للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية ليست لغتنا القومية

أ. محمود العلايلي

 

لفتت انتباهى عبارة لفيلسوفنا الكبير د.زكى نجيب محمود وهو يشرح معنى الفكرة قائلا: «إن الفكرة هى عبارتها». انتهى كلام د.زكى، وما استوقفنى هنا هى كلمة «عبارتها» أى أن كل فكرة ما هى إلا مجموعة من الألفاظ تكون جملاً تعبر عنها وأن هذه الألفاظ عبارة عن محتوى ومعنى قبل أن تكون شكلا ومبنى، ووجب ابتداءً أن تجمعها لغة تم التوافق عليها، فالألمانى يفكر بالألمانية والإسبانى يفكر بالإسبانية وهلم جرا، ولكننى عندما وصلت لمصر توقفت لأسأل: بأى لغة يفكر المصرى؟؟

للأسف الشديد يأتى الرد على هذا السؤال سواء من بعض المتخصصين أو من غيرهم أن المصريين يفكرون باللغة العربية لأنها اللغة القومية أو بالأحرى اللغة الأم، وهو غير الواقع لأن اللغة القومية تعرف على أنها اللغة التى يفهمها ويتكلمها ويستطيع التعبير عن نفسه بها طفل ما دون الخامسة، فهل لدينا فى مصر هذا الطفل أو هذه الأسرة أو هذا المجتمع الذى يستخدم اللغة العربية الفصيحة فى تعاملاته؟

إن الإنسان المصرى يتحدث لغة غير التى يدرسها فى المدرسة، وهى مغايرة للغة الصحافة وبالقطع أبعد ما تكون عن لغة الكتب المقدسة، كما أنها ليست لغة العلم أو الأدب والثقافة، وهو ما يحدث خلطا كبيرا- من وجهة نظرى- فى نسق التفكير بالنسبة للمصريين وخاصة إذا ما قارنا الشخص المصرى مع أقرانه من دول أخرى تكاد تكون لغة الحديث فيها هى لغة الدراسة والصحافة والعلم والثقافة، وهو ما يؤدى بالقطع إلى اتساق نسق التفكير عند هؤلاء الأشخاص، بينما نجد المصرى دائما فى حاجة إلى تحويل ما يتلقاه من أفكار فى ذهنه إلى اللغة التى يتحدثها ويتعامل بها.

إن اللغة العربية الفصيحة بالنسبة للعديد من المصريين تحتاج إلى ترجمة، على الرغم من استمتاعنا بجمالها وجزالة ألفاظها وإحكام تراكيبها فى مواضع كثيرة، إلا أنها قد تكون مستعصية على الفهم، بل إن اللافت للانتباه أنه فى حال الفعاليات الثقافية أو العلمية التى توجب استخدام العربية الفصيحة من بعض الأشخاص القائمين عليها، تجد أنه فور الانتهاء من الفعالية يعود هؤلاء الأشخاص أنفسهم لاستخدام العامية المصرية كلغة للحوار والتفاهم معتبرين- ضمنيا- أن العربية الفصيحة لغة أجنبية لها استخداماتها المحددة.

الأدهى أنه فى أغلب الأحوال يبتعد الكثيرون باللغة العربية الفصيحة باعتبارها وسيلة للتفاهم إلى الوصول بها أنها وسيلة للتفاخر حيث تسود البلاغة وتتوه الحقيقة، وهنا أدعو القارئ لعمل تجربة لطيفة، وهى أن يتناول أى نص بالعربية الفصيحة ويقوم بترجمته إلى العامية المصرية، سواء كان هذا النص عملا أدبيا أو خبرا صحفيا أو حتى خطبة إمام أو قائد، وأنا أؤكد على قارئى أن النتيجة ستكون مذهلة بعد التخلص من جزالة الألفاظ والمحسنات البديعية، وسيجد فى أغلب الأحوال أن الحقيقة المجردة لا ترقى إلى جزالة النص الأصلى وفصاحته، تماما كما تنزع من على أحدهم عباءته المقصبة الحريرية الموشاة بالذهب، لترى جسده إن كان مترهلا مكتظا بالدهون أو كان شاحبا تبرز منه عظامه أو كان صحيحا معافى تتوافق عضلاته مع صحة قوامه.

إن إحدى مشاكلنا أننا نتعامل مع العامية بطريقة دونية وكأن استخدامها يحط من قدر من يعبر عن نفسه بها، مقارنة بمن يسمو ممتطياً العربية الفصحى، بينما سنجد الفارق بين تقييم اللغتين جد عظيم، حيث يتم تقييم العربية الفصيحة من ناحيتى الشكل والمضمون بينما يتم تقييم العامية من حيث المضمون فقط، بل أننا فى مواضع كثيرة نقيم بعض القادة أو القضاة أو أى من يتصدى للعمل العام بقدر إتقانه للعربية الفصيحة، وهو معيار للحكم إن جاز يجب أن يقتصر على المتخصصين فيها فقط الذين اختاروا لأنفسهم هذا المنحى لحياتهم العملية.

إن اللغة كائن حى يتبدل ويتطور بحسب مجريات الزمن بل ويضم مع التقدم العلمى والاجتماعى معانى وألفاظا وتراكيب جديدة، وهكذا الحال مع كل اللغات وبالتالى العامية المصرية، ولذا فإننا إن أردنا أن نحسن من اتساق أفكارنا مع لغتنا المستخدمة فى التعامل اليومى أن نعلى من شأن العامية المصرية وفتح المجالات الأوسع لاستخدامها والتعامل مع العربية الفصيحة كما نتعامل مع الانجليزية مثلا- بصفتها لغة العلم- على أن يدرس العربية الفصيحة اختيارا من أراد أن يتخذ لنفسه طريق الثقافة والأدب أو العلوم الإنسانية أو الدينية، بحيث لا تتفاضل اللغتان بل تتكاملان لتشكيل الوعى المصرى.

إننى هنا لست فى محاولة لإقصاء العربية الفصيحة لحساب العامية المصرية، ولكنها محاولة للوصول إلى حل يتسق فيه تفكير المصريين مع لغتهم القومية، فهل نظل على إصرارنا أن يتعلم المصريون العربية الفصيحة ويستخدموها - وهو ما لم ينجح على مدى قرون عديدة-، أم الأولى أن ننتفع باللغة التى يجيدها عموم المصريين والتى تحتوى فى مجملها على كم هائل من المفردات العربية، ولا نقع فى الشرك الساذج بمقولة إن اللغة العامية ليست لها قواعد، لأن العربية الفصيحة وضعت قواعدها بعد اللغة نفسها، وكذلك يمكن أن يكون الحال مع العامية المصرية إذا أردنا.
 

المصري اليوم

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية