للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الانتشار والمشكلات والتعزيز - 1

د. يوسف بكار

 موضوع البحث واسع وطويل كدت أقصره على دولة إسلاميّة واحدة من ذوات الصّدارة في الاهتمام باللّغة العربيّة وآدابها وعلومها كافة نموذجًا للنجاحات وبعض المشكلات، لأنّ كلّ دولة إسلاميّة حقيقة بأن يفرد لها بحث أو بحوث أو كتاب وحدَها. بيد أنّني، بأخَرَة، توكّلت على االله تعالى وعقدت العزم على أن أتناول الموضوع كلّه مكثّفًا تقديرًا لها جميعًا على عنايتها، التي تكاد تكون واحدة، بشيء من التفاوت، لما فيها من قواسم مشتركة؛ دون أن يغرب عن البال اهتمام مسلمي الهند والفلبين كذلك. (2) اللّغة العربيّة في الوقت الحاضر، في تقدير يعود إلى ثلاث سنوات فائتة، لغةُ ما يزيد على ألف وأربعمئة واثنين وعشرين (1422 (مليونًا من العرب والمسلمين، واللّغة المقدّسة لما يربو على مليارٍ ونصف المليار مسلم في أنحاء المعمورة شتى، واللّغة الأُم في الوطن العربي أي لغة نحو مئة وعشرين (120 (مليونًا، والثانية في العالم الإسلامي، وثالث لغات العالم الإسلامي مناطقَ وانتشارًا، وإحدى اللّغات الستّ في الأمم المتّحدة وفْقًا لقرار الجمعيّة العامة رقم (3190 – الدورة 28 ،18 كانون الأول 1973) (1 .(وقد حدّدت منظمة اليونسكو يوم 18 كانون الأول من كلّ عام «اليوم العالمي للّغة العربيّة»، وقالت «إيرنيا بوكوفا» المديرة العامّة لليونسكو في ما قالت بهذه المناسبة «يمثّل اليوم العالمي للّغة العربيّة مناسبة للاعتراف بالمساهمة الهائلة للّغة العربيّة في الثقافة العالميّة ولتجديد تمسكنا بالتعدّد اللغوي؛ فالتنوع اللّغوي جزء أساسي من التنوع الثقافي، إذ يعكس غنى الوجود الإنساني، ويتيح لنا الانتفاع بموارد غير محدودة لنتحاور ونتعلّم ونتطوّر ونعيش بسلام». و»تكتنز اللّغة العربيّة ثقافة إسلاميّة ألفيّة، وتحمل في طيّاتها أصوات الشّعراء والفلاسفة والعلماء الذين سخّروا قوّة هذه اللّغة وجمالياتها لخدمة الإنسانيّة، ومنهم العالم الكبير ابن سينا». (3) ثمّة معلومات عن إقبالٍ شديد على تعلّم اللّغة العربيّة في الخارج الإسلامي وغير الإسلامي لأسباب شتّى. ففي سنغافورة جُعل عدد من الأطباء ورجال الأعمال والممرضات وربّات البيوت والباعة في المحال التجاريّة، وطلبة المدارس الإسلاميّة المنحدرون من أصول ماليزيّة وصينيّة في الأغلب، يتجهون إلى تعلّم اللّغة العربيّة (2.( وفي الولايات المتحدة، أعلنت وزيرة التربيّة الأميركيّة «مارغريت سبلنغ» أن بلادها اعتمدت مئة وأربعة عشر (114 (مليون دولار لتعليم اللّغات العربيّة والفارسيّة والصينيّة في المدارس الأميركيّة بحجة أن «الصّين ودول الشّرق الأوسط أصبحت سوقًا أميركيّة جديدة لتبادل المنتجات والأفكار»، وأن «نريد أن نتعلّم لغات الآخرين، لأنّنا نريد أن نقول لهم: نحن نهتمّ بكم». أما «توم ديفز»، أحد أعضاء الكونغرس الأميركي، فقال: «نعيش في اقتصاد عالميّ، ولذا صار كلّ ما يحدث في الصّين أو في الشّرق الأوسط لا يقلّ أهميّة عمّا يحدث هنا في الولايات المتّحدة. ولذا نريد من تلاميذنا أن يتعلّموا لغات تلك البلاد حتّى يقدروا على منافسة الآخرين» (3.( وقد سررت جدًّا لما شاهدته ليلة 2013/11/26 في برنامج «أنا الشّاهد» على تلفزيون (C.B.B (العربيّ من اهتمام الجاليات العربيّة والإسلاميّة والأجنبيّة بتعليم أبنائهم اللّغة العربيّة، وحماستهم الشّديدة لها. وأظهرت دراسة للمجلس الثقافي البريطاني(4 (أن اللّغة العربيّة أهمّ من الفرنسيّة للتعلّم عند الطلبة في المدارس الإنجليزيّة، وذكرت أنّ أهميّة تعلّمها برزت بعد ظهور ستة بلدان ناطقة بالعربيّة بين أكبر أسواق التّصدير للمملكة المتّحدة، وتدرّ سنويًّا أكثر من اثني عشر (12( مليار جنيه إسترليني، وأنّ العربيّة أصبحت واحدة من اللّغات ذات الأولويّة لوزارة الخارجيّة البريطانيّة، التي تخطّط لزيادة عدد دبلوماسييها الناطقين بالعربيّة إلى 40 بالمئة لأنّ عدد من يتحدثون بها من البريطانيين لا يزيد على 2 بالمئة. (4) د.عبد الوهّاب عزّام (1894-1959 ،(رحمه االله، تلميذ طه حسين وزميله في الجامعة المصريّة وصديقه، من بَعْدُ، كان يعرف الفارسيّة التي تَخصّص فيها، والتركيّة والأرديّة، فضلًا عن الإنجليزيّة والفرنسيّة. وكان عضوًا في المجامع العلميّة واللّغويّة في مصر وسوريّة والعراق وإيران، وسفير لمصر في باكستان والسعوديّة. أنشأ معهد اللّغات الشرقيّة بجامعة القاهرة عام 1944)5 ،(وكان أوّل من درّس الفارسيّة والتركيّة وآدابها في مصر، واهتم بهما وباللّغات الإسلاميّة الأخرى وصلاتها جميعًا باللّغة العربيّة وآدابها بمدّها الكثير وجَزْرها القليل اهتمامًا لم يجارِه فيه أحد منذ أقدم العصور حتّى وفاته عام 1959 .وخلّف في هذا آثارًا كثيرة كتبًا وتحقيقات وترجمات وبحوثًا ومقالات تتبعتُها في كتاب يصدر قريبًا بحول االله عنوانه «ريادات منسيّة في الأدب العربي المقارن»، سهمته فيه هي الأكثر. وقد نسختُ فيه الشائع المتّداول بأنّ الريادة العربيّة في الأدب المقارن كانت شرقيّة غربيّة، وأثبَتُّ بالدليل العلمي القاطع أنّها كانت شرقيّة شرقيّة إسلاميّة رائدُها الأول أمين الرّيحاني (1876-1940 (بمقارنته عام 1903 بين عمر الخيّام وأبي العلاء المعريّ بعد أن ترجم «رباعيّات أبي العلاء» (LAla Abu of Guatrains (إلى الإنجليزيّة. وأردفت الكتاب بآخر عنوانه «الدّراسات العربيّة المقارنة في اللّغات الشرقيّة وآدابها: ببليوغرافيا» أحصيت فيه أربعمئة وستًّا وثلاثين (436 (مادّة من كتب وبحوث ومقالات؛ وآمل أن يصدر قريبًا أيضًا بعون االله. بحسب هذا العالم الغيور على العربيّة واللّغات الإسلاميّة ما قال طه حسين(6» :(وبفضل عبد الوهّاب عزّام أخذنا نعرف أدب الفرس، ونعرف عن آثارهم وأمورهم شيئًا غير قليل»، وما قال عبّاس العقّاد(7» :(كان سفيرًا بين مصر والشّرق بعلمه قبل أن يكون سفيرًا لهما بعمله»، وما قال عبد المنعم خلّاف(8» :(جمع االله في لسانه ألسنة العرب والفرس والترك والهند أعظم أُمم الحضارة الإسلاميّة». (5) لعبد الوهّاب عزّام مقولة مهمّة، هي: «الثقافة الإسلاميّة لم تنهض على العربيّة وحدَها، إنّما على الفارسيّة والتركيّة أيضًا. فمن يرغب أن يلمّ بهذه الثّقافة إلمامًا صحيحًا عليه أن يقرأ ما كُتب عنها في اللّغات الثلاث».  ليس ثمّة من حاجة إلى أن أعود إلى مكانة العربيّة وأهميتها قديمًا عند المسلمين من غير العرب، فقد كفانا عبد الوهّاب عزّام هذه المؤونة. ومن الجليّ أن الأمم الإسلاميّة الآن تتبنّى هذه المقولة أكثر منّا نحن العرب المتهاونين في حقّ لغتنا، وما أكثر الشواهد على هذا في الوطن العربيّ كلّه. المسلمون في الدّول الإسلاميّة يعتزّون بالعربيّة ويقدّرونها حقّ قدرها، لأنّها كانت لغة الدّين والعلم ولغة المسلمين كافة تَخذها مسلمو العرب والعجم لغة علم وأدب دهرًا طويلًا. فليس مبالغة أن يقالْ إنّها تقود الآن ما يمكن أن أدعوه حركة «استعراب إسلاميّة» بعد أن ولّى عهد «الاستشراق» أو يكاد. (6) يذكر عبد الوهّاب عزّام أيام كان سفيرًا لمصر في باكستان عام 1950 أنّ نائبًا بنغاليًّا زاره وحدّثه في شأن أن تكون العربيّة لسانًا رسميًّا لدولة باكستان، وسلّمه صفحات يشرح فيها رأيه وحجّته كان تقدمّ بها إلى مجلس النوّاب الباكستاني إسهامًا منه في حلّ الخلاف السائد حينئذٍ في أن تكون لغة باكستان البنغاليّة أو الأرديّة أو العربيّة لغة القرآن الكريم. وسأل عزّام نفسه: أيمكن أن تكون العربيّة لسان الدّولة في باكستان؟ فأجاب بنعم، حجّته: «كانت العربيّة لسان الدّولة المسيطرة على الأقطار الإسلاميّة كلّها، ثمّ صارت لسان الدّول التي نشأت في أطراف العالم الإسلامي في بلاد غير عربيّة، وكانت لسان العلم في كلّ البلاد الإسلاميّة أعصرًا طويلة. ثمّ هذه اللّغات الإسلاميّة غير العربيّة مكتوبة بالحروف العربيّة وفيها آلاف الكلمات العربيّة، بل الكلمات العربيّة تَكْثُر غيرَها في كثير من الموضوعات؛ وكلّ اصطلاحات العلوم والآداب عربيّة. فهؤلاء المسلمون حين يشرعون في تعلّم العربيّة يجدون أنفسهم عارفين نصف اللّغة». غير أنّه احترز، فقال: «ولست أزعم أن العربيّة تكون لغة العامّة في كلّ البلاد الإسلاميّة... ولكن تكون لغة التّعليم العالي والدواوين، كما أنّ الإنجليزيّة الآن (في وقته) لغة التعليم العالي ولغة الدّواوين وكثير من الصّحف في باكستان والهند، وكما أن الأرديّة تُعدّ لغة للحكومة والعلم في باكستان»(9.( المهم أنّ العربيّة تحظى بمكانة خاصّة لدى الشّعب الباكستاني، لارتباطها الوثيق بالثّقافة الإسلاميّة، وكثير من الكلمات العربيّة في اللّغات المحليّة من أُورديّة وسنديّة وبنجابيّة. وتُعزى قوة اندفاعه لتعلمها إلى عمق العاطفة الدينيّة التي كانت وراء قيام دولة باكستان على أساس دينيّ. بيد أنّ انتشارها الواسع لم يقف عند الرّغبة الذاتيّة والعاطفة الدينيّة، إنّما شمل التّوجه الحكومي ولاسيّما في عهد الرئيس (الرّاحل) ضياء الحق، الذي أمر عام 1978 بتدريس العربيّة مادة أساسيّة في المدارس الحكوميّة في ثلاث مراحل من الصّف السادس إلى الثّامن، وتأسيس أقسام لتدريس العربيّة في معظم الجامعات الحكوميّة. لقد كان لإنشاء الجامعة الإسلاميّة العالميّة في «إسلام آباد»، بتمويل عربي، في أوائل الثمانينات، الأثر الأكبر في نشر العربيّة التي تعتمدها في عدد من التخصّصات، فضلًا عن دور المدارس الدينيّة التي يزيد عدد طلبتها على عشرين (20 (ألفًا؛ ودور المؤسسات العربيّة في السّنوات العشرين الأخيرة في إنشاء معاهد لتدريس العربيّة وتوفير المدّرسين العرب، وابتعاث مئات الطّلبة لمواصلة دراستهم في الدّول العربيّة، وإقامة دورات اللّغة في أرجاء البلاد كافة؛ ودور مدارس الأيتام التي اعتمدت فيها مناهج عربيّة ويزيد عدد طلبتها على ثلاثين (30 (ألفًا (10.( (7) فأمّا أفغانستان، فعلى الرّغم من أن العربيّة راحت تتلاشى فيها بعد أن دخلها المغول وحرّموا استعمالها، وأن الاستعمار الإنجليزي أبعدها عن الحياة التعليميّة والثّقافيّة، إلّا أنها ظلّت تستمد قوّتها من العقيدة الإسلاميّة التي جعلتها مقدّسة. اللافت أن العربيّة من اللّغات التي يتكلم بها بعض الأفغان إلى اليوم، فثمّة قبائل ذات أُصول عربيّة في شمالي أفغانستان استطاعت أن تحافظ على لغتها وثقافتها العربيّة، وتعدّ العربيّة لغتها الأُولى. إن أمر العربيّة وآدابها وعلومها لا يخفى على أحد في «لاهور» و»حيدر آباد»، فهما مركزان مهمّان للدراسات الإسلاميّة العربيّة واقتناء المخطوطات وتحقيقها ونشرها. وكذا الأمر في جامعات «البنجاب» و»االله آباد» وغيرهما، فهي تدرّس العربيّة وآدابها وعلومها وتمنح الدرجات العلميّة المختلفة. فمن مؤسسات تعليم العربيّة في باكستان «مؤسسة المسجد» وهي أعظمها على مرّ العصور، والمدارس الأهليّة التي تتّخذ من المسجد مقرًّا لها، وهي كثيرة. فأمّا مؤسسات التعليم الرّسميّة على مدار القرن العشرين، فهي: كلية الشّريعة بجامعة كابل، وقسم اللّغة العربيّة بكلية الآداب فيها، والمؤسسات الثلاث في مدينة «بشاور»: الجامعة الإسلاميّة، والمعهد الشرعي العالي لإعداد المعلمين التابع لجمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتيّة، ومعهد الإمام أبي حنيفة التابع لرابطة العالم الإسلامي، وستّ مدارس أخرى بشمالي البلاد وشرقيّها ومحافظة هراة (11.( من محامد الأفغان التعليميّة أنهم كالترك مثلاً، في ما هو آتٍ، يفيدون من الخبرات العربيّة وتجاربها ويستعينون بها في وضع مفردات تدريس اللّغة العربيّة. وقد ساهمتُ شخصيًّا بوضع مفردات اللّغة العربيّة للصفوف المتوسطة في أفغانستان، التي كُلّفت بها مؤسسة «العبيكان» بعمّان (نيسان 2006 (برعاية منظّمة اليونسكو وإشراف هيئات تعليميّة أفغانيّة. (8) أمّا الهند في الوقت الحاضر، فتدرّس العربيّة في المدارس الحكوميّة والجامعات لنيل الإجازات العلميّة وَفْقًا لمناهج الأزهر(12.( حماسة مسلمي الهند للعربيّة شديدة، وعنايتهم بها كبيرة. من أدلّة هذا ندوة «تأثيرات التغيرات الاجتماعيّة في الأدب العربي المعاصر» التي عُقدت باللّغة العربيّة في «كيرالا» بولاية «مانباد» (21-1985/12/24 ،(والتي شاركت فيها ممثّلًا لجامعة قطر، حيث كنت أقضي سنة تفرغي العلميّ الأولى، ببحث عنوانه («الجنين الشّهيد» ومصرع بلبل»(13 (وآثار التّغير الاجتماعي في الشّعر العربي المعاصر: دراسة في المضمون والتشكيل الفني)، الذي أضحى كتاب «من بوادر التّجديد في شعرنا المعاصر»(14.( إن اهتمام مسلمي الهند في العصر الحديث معروف. ففي جامعة «عليـكـَرة الإسلاميّة» قسمٌ للّغة العربيّة يمنح البكالوريوس والماجستير والدكتوراه؛ وقد تخرّج فيه بالدكتوراه -في ما أعلم- أعداد من الهنود، وأعداد ليست قليلة من الدّول الإسلاميّة كإيران مثلًا، ومن الدول العربيّة والأردن فيها. وفي عليـكـَرة مجمع علمي، أنا عضو مراسل فيه مذ عام 1983 ،يصدر حوليّة باللّغة العربيّة هي «مجلة المجمع العلمي الهندي»، ويُعنى بتحقيق كتب موروثنا العربي ونشره. وقد تزامن بعض ما حقّقوه مع ما حقّقه المستشرقون، إلّا أنّهم سبقونا إلى خطّ الحرير هذا في التحقيق. وليست ببعيدة أسماء أمثال عبد العزيز الميمني الراجكوتي، والدكاترة: محمد يوسف ومختار الدين أحمد، والسّيد أحمد، وعبد العليم. وكلّهم يكتبون بالعربيّة أيضًا. ثمّة كتاب مهم عنوانه «الآداب العربيّة في شبه القارة الهنديّة»(15 (لمؤلفه الهندي الدكتور زبيد أحمد، كان رسالته للدكتوراه من جامعة لندن عام 1929 ،وعنوانها (Literature Arabic to India of contribution The ،(لكنّه عدّل فيه وأضاف إليه بعد أن عاد إلى بلاده وعُيّن في جامعة «االله آباد». طُبع أوّل مرّة بالإنجليزيّة في «جالفير» بالهند عام 1946 بمقدمة للمستشرق الإنجليزي «كـَب» (Gibb ،«(وثانية عام 1967 بلاهور. يتناول الكتاب إسهام الهند في الآداب العربيّة منذ القِدم حتّى سقوط دولة المغول عام 1857 واستيلاء الإنجليز رسميًّا على مقاليد السُّلطة في شبه القارّة الهنديّة. الكتاب جزءان: الأوّل يؤرّخ للاتصال والتأثير الفكري واللّغوي بين العرب والهند منذ القِدم؛ والآخِر إحصاء عام للكتب والمخطوطات العربيّة التي أنتجتها الهند في العلوم المختلفة. ترجم الكتاب إلى العربيّة الدكتور عبد المقصود محمد شلقامي (من مصر)، الذي عمل أستاذًا أربع سنوات بجامعة «البنجاب» لقوله: «كنت أنتهز الفرصة لأجوب أرجاء شبه القارّة الهنديّة، فعايشت هذا التراث(16 (عن كثب؛ وتألّمت كثيرًا أنْ لم تَعْرِف مخطوطاته طريقها إلى المطابع، ولا أعلم في العربيّة كتابًا واحدًا تناول هذا التراث بالبحث والدراسة». ودرس المترجم نفسه «شعر غلام علي آزاد البلكرامى في العربيّة» الشاعر الهندي مولدًا ونشأةً ووفاةً. (9) وأمّا تركيا، فكان ما فعله «الكماليّون» في ما سميّ «النّهضة التركيّة الأخيرة» باللّغة العربيّة أن لحقوا بأوروبا، واستبدلوا الحروف اللاتينيّة بالحروف العربيّة والخطّ العربي، وقرّروا أن يُرفع «الأذان» بالتركيّة وإن عادوا عنه إلى العربيّة(17 ،(ولجأوا إلى «التّتريك» فجعلوا يحلّون الألفاظ التركيّة والأجنبيّة مكان الألفاظ العربيّة. ولقد استنكر بعض بني جلدتهم التّحول عن الكتابة العربيّة، فكتب الكاتب التركي «بيامي صفا» مقالًا في صحيفة «الجمهوريّة التّركيّة» عام 1940 ترجمه عبد الوهّاب عزّام إلى العربيّة(18 ،(منه: «إنّ محالًا على الناشئ التّركي، الذي لا يعرف الحروف العربيّة، أن يتعمّق تاريخ التّرك وآداب التّر... هذا الشّاب لا يستطيع أن يقرأ (نعيما) و(البجوي) و(جودت باشا)(19 ،(ولا يستطيع كذلك أن يقرأ المخطوطات ولا النّقوش على الأحجار، ولا يستطيع أن يقرأ كتابًا واحدًا من خمسة وأربعين (45 (ألف كتاب مطبوع.. ولن يقف كثيرًا على أثرٍ أو شخص في تاريخ الآداب المعاصرة من ضيا باشا إلى عبد الحقّ حامد... مهما تكن سنّه (الشّاب) لا بدّ من أن يتعلّم مع الحروف اللاتينيّة الحروف العربيّة بصفةٍ خاصّة. تلكم هي الوسيلة الوحيدة، وذلكم رأيي». وكان عبد الوهّاب عزّام قد سبقه، فقال(20» :(والتّركيّة العثمانيّة التي اختيرت لها الحروف اللاتينيّة أخيرًا لم تعْرف في تاريخها غير الحروف العربيّة، ولم تُدوّن إلّا في ظلّ الحضارة الإسلاميّة بعد سبعة قرون من الهجرة»، وقال: «ففي الأدب التّركي القديم ما هو جدير بالرّعاية. وقد افتنّ التّرك في تجويد الخط حتّى صاروا أئمة فيه، وصار لهم من آياته ما يجدر بكلّ أُمّة أن تَحْرَص عليه. مسألة الحروف اللاتينيّة ليست، فيما أرى، ضرورة أو إصلاحًا؛ ولكنّها فتنة من فتن تقليد أوروبا». فأمّا «التّتريك»، فقال عنه (21» :(زعموا أنّهم يريدون إنقاء اللّغة التّركيّة من الكلمات الدّخيلة. فما بالهم يخرجون كلمة عربيّة ليضعوا مكانها كلمة أوربيّة؟ كانوا يسمّون معهد الأبحاث التركيّة (تركيات مؤسسه سى) فمحوها وكتبوا (تركيّات أنستيتوسى). فلماذا آثروا كلمة Institu على مؤسسة، وهي كلمة هم واضعوها في العربيّة وعنهم أخذها العرب؟.. وكانوا يسمّون الجامعة (دار الفنون) فسمّوها Université.«! ذلك ما كان، فأمّا الآن ففي تركيا طفرة في تعليم اللّغة العربيّة، وفيها من يحبّونها ويحنّون إلى حروفها والكتابة بها. وقد أدركتُ هذا بنفسي صيف عام 1984 حين أوفدتنا (الدكتور إبراهيم السّعافين وأنا) جامعةُ اليرموك إلى تركيا، عملًا باتفاقيّة علميّة آنذاك، لإعادة النّظر في برامج اللّغة العربيّة للبكالوريوس والدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) في الجامعات التركيّة ووضع برامج جديدة. فلقد دهشنا كثيرًا إذ وجدنا في استقبالنا في مطار أنقرة الدكتور إحسان دوغرامجي نفسه رئيس مجلس التعليم العالي آنذاك وعشرة رؤوساء جامعات. ولما زرنا المكتبة السُّليمانيّة في استنبول أشعرنا عدد من مسؤوليها بحزنهم الشّديد على الكتابة بالحروف العربيّة وشوقهم العارم إليها. لقد شهدت تركيا، وما زالت، في الأعوام الأخيرة كما يروي الدكتور محمود قدوم محرّر كتاب «اللّغة العربيّة في تركيا»(22 (صحوة علميّة هائلة وازدهارًا منقطع النّظير في تعلّم اللّغة العربيّة وتعليمها في أقسام اللّغة العربيّة في كليّات الآداب والتربيّة، وكليّات التّرجمة، وكليّات الإلهيات والعلوم الإسلاميّة، وثانويّات الأئمة والخطباء، والمراكز، والأكاديميّات، بحيث ازداد عدد الطلبة الرّاغبين في دراسة العربيّة، وكثرت البعثات لدراستها في أوطانها، وازداد الإقبال عليها لغايات تجاريّة واقتصاديّة. ناهيك بأنّ وزير التّعليم قرّر تخصيص سنة تحضيريّة كاملة في كليّات الإلهيّات لمهارات العربيّة من استماع ومكالمة وقراءة وكتابة، وأن تدرّس العربيّة في المرحلة المتوسطة (الصّفوف من الخامس إلى الثّامن)، وفي مدارس الأئمة والخطباء. الكتاب المذكور من إصدارات «مركز الملك عبد االله بن عبد العزيز الدّولي لخدمة اللّغة العربيّة» في الرّياض. وهو يضمّ مشاركات خمسة عشر (15 (أكاديميًّا بارزًا في تعليم العربيّة في تركيا في أربعة محاور: علاقة اللّغة العربيّة باللّغة التركيّة، والعربيّة في التّعليم العام في تركيّا، والعربيّة في التّعليم العالي في تركيا، والتّرجمة من العربيّة إلى التّركيّة. وأصدر المركز نفسه، كذلك، كتاب «رسائل الماجستير والدكتوراه في اللّغة العربيّة في تركيا من 1956 حتّى 2016.« الهوامش (1 (ميساء أبو شنب: عالميّة اللّغة العربيّة ودورها، مجلة العربي – الكويت. العدد 665 ،نيسان 2014 .ص17؛ وغيداء حمودة: العالم يحتفل بِـ «اليوم العالمي للّغة العربيّة». صحيفة الغد، عمّان. الخميس 19 كانون الأول 2013 .مع اختلافات في الأرقام. (2 (صحيفة الدستور الأردنيّة، عمّان 2006/10/13 ،ص12. (3 (صحيفة الشرق الأوسط، المنتدى الثقافي 2006/10/11 ،ص4. (4 (صحيفة الدّستور، عمّان 2013/11/20 ،ص40 .وراجع أيضًا: اللّغة العربيّة أكثر انتشارًا وأهميّة من الفرنسيّة في بريطانيا. جريدة الدستور، عمّان .8ص، 28/11/2013 (5 (نعمات أحمد فؤاد: قمم أدبيّة، ص235 .عالم الكتب، القاهرة (د.ت). (6 (المرحوم الدكتور عبد الوهّاب عزّام. مجلة مجمع اللّغة العربيّة، القاهرة. ج14 ،1962 .ص343. (7 (مقدمة ترجمة «فصول من المثنوي» لعبد الوهّاب عزّام، ص2 .لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1964. (8 (نعمات فؤاد: قمم أدبيّة، ص241. (9 (الشوارد أو خطرات عام، ص232 .مطبعة العرب، كراتشي، باكستان 1953. .http:/articles.islamweb :راجع) 10) (راجع: (12 (راجع: (13 (قصيدتان: الأولى لخليل مطران، والأُخرى لإبراهيم طوقان. (14 (طبع مرتين: الأولى بوزارة الثقافة والإعلام، بغداد 1990 ،والأُخرى بدار المناهل، بيروت 1995. (15 (وزارة الثقافة والفنون، بغداد 1978 .وترجم الكتاب عينه شاهد حسين رزاقي إلى اللّغة الأرديّة. دار الثقافة الإسلاميّة، لاهور 1973. (16 (أيّ كلّ كتاب عربي ألّفه هندي، أو من يمتّ إلى الهند بسبب من أصل أو سكن. (17 (راجع: مقال «الأذان بين التركيّة والعربيّة» لعبد الوهّاب عزّام في: الشوارد أو خطرات عام، ص89. (18 (ما يُعاني التّرك من تغيير الكتابة. مجلة الثّقافة. لجنة التأليف والتّرجمة والنّشر، القاهرة. السَّنة 6 .العدد 288 ،1944 .ص8-9. (19 (ثلاثة من كبار مؤرخي التّرك. (20 (راجع مقاله: النّهضة التّركيّة الأخيرة – الحلقة الرّابعة. مجلّة الرّسالة. السّنة 3 ،العدد 106 .15 تموز 1935 .ص1135-1174. (21 (النهضة التّركيّة الأخيرة – الحلقة الخامسة. مجلّة الرّسالة. السّنة 3 ،العدد 107 .22 تموز 1935 .ص1173-1174. (22 (جريدة الدّستور الأردنيّة، عمّان 2016/12/5 .ص14 ،و: .. إقرأ أيضاً http://www.bahiransari.com http://mohiaddinalwaye.com http://algad.com/articles/978532

الرأي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية