مستحيل، ولاتتأصل الصعوبة ممارسة فقط، بل إن إقرار العلماء انعكاس واضح للمسألة، لكن طرافة البعض تزيل شيئاً من الغم الذي يجثم فوق صدور المشتغلين، ومن ملح تعليقاتهم ماكان يختتم به ابن هشام إعراب أي كلمة إشكالية (والله أعلم بالجواب). ‏

وهذا ماجعل الغيورين على اللغة العربية يستشعرون الأخطاء المحدقة التي تتسبب في انهيارها، وانطفاء ألقها الذي استنارت به مواهب المبدعين قروناً طويلة. ‏

وكانت أن استفتت مجلة الهلال 1923 أبرز الكتاب والمستشرقين حول مستقبل اللغة العربية وقد تراوحت الآراء بين واثق بمستقبل حسن لها، ومؤمن بقدرتها على التكيف، مما قاله «وليم رول» مستشرق أمريكي غوللغة العربية لين ومرونة يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات هذا العصر وليس من يشك في أنه متى سنحت لها الظروف تستطيع أن تبلغ درجة من الدقة والرقي تمكنها من التعبير عن أسمى الأغراض العلميةف4 ‏

في حين ركز آخرون على الإرث الحضاري والإنساني للمتكلمين بها، محفوفاً بعناية إلهية، وفي هذا القول مصطفى صادق الرافعي: غإن سواد الذين يتكلمون بهذه اللغة هم من أبعد الشعوب أعراقاً في تاريخ المدينة وذهاباً في عصورها وتغلغلاً في طبقات الميراث الإنساني وذلك أصل عظيم في الاحتفاظ بها بعد أن صارت قطعة من تاريخهم وكأنها عناية إلهية بهذه اللغة أن لاتستفيض إلا في تلك الشعوبف5 ‏

وانطلق جبران خليل جبران من مفهوم شمولي موضحاً البنية الابتكارية التي لابد للنشاط من أن يبقى توليدياً وإلا فالعطالة طريق إلى التلاشي، مؤكداً على أن مستقبل العربية متوقف على مستقبل الفكر المبدع للمتكلمين بها غإنما اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في مجموع الأمة، أو ذاتها العامة، فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر وفي التقهقر الموت والاندثارف6 ‏

وفي الطبعة الجديدة الصادرة عن وزارة الثقافة في دمشق نشرت إجابات أربعة من كبار كتاب ومفكري العربية اليوم مستلهمة موضوعات «الهلال» وأجواء أسئلتها، فقد أقر الدكتور قسطنطين زريق في أجوبته بأن العربية قطعت شوطاً بعيداً على مستوى الأداء، مؤيدة بجهود مجامع اللغة في التعريب، وإسهامات أساتذة الجامعات والأدباء والمفكرين والعاملين في أي ميدان يتجاوز مع أشكال التعبير والإجادة، لكنه يقر بأن صعاباً كثيرة تعترض اللغة، وتربك العاملين بها أولها خارجية: غأما الصعوبة الخارجية فناتجة عن تسارع تطور العلم وتكاثر محدثاته في جميع الحقول. فثمة سباق مرهق بين تحديث اللغة من جهة وتضخم مهمتها في مجاراة ذلك التطور من جهة أخريف7 ‏

والصعوبتان الداخليتان: ‏

أ ـ تعثر قضية تيسير القواعد المضنية للناشئين والمتمرسين بفعل الاستثناءات والشواذ والتفاصيل المتشعبة والأوجه المحتملة مترافقة مع انزياح الدلالات وعلى نية إذا كان ذلك، أو بتأويل مشتق، أو ربما أراد المؤلف، أو على رأي سيبويه مثلاً، وفي ظل الانشغالات الحياتية والانصراف إلى التحصيل العلمي وغير العلمي، يكاد الإنسان يعلن عجزه عن المواكبة، فالزمن المتاح لايتلاءم مع الإمكانيات المتوفرة لذلك يقول الدكتور زريق غلم يعد باستطاعة الطالب أو المشتغل بالعلم والثقافة أن يصرف من الجهد والوقت في إتقان اللغة ماكان يصرفه أسلافهف8 ‏

وان لم يصرح علانية بالعوائق فيما سيأتي لكن مايقوله عن الانكليزية ينبئ بما أراد ألا يبوح به غوقد يكون من أسباب انتشار الانكليزية مرونة قواعدها وسهولة تعلمها ومدى تجاوبها مع حيوية الشعوب الناطقة بهاف9 ‏

ب ـ تقصير السلطات التربوية العربية في تدريب معلمي اللغة، فهم جوهر المعادلة التربوية، وهذا مازين للبعض اهمال التحصيل والمتابعة، وتبرير ذلك بصعوبات الحياة، وتأمين مستلزماتها، وقد عقدوا المسألة وحالوا دون الارتقاء بالفكر والنهضة الاجتماعية، وقد أصاب بقوله: غالمشكلة الأصيلة ليست في تخلف اللغة، بل في تخلف أصحابهاف 10 ‏

وكان الأديب نجيب محفوظ جريئاً وعجيباً، إذ وجد فكرة التعريب عديمة الجدوى، ولابد من إثراء لغتنا بالأسماء العالمية مع ترك تثنيتها وجمعها للسليقة، كما وجد اللغة غير مسعفة له دائماً!. ‏

وتطلق الدكتورة بثينة شعبان صرخة تحذير محكومة بالأمل وهي مثقفة تخصصت باللغة الإنكليزية، مايجعلها مدركة للمخاطر المتربصة بالعروبة لغة ومستقبلاً وهوية ووجوداً وفي مقالة نشرتها صحيفة تشرين بعنوان: (الانتصار ممكن جداً) ‏

5 / 6 / 2006 العدد ( 9579) مشيرة الى محاولات الانتقاص من مكانة اللغة العربية وتراجع دورها إثر تقصير الجميع وعدم التعامل الجاد في مواجهة عولمة كاسحة تشدنا الى مركز إعصارها هاتفة:غ ركزوا على تعليم أبنائكم العربية لغة القرآن الكريم والشعر العربيف لذلك لابد من استنفار الإمكانيات وتحميل العاملين المسؤوليات ووضع مناهج جديدة ذات أساليب جاذبة ومشوقة والابتعاد عن السرعة والارتجال. ‏

وهكذا تتجلى مآزق اللغة بتعقيداتها التي كلما ابتعد الدارس عنها وجد نفسه مرتداً الى نقطة عصفها ما يجعل تجديد الإرباكات مستمراً، إذ لابد من المصالحة والتهدئة في مفاعيل التغيير والتعامل مع المستجدات ريثما يتحقق إلغاء قضايا التأثير الفعال ثم الانطلاق للمباشرة مع الجزئيات الصغيرة التي يكون التعامل معها أكثر يسراً وسهولة وحتى يكون دفاعنا ناجحاً علينا الإلمام بأدوات الموضوع المرتكزة على هوى يتماهى مع منظومة المادة، مقتبساً النور من جذوة اللغة التي صاغت الوجود والآمال والهوية والقداسات ووقفت بكبرياء في وجه محاولات الإقصاء والاستعلاء والتجني والتحوير عبر الأزمنة فعوامل الانتصار في البنية والجوهر لكن لابد من أنصار يرفعون راياتها تحت ظلال المعرفة والهداية والخلود والهوية وقد امتلكوا الأدوات الفاعلة وبمهارات متقدمة حتى لايصير النجاح فشلاً فلكي تكون قادراً على الانتاج المعرفي والفعل الإضافي لابد من استبدال آليات التعامل إذ ليس وارداً مجابهة المتغيرات بأدوات قديمة وإلا وقع الباحث في شرك الأصوليات التي تنشغل في ظل تطلع العولمة الى الإلغاء بالدفاع عن قناعات تحتاج الى تفكيك بنيتها حتى تقتدر على مواجهة الحداثة الثقافية والاحتيالات التي تترصد الفرص للإجهاز على لغة صاغت وجدان أمة قدمت للإنسانية الأبجدية الأولى وقفزات حضارية ونتاجاً معرفياً متألقاً وشعراً يرقى بالنفس الإنسانية سمواً إشراقياً ومقدرة على الربط بين العلوم وقابلية لاستجابات الترجمة التي تعيد التشكيل الإبداعي بانتصار على التباساتها إذا تهيأ لها مترجم قدير يستطيع بالاجتهاد أن يجعل اللغة تفتح له بوابات الجمال وتقدم أسرار الدلالات وقدرة الاشتقاق على أنغام الإيقاعات البديعة التي تميز لغتنا العربية adnanchahine@mail.sy ‏

الهوامش: ‏

1 ">الجميلة. ‏

adnanchahine@mail.sy ‏

الهوامش: ‏

1 ـ د.احسان النص/اللغة العربية أيضاً/ صحيفة تشرين/ 21/3/2008 العدد / 7656 / ‏

2 ـ المصدر السابق ‏

3 ـ د.احسان النص/ دفاعاً عن العربية/ صحيفة تشرين/ 2006/4/17 / العدد / 9539 / ‏

4 ـ فتاوى كبار الكتاب والأدباء/ وزارة الثقافة ـ دمشق/ الطبعة الثانية 2003 / ص 15 ‏

5 ـ المصدر السابق/ ص 30 ‏

6 ـ المصدر السابق / ص 37 ‏

7 ـ المصدر السابق/ ص 187 ‏

8 ـ 9 ـ المصدر السابق / ص 188 ‏

10 ـ المصدر السابق / ص 193 ‏

تشرين

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية