وعد الأحمد
بعد تعرضه لعملية استئصال زائدة في مشفى “الملك خالد” وجد الباحث اللغوي السوري “صدام الحمود” أن أغلب الأطباء والممرضات يتحدثون إما اللغة الإنكليزية أو العربية الركيكة الهجينة ولا يمكن إيصال الفكرة الطبية على الرغم من وجود الكثير من المؤلفات المختصة بذلك والتي تتميز بكثافة المادة العلمية وتشعبها، ومن هنا جاءت فكرة جمعه للمفردات المتخصصة في كل عيادة لإنتاج كتاب يحقق تواصلاً حقيقياً بين المريض والطبيب والكوادر الطبية كافة بشكل مبسط ومفهوم،.ويعمل الحمود اليوم بتعليم اللغة العربية للسفراء والديبلوماسيين الأجانب بالمملكة العربية السعودية كتابة ولفظاً وهو المشروع الذي نذر له نفسه منذ سنوات وحقق من خلاله حضوراً لافتاً في الأوساط الأكاديمية من خلال ابتكاره لوسائل وأساليب جديدة في تعليم لغة الضاد لغير الناطقين بها، وتسهيل التفاهم والتواصل المعرفي والثقافي بينهم.
درس “الحمود” في دار المعلمين في “منبج” بريف حلب لمدة سنتين، وفي السنة الأولى أعاد الثانوية العامة وحصل على معدل ممتاز فتم قبوله في قسم اللغة العربية بجامعة حلب، وبعد إنهائه دراسته عام 2010 –كما يروي لـ”وطن” تقدم لماجستير التأهيل والتخصص ونال المرتبة الأولى في القبول بقسم تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها قبل مغادرته سوريا بشهرين والذي سيكون مجال تخصصه وتميزه فيما بعد. وعمل “الحمود” مديراً للشؤون التعليمية في المعهد العربي بالرياض قبل أن ينتقل إلى جامعة “الملك سعود” (معهد اللغويات العربية)، ليتم تحصيله العلمي.
وبعد إنهائه لماجستير الآداب في تعليم اللغة العربية لغة ثانية أو ما يُسمى بـ”علم اللغة التطبيقي” بمرتبة الشرف الثانية، واصل “الحمود” تفوقه العلمي لينال درجة الدكتوراه وينتقل بعدها للعمل في مركز “الملك فيصل” للبحوث والدراسات الإسلامية مستشاراً تعليمياً، ومشرفاً للتدريب فيما بعد.وتمكّن الخبير اللغوي القادم من ريف حلب-كما يقول – من تأسيس برنامج “الملك فيصل” لتعليم اللغة العربية الذي ألف فيه أربعة كتب في سلسلة أطلق عليها “العربية للتواصل” على ضوء الإطار المرجعي الأوروبي لتعليم اللغات.
في منتصف الشهر الثامن من عام 2012 غادر “الحمود” سوريا إلى المملكة العربية السعودية كزائر وبعد فترة أُتيح له العمل بوظيفة مدير للشؤون التعليمية ومستشاراً تعليمياً في المعهد العربي المختص بتعليم الدبلوماسيين اللغة العربية في حي “السفارات”.
وعمل فيه لمدة ثلاث سنوات دون موافقة مكتب العمل نظراً لحاجة المعهد لاختصاصه، وهناك -كما يقول- تمكّن من مراجعة كل كتب المعهد السابقة وعدّل وأضاف عليها، وفرض “الحمود” وجوده كمحاضر وباحث أكاديمي، كما شارك لأول مرة في مؤتمر تعليم اللغة العربية كلغة ثانية في جامعة “الملك سعود”.
وبدأت تنهال عليه العروض من المعاهد والمراكز العلمية كما يقول، وتم قبوله بعد الخضوع للاختبار لدراسة ماجستير الآداب في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها –علم اللغة التطبيقي- بمعهد اللغويات العربية في جامعة “الملك سعود” وخلال ذلك عمل محاضراً ومدرساً وطالباً في آن معاً في المعهد لحين إنهائه الماجستير.
ويهتم علم اللغة التطبيقي بتعليم اللغات الحية كلغة ثانية، ويعد معهد اللغويات العربية في المملكة العربية السعودية من أقدم المعاهد المختصة بتعليم اللغة العربية كلغة ثانية بعد “معهد الخرطوم” في السودان.
وحول تركيز اهتمامه على هذا الاختصاص أوضح محدثنا أن هذا الاهتمام جاء بعد أن لمس من خلال تجربته في التعليم لسنوات شيوع لغة هجين في المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان الخليج ولدت نتيجة وجود جنسيات مختلفة ومتعددة كالهندية والباكستانية، مضيفاً أن العرب ساعدوا للأسف على محاربة اللغة العربية الفصحى والسليمة ودسّ هذه اللغة الهجين التي أصبحت لغة مولدة نتيجة ولادة أجيال لهؤلاء في دول الخليج، وبتنا –كما يقول- نجد لديهم مفردات ركيكة مثل “أنت سمسم” و”أنت في روح” وغيرها من المفردات التي لا تمت للغة العربية بصلة وتسيء لجمالها.
ونظرا لأن التعليم في المملكة يستهدف الوافدين كطلاب منح علمية ولا يستهدف الوافدين الآخرين بشكل كبير بسبب ظروف عملهم، حيث يبلغ عددهم حوالي 11 مليون وافد من جنسيات مختلفة خطر بذهن الحمود تأليف عدد مميز ومنوَّع من السلاسل والمواد التعليمية المتميزة كان أولها بعنوان “العربية للتواصل” التي تقوم على أربع مستويات في ضوء المرجع الأوروبي وتُعطى في ست ساعات أسبوعياً ولمدة شهرين للمستوى الواحد، لمحاربة اللغات الهجينة وإنزال اللغة العربية المعاصرة مكانها، وذلك ضمن المواقف والاحتياجات اليومية في التسوق والتحية والتعارف والمسكن والطقس والوصف وزيارة المريض والمخاطبات الشخصية، ويتألف كل كتاب –حسب واضعه- من 7 وحدات تعليمية بالإضافة إلى الكتاب التمهيدي الذي قسّم الحروف إلى مجموعات لتعليم مبادىء القراءة والكتابة
بعد تعرضه لعملية استئصال زائدة في مشفى “الملك خالد” وجد “الحمود” أن أغلب الأطباء والممرضات يتحدثون إما اللغة الإنكليزية أو العربية الركيكة الهجينة ولا يمكن إيصال الفكرة الطبية على الرغم من وجود الكثير من المؤلفات المختصة بذلك والتي تتميز بكثافة المادة العلمية وتشعبها، ومن هنا جاءت فكرة جمعه للمفردات المتخصصة في كل عيادة لإنتاج كتاب يحقق تواصلاً حقيقياً بين المريض والطبيب والكوادر الطبية كافة بشكل مبسط ومفهوم.
وبدأ -كما يقول-بناء الوحدات التعليمية للحوار لإنتاج كتاب جديد يخدم العاملين في المجال الطبي ليتمكن الطبيب الوافد والممرض من أي جنسية التواصل مع المجتمع العربي، وإيصال الفكرة الحقيقية للطب.
ولفت محدثنا إلى أن “السوريين كانوا السباقين في ترجمة كتب الطب وتدريسه باللغة العربية على العكس من البلدان العربية الأخرى ومنها دول الخليج التي لازالت تعلم الطب باللغة الإنكليزية، ولم تكن هناك محاولات لترجمة هذا الاختصاص.
وأبان محدثنا أن “الطبيب المختص عندما يكون فاهماً للغة العربية يستطيع أن يوصف للمريض حالته الصحية بشكل دقيق ويتفادى أخطاء طبية قد تؤدي إلى الموت -لا قدر الله-“.
لم يقتصر مشروع الحمود على الجانب الطبي بل انطلق في توصيف برامج أخرى متخصصة بلغة عربية معاصرة وسهلة، وتؤدي الغرض منها كالعربية الموجهة للعاملين في المجال الدبلوماسي وللعاملين في المجال الإعلامي وللعاملين في التجارة ورجال الأعمال، وهذا ما أهله للتعاقد فيما بعد مع وزارة الخارجية البريطانية لتدريس بعض من موظفيها ومنسوبيها اللغة العربية ويقوم حالياً بتدريس بعضهم.
ولم يخف محدثنا خشيته من تراجع واقع وتعليم اللغة العربية في البلدان العربية ولاسيما في سوريا جرّاء الحرب فهناك –كما يقول- محاولات مزاحمة للغة العربية بفرض لغات أخرى في بعض المناطق التي عانى العرب فيها من ويلات الحرب والدمار، وفرض لغات جديدة على مجتمعنا، وكان للحرب أيضاً دور سلبي على مستوى تدريس اللغة العربية، ولاسيما في بلدان اللجوء والشتات، إذ بدأ الجيل الثاني من المهاجرين السوريين -كما يؤكد- يفقدون عروبتهم.
وختم “الحمود” داعياً إلى تدارك هذا الخطر والتصدي له بحزم، لأن اللغة العربية هي رمز الأصالة ووعاء الدين ولغة أهل الجنة وعلى العرب والمسلمين بشكل عام إحياءها في قلوب ووجدان أبنائهم.
وطن