للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

التونسي المنجي بوسنينة... رائد العمل العربي المشترك - 1

د. فهد سالم الراشد

 

هو الأستاذ الدكتور المنجي بوسنينة، المدير العام- سابقا- للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو). وكان سفيرا لتونس سابقا، ووزيرا للثقافة والمحافظة على التراث في تونس سابقا.

في 24 ديسمبر 2007، مساء حطّت قدماي أرض تونس الخضراء، هكذا نطلق عليها في الكويت دائما فهي خضراء الأرض وخضراء القلب، جئت معارا من وزارة التربية ووزارة التعليم العالي في دولة الكويت، للعمل في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بوظيفة رئيس قسم تنمية الثقافة العربية ونشر اللغة العربية، تخصصي ثان بإدارة الثقافة، باشرت عملي في 25 ديسمبر 2007، فهو أول يوم عمل لي في المنظمة، ونظرا لسفر المدير العام لمهمة رسمية خارج تونس، لم يتسن لي شرف مقابلته، وما إن عاد من مهمته تلك حتى طلبني لمقابلته.

استقبلني عند باب المكتب بحفاوة وابتسامة الرجل المضيف رحب بي وقال لي: «أنت لست ضيفا؛ بل أنت ابن البلد وتونس بلدك الثاني». بهذه الكلمات الرقيقة الشفافة عرفت قدر التحنان الذي يحمله هذا الرجل في قلبه، أسند لي شرف تمثيل المنظمة نيابة عنه في افتتاح الاجتماع العشرين للمجمع العربي للموسيقى (جامعة الدول العربية) وحفل استلام هبة قيّمة من السيد عزّالدين ببّو، تتمثل في كتب ثمينة ونادرة حول علم الأديان يفوق عددها 3000 نسخة، للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، و حضور جلسة الافتتاح للندوة العربية التي يقيمها اتحاد الكتاب التونسيين بعنوان «منزلة الترجمة في الثقافة العربية: الواقع والرهانات» المنعقدة بالتوازي مع اجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب فكم كان جميلا هذا الاحتواء من لدنه، وكم كنت سعيدا عندما أسند لي رصد إنجازاته منذ توليه إدارة المنظمة في فبراير 2001 إلى فبراير 2009، على مستوى إدارة الثقافة، وكم كنت حزينا لانتهاء مدة خدمته؛ ولكن هي سنة الكون، فلسنا ممن يبحث عن سلبيات الخارج التي قد تكون قطرة في محيط إيجابياته؛ لئن خرج الدكتور المنجي بوسنينة من المنظمة التي أعطاها من عمره زهاء ثماني سنوات؛ فهو باق في قلوبنا ومن يأتي بعده هو خير خلف لخير سلف وتلكم سنة الحياة.

من منطلق عبارة الفيلسوف الفرنسي فولتير الشهيرة: «لا أوافق على ما تقول ولكن سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول»، يعرّف بوسنينة في كتابه «مدارات-2001» مفهوم الحوار وأدبه قائلا: «الحوار بين البشر ليس مفهوما جديدا ولا مبدأ مستحدثا، بل فكرة و وسيلة لطالما استخدمت في مختلف مراحل التاريخ البشري وبدرجات متفاوتة من الوعي والتجسيم، فاتخذ أشكال المعاهدات والاتفاقيات وتجسّد في مختلف مظاهر التعاون والتواصل بين الشعوب والحضارات» أ.هـ،

كيف لا والله سبحانه وتعالى حاور ملائكته المسيرين، وأعطاهم الحق بالأخذ والرد حتى أقنعهم في قوله تعالى:«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»، البقرة: 30 ورد الملائكة عليه عز وجل في قول الله تعالى «... أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء...» البقرة: 30، في هذا الرد ترك الله عز وجل للملائكة مساحة للحوار وحرية إبداء الرأي، وهم المسيرون؛ فما بالك بالإنسان المخير في تصرفاته وأعماله.

لقد «زار الإمام الشافعي مدينة بغداد، وأحب أن يصلي الفجر في مسجد الإمام أبي حنيفة... وحين أقيمت الصلاة قدمه الناس للإمامة حبـًّا به واحتراما... فأمّهم... وصلى بهم... ولكنه لم يقنت في الركعة الثانية كعادته ومذهبه. وحين انتهت الصلاة تقدم أحدهم، وتجرأ على سؤاله: هل نسيت القنوت يا إمام؟ أم عدلت عنه؟ قال رضي الله عنه: لم أنس، ولم أعدل... ولكني احترمت صاحب هذا المقام العظيم الذي لم يثبت عنده قنوت الفجر،فالحوار وآدابه واحترام الرأي الآخر سمة من سمات ثقافة البشر والشعوب».

وفي الكتاب نفسه يتساءل بوسنينة وقلبه يقطر دما من لغة السلاح التي طغت على لغة العقل، ويهفو قلبه كلما سمع كلمة السلام فتراه يقول «فهل ثمة- فعلا- إرادة حوار حقيقي بين الثقافات والحضارات أي بين الشعوب والأمم والدول؟ وهل يصح القول بوجود تلك الإرادة والحال أن دوي الرصاص تئن منه الآفاق ؟ وهل لنا- في مقابل ذلك- أن نستغني عن أداة الحوار وسيلة مثلى لإحياء السلام نفسه؟» أ.هـ.

ينطلق بوسنينة من قدم راسخة في حوار الحضارات وفهم واقع الحال، وخبرة أهلته لتنبؤ أو حدس أو استشراف إلى ما سوف تؤول إليه الأمور؛ فبعد سنة 2010، اجتاحت العالم العربي موجة من الثورات العارمة بعضها في مكانه الصحيح وكثير منها أضرّت بنسيج العالم العربي وبقيم المجتمع الإسلامي، وشرّدت الشعوب وفكّـكت الأسر وولدت الأحقاد، فدبّت الكراهية والفرقة بين الأخوة والأحباب.

وبنظرة ثاقبة للطرف الآخر، يرى الدكتور بوسنينة، أن الاحتكاك باللغات ضرورة حتمية، كما يؤكد ضرورة الانفتاح على اللغات الأخرى لمواكبة التقدم ولامتطاء صهوة الحضارة، رافضا الانكفاء على الذات؛ ليضع لنا مبدأ معاصرا، حيث يقول في موقع آخر من الكتاب ذاته «وكيف السبيل إلى معرفة أنفسنا وإلى معرفة الغير، ونحن لا نولي اللغات الأجنبية العالمية ما تستحق من الاهتمام، بحيث نحرم أنفسنا من الإطلاع على حضارات غيرنا وآدابه وقيمه، فضلا عن مسايرة إنتاجات الفكر الإنساني الحديث؟» أ.هـ.

ويخيل إليّ في فقرة المنجي بوسنينة أعلاه، وكأنه يربط اللغة بالدين، فمثلما نقبل الأميركي المسلم والروسي المسلم وغيرهما؛ فكذلك اللغة العربية يجب أن تقبل جميع اللغات في العالم من منطلق قوله تعالى: «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» يوسف:2، وقوله تعالى: «وما أرسلناك إلا كافة للناس...» سبأ:28، كافة للناس بهذا القرآن العربي، وإذا كان الأميركي أو الروسي المسلم هو أخي في الإسلام؛ فإن اللفظة الأجنبية هي أخت اللفظة العربية بالقرآن. وإذا كان هذا الدين نزل متعصبا متشددا معسرا فظا غليظا؛ فلغته كذلك، أما إذا كان هذا الدين قد نزل بموجب قوله عز وجل: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك...» آل عمران: 159، وموجب قول الرسول الكريم «يسروا ولا تعسروا»؛ فلغته يجب أن تكون بهذه الصفات من المرونة والسلاسة واللطف واللين.
 

الراي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية