للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هل يتحمل فيسبوك مسؤولية كل هذه الضحالة اللغوية والفكرية

أ. حكيم مرزوقي

 

منذ أن تم تأسيس فيسبوك على يد مارك زوكيربرغ، كفضاء تقوم فكرته على أساس التواصل الاجتماعي، ومع انتشاره توسّعت مجالاته ليشمل السياسة والاقتصاد، وشتى المجالات بما في ذلك الفن والفكر والإبداع الأدبي، وظهر في العالم العربي نوع من الخلط في المفاهيم والغايات التي قامت عليها هذه المواقع.

وكثيرا ما تشتكي وتتذمر النخب الفكرية من تدني المستوى والذائقة. وارتفعت أصوات تطالب بإيجاد طرق للرقابة بهدف الردع والحفاظ على سوية أقل ما يقال فيها إنها “محترمة” ولا تقبل بالإسفاف والتطاول على أجناس أدبية وفنية ينبغي أن تبقى في منأى عن هؤلاء المتطفلين.

الحقيقة أن فيسبوك لا يطلب من مشتركيه شهادات أكاديمية ولا أوراق إثبات هوية، ولا يرفع على بعضهم دعاوى تزوير وانتحال شخصية. إنه أشبه بناد مفتوح الأبواب والشرفات على مدار الساعة، وما على أعضائه سوى القيام بذلك التطبيق الإلكتروني أثناء الاشتراك الذي لا يتطلب أكثر من دقيقة واحدة يتم خلالها الموافقة على المواثيق والتعهدات الخاصة بالإنترنت، ليصبح المشترك بعدها “حرا” في ما يكتبه ويعلق وفي من يصادقه أو يحظره على صفحته.

هذه البساطة والسهولة اللتان منحهما فيسبوك لمشتركيه في القراءة والتفاعل مع ما يكتب على صفحاته، جعلتا كل من “هب ودب” يدلي بدلوه عبر النشر وتبادل النصوص والآراء مع تبادل علامات الإعجاب وغيرها، والتي صارت اليوم مفردات معممة على جميع الناس وبمختلف لغاتهم ومستوياتهم المعرفية والاجتماعية.

الذين يدعون إلى العودة إلى وسائل القراءة والتثقيف الكلاسيكية لا يمكنهم، بأي حال، منع الآخرين من نشر وتبادل ما يعتبره هؤلاء إنتاجا فنيا، لكنهم يحذرون من خطورة ذلك على اللغة العربية التي تحولت برأيهم إلى لغة ركيكة مختلطة بألفاظ أجنبية، بالإضافة إلى ترسيخ كلمات غريبة ومستوحشة.

وفي هذا الصدد كتب أحد المدونين على صفحته متذمرا من هذا الأمر بأن “كاتبا معروفا له كومة قصص وروايات يكتب كلمة مساواة، في صفحته على فيسبوك، هكذا: مساوات” ويضيف أن “صحافيا من الرعيل السابق لا يحسن حتى وهو في آخر العمر قواعد الإملاء فيخطئ في كتابة الهمزة، ولا يميز بين الهاء والتاء المربوطة”.

وتحدث مدوّن آخر عن رئيس فرع اتحاد كتاب وأدباء إحدى المحافظات في بلد عربي “يرفع المنصوب دون أن يرف له جفن فيكتب سامحه الله: كانت النائبتان فاشلتان”.

ويتابع هذا المدوّن المنتمي إلى جيل ما قبل الإنترنت التشهير بالذين يقعون في أخطاء لغوية قاتلة بقوله “لقد أصبح من عاداتي كلما دخلت هذا الفضاء العجيب أسجل ما أقع عليه من أخطاء تستفزني بشناعتها حين تخلط بين الحروف لا سيما بين حرفي (ض) و(ظ)، حيث يعلق أحدهم بهذه العبارة المسخ: بالظبط فظيحة وانتوا شاهدين يا عربوا”.

ويمضي هؤلاء في إعطاء عينات من الأخطاء النحوية والإملائية التي باتت مألوفة على فيسبوك، وفي هذا الصدد، يقول إبراهيم طارق مستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم المصرية عن تلك الظاهرة “إنني مندهش من انتشار المفردات المستخدمة في شبكات التواصل الاجتماعي واختلاطها بالحياة اليومية للشباب العربي، فهي تهدّد مصير اللغة العربية، وتلقي بظلال سلبية على ثقافة وسلوك الشباب العربي الأدبي والإبداعي وقيمة الكلمة والفكر.

وأؤكد أن فيسبوك أضر بالإبداع، في ضوء اعتماده على الثقافة الشعبية وتراجع تأثير النخبة وأصحاب الفكر، وهو ما أثّر سلبا على قيمة الفكر والكلمة ومضمونها ودلالاتها، ولا أستطيع أن أصدق أن شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت على نشر الثقافة والفكر، بل وطوّرت الأدب والإبداع من خلال الاختلاط بين الثقافات ومساحة الحرية الموجودة على صفحاتها، فهذا لم يتم إطلاقا، بل أصبح هناك خليط غريب من لغة ممزقة لا أدري هل هي أجنبية أم عربية.

وبصدق نحن نعاني من كتابات الطلاب عن موضوعات عامة في التعبير، فلا تجد سوى نوع من الركاكة والأخطاء الإملائية.. هذا بجانب إهدار أسس النحو والصرف في التعبير، ولذلك لا يمكن أن نعتبر ما ينشر من كتابات يقال عنها أدبية أنها إبداع أصيل، ومن الممكن أن تكون مقتبسة أو منقولة أو حتى سرقت من كاتبها الأصلي، ولذلك في البحوث والدراسات لا يعتبر الإنترنت مرجعا من المراجع إطلاقا، ويجب علينا وضع قيود على النشر على الإنترنت ليرتفع مستواه الأدبي والثقافي”.

السبب يبدو واضحا وجليا لمجرد إلقاء نظرة فاحصة على عموم ما ينشر على صفحات فيسبوك بالعالم العربي، وهو أن جل المستخدمين ينظرون إلى فيسبوك كمنصة للحوار وإبداء الرأي وكأنه منبر تخصصي، في حين أن فيسبوك هو فضاء للتواصل الاجتماعي لا أكثر ولا أقل.

ولم يكن مؤسس هذا الموقع الاجتماعي يرنو إلى جعلـه بديـلا لـوسائل وقنوات الحوار الثقافي، لكن غالبية العرب حولته، وبالغصب، إلى وسيلة إعلام وحامل للبيانات والبلاغات والخطابات، فوقع هؤلاء في شراك ما أرادوا الذهاب إليه حين أرادوا مثل هذه الحذلقة.

يرى عبدالعزيز متولي، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة، أن تأثير فيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي امتدّ إلى جميع مجالات الحياة، وقد شمل هذا التأثير الجانب الثقافي والإبداعي، والذي لحقت به أضرار بانتشار تلك المواقع التي تعتمد على ثقافة العامة، وليس النخبة والمفكرين، وبالتالي فإن قيمة الفكر والكلمة ودلالاتها تراجعت واختلفت كثيرا في هذا العالم الافتراضي.

ويؤكد أن فيسبوك من أكثر التهديدات خطورة على الهـوية الثقـافية والفكرية للشباب العربي، حيث أهدر قيمة الفكر والإبداع، وغيّر قيمة الكلمة ودلالاتها، كذلك حقوق المبدع والمفكر المعنوية والمـادية، كما نال من القراءة والكتابة، وإن تلك المواقع أصبح لها لون جديد من الثقافة ولغة خاصة بها تمثّل تمردا على النظام الاجتماعي والثقافي والفكري.

أما فؤاد السعيد، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة فيقول “اعتماد شبكات التواصل الاجتماعي على الثقافة العامة ونشرها دون وجود رقابة عليها، أثّر سلبا على الفكر والإبداع والثقافة التي جاءت في ذيل اهتمامات تلك المواقع بل وربما تحظى بقدر من الإهمال والتهكم، في ضوء تجاهل تام لثقافة النخبة التي من المفترض أن تكون الموجه والضابط للعامة، وتكمن خطورة ذلك في أن غياب دور النخب وانتشار الثقافة الركيكة يقودان إلى الفوضى الفكرية ومن ثم الانهيار الثقافي”.

ويوضح السعيد أن فيسبوك له صلة وعلاقة قوية باللغة، التي ترتبط بشكل مباشر بالفكر والثقافة والأدب، فبانحدار اللغة ينحدر الفكر والأدب والإبداع والعكس صحيح، وبالنظر إلى طبيعة اللغة المستخدمة في الحوار والمشاركة على شبكات التواصل، سيتضح حجم التأثير السلبي لتلك المواقع على مفردات اللغة، ومن ثم الإبداع والثقافة، وضعف مستوى الأداء اللغوي مما يشكّل خطورة على قوة اللغة وحيويتها، و يؤدي إلى تدني المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت حيث لا تتجاوز مساهمة العرب 3 بالمئة مما ينتجه العالم، هذا إلى جانب أن أكثر من 50 بالمئة من سكان العالم العربي لا يتقنون اللغة العربية بشكل جيد، مما يوجد الإشكاليات التي تحول دون الاندماج التام للغة العربية في العصر الرقمي.

فيسبوك، وباعتباره وسيلة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية والأقرب إلى حالة الكسل والتراخي، يستطيع أن يحتله ويسيطر عليه ذوو الثقافة المحدودة ويأخذونه نحو مآربهم في أي وقت.

ولأن العملة المزورة تطرد العملة الصحيحة، انفرد العامة والدهماء في العالم العربي بهذا الموقع، وأصبح بعضهم ينشر بمعدل “بوست واحد في دقيقة واحدة” ويحصد أطنان “اللاّيكات” التي تزيد من نجوميته وتزرع فيه نوعا من الغرور المرضي.. وهكذا تتضخم الحالة لدى أمثاله الذين يشكلون الأغلبية الفاعلة والمؤثرة في هذا الفضاء الذي لم يعد افتراضيا بل واقعيا وحقيقيا يؤثر ويتأثر داخل المجتمعات العربية التي أدمنت ثقافة الاستهلاك والاستسهال.

هناك نوع مـن السكـوت المتفـق عليه من قبل المجموعة الافتـراضية على فيسبـوك، وهو أن يخطئ الناشر الافتراضي فلا يحاسبه على خطئـه أحـد، ويتقصد الضحالـة والإسفـاف ولا يتـوجه بالنقـد إليه أحـد.. ويحصل كـل ذلـك من أجـل أن يسكـت الكـل على أخطـاء الكـل.

يمكن التحدث في هذا الصدد عن نوع من المؤامرة الجماعية الافتراضية، ولا يكلف الواحد نفسه عندئذ مشقة تصحيح خطئه أو البحث عن مرجع موثوق طالما أنه لم يتعرض إلى أي انتقاد بل بالعكس، سوف يحصد علامات الإعجاب التي صارت عند جمهور فيسبوك نوعا من الأسهم أو الوحدات التي يمكن إدخالها سوق “التداول الاجتماعي على فيسبوك”.

غريب أمر الكثير من النخب العربية، تحمل مفردات التطور مسؤولية مظاهر التخلف، فكأنما التكنولوجيا الرقمية هي سبب التقهقر الإبداعي. لقد تناسبت هذه النخب أن التخلف يبقى تخلفا والقبح يظل قبحا، سواء استعمل الواحد أدوات التزيين أو لم يستعملها، ذلك أن المسألة تتعلق ببنية وذهنية كاملتين، ولا يمكن تجزئتهما.

إذا افترضنا أن التشوهات التي لحقت باللغة العربية كانت نتيجة حتمية لاستعمال التكنولوجيا الرقمية وحدها، فلماذا تضررت العربية دون غيرها من اللغات الأكثر تداولا واستعمالا على فيسبوك؟ وإذا أسلمنا، كما هو معروف، أن كل اللغات قد لحقها التشويه، فإن هذا الذي يعتبره المحافظون والغيورون على اللغة تشويها، يعده القائلون بالانفتاح المطلق على تقنيات العصر، نوعا من التطور الذي لا بد منه، ولا مناص من الهروب منه، ثم إنه ضريبة على كل العالم دفعها في عصر السرعة والاختصار.

وفي هذا الصدد، تقول إجلال حلمي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة “إن لكل ابتكار إيجابيات وسلبيات، فمن أهم مميزات شبكات التواصل الاجتماعي أنها أصبحت أساسية في حياة الشعوب، كونها انتشارا للثقافة والمعرفة ونتعلم من خلالها الخبرة في فنون الحياة، كما أنّ شبكات التواصل ليست تطورا للتكنولوجيا الرقمية فقط، بل هي أيضا تطوّر علمي وفكري وثقافي واجتماعي، وتعتبر هي والإنترنت المسؤول الأول عن القفزة الهائلة في العلم والمعرفة والعلاقات الاجتماعية، ففيسبوك وغيره من المـواقع ساعـدت على إنشـاء عـلاقات بين الشباب وبعضهم تجاوز قاعدة الأصدقاء الفردية والمكان والزمان، فساعدت على انتشار الثقافات المختلفة وانتشار اللغات، مما أدى إلى الاختلاط الثقافي والفكري الموجود على شبكات التواصل، وهو ما طوّر القدرات الثقافية والإبداعية للشباب، وأثّر بشكل إيجابي على مستوى المعرفة والفكر لديهم.

وترى أن شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور إيجابي في نشر الفكر والإبداع، وهو ما نراه في وجود صفحات وحسابات لمفكرين وأدباء ومبدعين، يتجمع فيها جمهورهم ويتواصلون معهم، هذا بجانب دور تلك الشبكات في نشر الثقافة والمعرفة وتنمية الوعي لدى الشعوب، مشيرة إلى ضرورة أن يطوّر المفكر والمثقف من قدراته حتى يستطيع مواكبة التطور التكنولوجي، حتى يكون له مكان وتأثير في هذا العالم الجديد الذي فرض نفسه على كافة مجالات ونواحي الحياة، بما فيها الفكر والأدب والإبداع، ومواقع التواصل الاجتماعي وفّرت مساحات كبيرة من حرية الرأي والفكر والإبداع، وهو ما جعلها عاملا مساعدا على تطويرها، على الرغم من وجود بعض السلبيات التي تتعلق بالعمل دون ضوابط أخلاقية أو أدبية.

لعل ألطف ما في فيسبوك أنه صار “دار نشر” عملاقة ومجانية لكل الحالمين بنشر منتوجاتهم وأفكارهم ولم تكن الفرص تتيح لهم ذلك.

بفضل هذه المساحة الافتراضية الزرقاء، صار الكثير من الطامحين المغمورين مشهورين، وبرز منهم مبدعون حقيقيون بل وزاحموا أدباء وكتابا مكرسين ومحاطين بهالة من التبجيل لا يستحقونها.

سقطت “أصنام” كثيرة بفضل فيسبوك، وذلك حين تعرف القارئ العادي إلى آرائهم وانطباعاتهم وتعليقاتهم ذات البعد الانفعالي البعيد عن التزويق والتحضير المسبق.

وكشف فيسبوك الكثير من المنتحلين لشخصيات أخرى، لا بسابق القصد، وإنما لأن هذا الفضاء يسمح للمنتحلين بالسطو والتسلل أيضا، فيتم في أحيان كثيرة كشف وفضح اللصوص والتشهير بهم على الصفحات الافتراضية وهي عقوبة جزرية يستحقونها، وما كانت تكون سهلة التحقق لولا فيسبوك.

ويقول أحمد سليمان عبدالعظيم، أستاذ النقد الأدبي والدراما بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة “من أهم سلبيات الأدب أو الثقافة التي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي أن معظمها سرقات أدبية بحيث يستطيع من يشاء أن يضع قصيدة لنزار قباني مثلا، ويكتب عليها اسمه، وقد شاهدت أمثلة كثيرة لتلك السرقات، وكذلك قد يقوم شخص ما بعرض بحث أو دراسة معينة ليست من إنتاجه أو إبداعه، ويضع عليها اسمه، ولذلك لا أعترف بالكتابات التي تنشر على فيسبوك أو الصفحات الأخرى”.

لمعرفة الجانب الإيجابي في فيسبوك، كان حريا بنا أن نتخيل حياتنا في السنوات القليلة الماضية من دونه. والأجدر أن يسأل الواحد نفسه: كم معلومة مهمة وكم نصا جميلا وكم أديبا ومبدعا اكتشفته عبر فيسبوك؟

وبالنسبة لمنتقدي الأخطاء اللغوية عليهم أن يسألوا أنفسهم في المقابل: كم أثرا إبداعيا مدهشا ما كنت سأطلع عليه لولا فيسبوك؟
 

العَرب

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية