للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الاجتهاد في اللغة - 2

د. محمد سعيد حسب النبي

 

أوردنا فيما سبق أمثلة للاجتهاد في اللغة لتضييق الواسع المتمثل في الترادف والتضاد والمشترك اللغوي، وأشرنا إلى الهدف ليس الحذف وإنما التخفف منها قدر الإمكان. أما الناحية الأخرى المتمثلة في توسيع الضيق في اللغة؛ فأبوابه التعريب والاشتقاق والقياس، وكلها اتبعت في العصر العباسي، ثم كان الخطأ في التضييق على أنفسنا في استعمالها مع شدة حاجتنا إليها كما يرى أحمد أمين في كتابه فيض الخاطر؛ فقد أشار  إلى أن التعريب قد سار عليه مجمعنا اللغوي وبعض العلماء سيراً محموداً وقضوا جزءاً كبيراً من وقتهم في تعريب المصطلحات العلمية والفنية، وليس عليهم إلا أن يستمروا في طريقتهم في تعريب أدوات الصناعة وسائر أدوات الحضارة، مع توسع في المنهج الذي يسيرون عليه. أما الاشتقاق والقياس فكلاهما يتدخل في الآخر في بعض صوره، وقد ضرب أحمد أمين أمثلة على ذلك على النحو الآتي: 

(1)في صيغ الزوائد، كأفعل وفعّل وفاعل وانفعل وافتعل واستفعل..إلخ، ومعلوم المراد منها في الغالب الأعم، فيقولون إن فاعَلَ للمشاركة مثلاً، وافتعل لاتخاذ شيء كاختتم اتخذ خاتماً، واستفعل للطلب كاستغفر الله، وتفاعل لحصول شيء تدريجياً كتزايد الماء، وتواردت الأنباء..إلخ. ووجه القصور في رأي أحمد أمين أن العرب قصروا ذلك على ما سُمع، ولم يبيحوا لعلماء اللغة أن يتوسعوا في هذا الاستعمال متى احتيج إليه، وكان جارياً على أساليب اللغة، فما يمنع أن نقول: "خابرته" كما قالوا: "نابأته" والمعنى في الاثنين واحد؟ وما المانع من قول: "استلفتُّ" نظره وفيها معنى طلبت إليه أن يوجه نظره، ونحو ذلك. والمتزمتون في اللغة لا همّ لهم إلا أن يخطئوا كل ذلك لأنه لم يرد في المعاجم، والمقترح هنا أن يكون كل هذا قياسياً متى انطبق على القواعد الصرفية ودعت الحاجة إليه. 
(2) ومن البواب التي فيها خلط في اللغة العربية المذكر والمؤنث، فيؤنث المذكر ؛ فيقال: هو راوية للشعر وعلامة ونسابة، ويذكّر المؤنث فيقال: هي كاعب وناهد، وهناك ألفاظ يطلق فيها اللفظ الواحد على الذكر والأنثى من غير تغيير كقولهم: شاب أملود أي لين، وجارية أملود، وبعير ظهير، وناقة ظهير، أي قوي، وجمل ضامر وناقة ضامر أي هزيل، وهناك أسماء تحتار فيها هل هي مذكرة أم مؤنثة؟ كالدرع والرمح والرحم، فلابد من الإمعان في الكشف عليها، وقد لا تجد نصاً، وهناك ما يذكر ويؤنث على السواء، كالسلاح والصاع والسكين والدلو والسوق والعسل والروح، فيجب العمل على تسهيل الصعاب المربكة والجرأة في تنظيمها، ووضع قواعد عامة لها، ولو خالفنا فيها بعض النصوص، وقد ضرب أحمد أمين أمثلة على ذلك مثل:
أ- جواز تأنيث كل مؤنث بإلحاق تاء التأنيث به، فنقول: هي كاعبة وناهدة، وشاب أملود، وجارية أملودة، وجمل ضامر وناقة ضامرة.
ب- كل ما لم يرد فيه نص فالأنثى بالهاء (بالتاء المؤنثة) والمذكر  من غيرها، من غير توقف على نص.
ج- كل ما ليس مؤنثاً حقيقياً كأسماء الجماد إذا لم تكن فيه علامة التأنيث كالدلو والبئر والأرض والسماء والنجم يجوز تذكيره وتأنيثه، كما روى صاحب المصباح عن ابن السكيت وابن الأنباري إذ قالا: "إن العرب تجترئ على تذكير المؤنث إذا لك تكن فيه علامة التأنيث".
كذلك يجب ألا نفهم أن اللغة العربية التي نملكها هي عمل العرب في البادية وحدهم، بل إن اللغة العربية هي عمل هؤلاء مضموماً إليه عمل الأدباء والعلماء الذين عانوها وعالجوها إلى اليوم، فإذا استعملنا لفظاً أو تعبيراً لم يرد في المعاجم ووجدناه يسد حاجة من حاجاتنا استعملناه وعددناه عربياً. وهذا يقود إلى ما يعرف بغربلة الدخيل، وإدخال ما يصلح منه في المعاجم العربية كالأصيل تماماً بلا تفرقة إلا إذا وضعنا معجماً تاريخياً،وهناك اجتهادات كثيرة في هذا السياق. 
ومن الأمور الشاقة على دارس اللغة العربية وزن الفعل الثلاثي ماضيه ومضارعه من أوزان الفعل، والتي تستلزم الرجوع إلى المعاجم في بعض الصيغ، ومما يزيد الأمر صعوبة أن الفعل الواحد يكون له وزن أو وزنان إذا كان بمعنى خاص، وله وزن آخر أو وزنان إذا كان بمعنى آخر ويضطرب الباحث بين هذه النصوص، وإذا لم يضطرب فلا يستطيع إحصاءها واستيعابها والأمن من الزلل فيها.
وقد أدرك هذه الصعوبة بعض العلماء فاجتهدوا فيها اجتهاداً حسناً، ونحن أحوج ما نكون إلى هذا الاجتهاد في الوقت الحالي. ومن الأبواب التي تسبب الخلط والاضطراب أيضاً باب التعدي واللزوم، وباب العدد، والمصادر وكثرتها، وجموع التكسير وتعددها، وكلها تحتاج إلى ضبط واجتهاد. وهذا لا يكون إلا بالاعتقاد الجازم أن اللغة قادرة على النمو والتطور وتمتلك من المرونة من يؤهلها لذلك؛ فنربط القديم بالجديد، ونبني وفق ما نحن بحاجة إليه، ونبنيه على خير وجه يحقق الغرض المطلوب، ونختار في بنائه خير البناة. 
وليس من خطر في أمر ذلك الاجتهاد متى أحكم طريقه، ومتى حوفظ فيه على مقومات اللغة، وليست مقومات اللغة في ألفاظ تحذف وألفاظ تزاد، ولا في هذا الاضطراب في كثير من أبوابها، وإنما مقومات اللغة في هيئتها وبناء كلماتها وطريقة الاشتقاق منها ونحو ذلك، بل إن تنظيمها وتحديد ما اختلط فيها يرفع من شأنها ويزيد في نموهاـ ويكثر من مجيديها.
والقضية الآن: لمن يكون حق الاجتهاد في اللغة؟
والجواب يكمن في القياس على التشريع؛ بمعنى أن اللغة شأنها شأن علوم الفقه وسائر العلوم الأخرى، فكل متمكن من فرع ودارس له ومتخصص فيه ومتملك لذوق ناضج له الحق أن يقترح وينادي بنظريته التي يراها حقاً كما يرى أحمد أمين ونتفق معه في ذلك تمام الاتفاق، والمتخصصون ينظرون إلى الآراء والنظريات ويقررونها أو يرفضونها أو يعدلونها، ثم تأتي الهيئات الرسمية في التشريع لتأخذ ما تراه صحيحاً من أقوال هؤلاء العلماء، وتتخذ منها قانوناً لها، والمجامع العلمية المعترف بها من الأمة تقرر صحة النظرية العلمية أو خطأها، وتدخل في عداد العلم ما ثبتت صحته وهكذا، فكذلك الشأن في اللغة لكل كاتب وشاعر أن يستعمل من الكلمات اللغوية ما يؤدي غرضه ويعرضه على الناس ليجاروه أو  يرفضوه، والمجامع الرسمية تأخذ من هذا كله ومما يعرضه عليها أعضاؤهم باجتهادهم وبحثهم ما تراه صالحاً، وتعده وتنشره ليكون دستوراً. وهكذا حتى يكون للاجتهاد نتيجة فعلية، نجاري فيه الأمم التي اجتهدت في إصلاح لغتها فننتفع من تجاربها في تطوير لغتنا ونموها وارتقائها. 
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية