|
|

نوَّابُ الشعب يهينون لغة الشعب
أ. حسين لقرع
في جانفي من عام 1991، صادق نواب المجلس الشعبي الوطني، وكلهم من جبهة التحرير الوطني، على مشروع قانون تعميم استعمال اللغة العربية في الإدارات والمؤسسات العمومية والتعليم العالي والمحيط العام، وإلزامِ جميع المسؤولين بمخاطبة شعبهم بلغته الوطنية والرسمية، وتحرير جميع الوثائق والمراسلات الإدارية بها، ونصّ القانون على غرامات مالية للمخالفين تُضاعَف كلما تكررت المخالفة.
حدث ذلك حينما كانت جبهة التحرير لا تزال وفيّةً لقيم أول نوفمبر وثوابت الشعب، أما الآن فقد تبدّل الوضع وتغيَّرت الجبهة ولم تعُد تدافع عن اللغة العربية وعملية تعميمها، بل أصبح نوابُها يعرقلونها بأنفسهم ولو بشكل جزئي كما حدث مؤخرا مع قضية تعريب الصكوك البريدية! جبهة التحرير الآن لم تعُد جبهة بن بولعيد وعميروش وسي الحواس والشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل استقلال البلد استقلالا كاملا عن فرنسا، وليس استقلالا منقوصا لغويا وثقافيا، والبرلمان الحالي لم يعد كالبرلمان الذي كان يرأسه عبد العزيز بلخادم في عام 1991 وأصرّ على تمرير قانون تعميم استعمال اللغة العربية رغم الضغوط الهائلة التي كانت تمارسها عليه فرنسا وأتباعُها من بقايا "دفعة لاكوست" بالجزائر لإجهاض التصديق عليه، ومرّره نوابُ الجبهة فعلا، لأن الجبهة كانت لا تزال جبهة والنوابُ نوابا.
لكن الفرنكفيليين الكارهين لتعريب الجزائر اغتالوا هذا القانون في بداية جويلية 1992، وحاول الرئيس زروال إحياءه في 26 ديسمبر 1996، وأسند المَهمَّة إلى أويحيى وحدد له يوم 5 جويلية 1998 لإنهاء تعميم التعريب في المؤسسات والإدارات والمحيط العام، ومن ثم الاحتفال في العيد الـ36 للاستقلال باستعادة السيادة اللغوية للجزائر، لكن المشروع الطموح أجهِض مجددا، واغتيل معطوب الوناس في 25 جوان 1998 وخرجت بعدها مظاهرات في بلكور تطالب بوقف التعريب، واضطرّ زروال إلى تجميد الخطوة حفاظا على الوحدة الوطنية، وبعدها غادر الحكم في 1999 وجُمّد القانون ضمنيا إلى حدّ الساعة وأصبح الكثيرون يهينونها ويهمّشونها في مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية بلا أدنى حرج، وأضاعت العربية الكثيرَ من مكاسبها وهيبتها وفقدت مكانتها في عقر ديارها، واكتسحت الفرنسية مختلف المواقع وأصبح مسؤولونا يتسابقون إلى الحديث بها ويتفاخرون بذلك، واتّضح أن ما حققته الفرنسية في فترة الاستقلال أضعاف ما حققته طيلة 132 سنة كاملة من الاحتلال!
اليوم أصبح تحرير مختلف الوثائق بالفرنسية أو مخاطبة الشعب بها أمرا "عاديا" لا يلقى استهجان أحد، مع أنه غير طبيعي في الواقع في بلدٍ ينصّ دستوره بوضوح في مادته الثالثة على أن لغته الرسمية الأولى هي العربية.. تُرى هل تقبل فرنسا بأن يحرِّر الفرنسيون من أصولٍ عديدة صكوكَهم بغير اللغة الفرنسية بذريعة "احترام خصوصياتهم" كما يتحجّج نوابُ الخنوع عندنا؟
اليوم لم تعُد جبهة ولد عباس كجبهة الشهداء، ولا نوابُها كالنواب الذين عرفناهم في عهد بلخادم، لكن اللافت للانتباه أيضا أن خذلان العربية امتدّ حتى إلى صفوف الإسلاميين الذين باتوا يتحدّثون عن "ضرورة التِّيسير" و"المرحلية" و"احترام الخصوصية"... وغيرها من الذرائع الواهية التي يحاولون بها تبرير تخاذلهم وخوَرهم، لذلك ضاعت العربية في الجزائر وهان أمرُ احتقارها وتهميشها على بقايا دفعة لاكوست الذين لا يزالون متغلغلين في مختلف دواليب الدولة ونفوذُهم يتعاظم يوما بعد يوم.
الشروق
|
|
|
|
|