للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

من الشانزليزيه إلى شارع شهاب

د. محمد الخولي

 

"هاى أون فيوز"... "انترادا نيو كابيتال".. "بلوز بنبانى".. كوندو.. صولد آوت.. هيلث كير سيتى... إلخ.


بعد إذن سيادتك.. هذه عيّنة.. مجرد نموذج مما تحتويه اللافتات المرفوعة على لوحات الإعلانات التى يدفع فيها أصحابها الشئ الفلانى حتى يقرأها وينبسط بها الجمهور المصراوى الطيب الأصيل.
 
هم لا يدرون أن هذا الجمهور ليس على مستوى مفهومية سيادتك، أو لماحية سيادتها من حيث فهم اللغات الأجنبية. والمشكلة أنهم مازالوا سادرين فى هذا الاستخدام للغات الأوروباوية - الإنجليزية بالذات- ولدرجة أن أصبحت لغتك اليعربية الشريفة فى حالة يُتْم أو انزواء أو إقصاء فى كل مناحى حياة هذا الوطن المهيض.. ولدرجة أن أصبح سكان القرى والدساكر يقرأون بدورهم لافتات منها ما يحمل عناوين من قبيل "عم متولى جروب" أو "خالتك أم السعد جروب".. وهكذا.
 
ولو قيض لسيادتك أن تجرب الخطى فى شوارع قاهرية شهيرة ومنها مثلاً شارع سورية أو شارع شهاب من طريق جامعة الدول العربية.. لتصورت على الفور أنك تجوب أنحاء الشانزليزيه الباريزى أو يونيون سكوير النيويوركى او اكسفورد ستريت اللندنى، بعيداً بعيداً بالطبع عن شوارع المحروسة التى مازالت تحمل إسم القاهرة.
 
هنا تجد لغتك العربية وقد أصبحت فى حالة تصعب على الكافر.. فما بالك بالمؤمن الذى لايزال يرى أهمية الحفاظ على العربية، لا بوصفها، وهذا مجدها وجلالها، لغة القرآن الكريم، أو كتاب العربية الأكبر كما وصفته يوماً الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" – بنت الشاطئ عليها رحمة الله.
 
ولكن أيضاً لأن العربية هى التى حفظت ومابرحت تحفظ كل ما أبدعته أجيال سلفت من بعد أجيال من فكر وفن وتراث واجتهاد وإبداع وحضارة مما كفل بدوره همزة التواصل بين أجيالنا.

وبديهى أننا كتبنا، وكتب غيرنا عن ظاهرة نفْى اللغة العربية لحساب رطانات بلغات أجنبية أخرى.. لا فى مواقع العلم ولا فى مراكز الترجمة مثلاً، ولكن فى حياة المصريين اليومية، وهو ما أسفر عن اصطناع أو تلفيق رطانة ملفقة ومركّبة من ألفاظ عربية ممزوجة بمصطلحات إنجليزية، ومن ثم كتابتها على أديم التواصل الاجتماعى على شكل رموز لا يكاد يفهمها سوى من يتداولونها، بعيداً، بعيداً عن مسار اللغة القومية المطلوب صيانتها وترويجها واستخدامها ومن ثم إثرائها بما يستجد من مفاهيم ومصطلحات، على نحو ما يفعل بقية خلق اللـه من سكان هذه المعمورة بالنسبة إلى اللغات التى ورثوها عن أجيالهم السابقة وأصبحت جزء غالياً وثرياً ومحورياً من تراثهم القومى العزيز.
 
مع هذا كله.. فإن دعوتنا فى هذه السطور لا ترنو إلى التمسك بالفصحى الصعبة أو التراكيب الكلاسيكية التى تجاوزها العصر.
 
هى دعوة إلى التمسك بعربية طه حسين وفصحى عباس العقاد فى مصر وإبداعات نزار قبانى من سورية وديباجة الاستنارة الفكرية عند عبد الله العروى فى المغرب أو على الوردى فى العراق أو جمال محمد أحمد فى السودان ناهيك عن ذخائر أحمد شوقى أو خليل مطران أو نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم ومن فى مستواهم الرفيع من مبدعى أمتنا الناطقة بالعربية.
 
وبمناسبة العم نجيب محفوظ فقد كتب كل أعماله الخالدة، وعلى امتداد العقود الخمسة التى بدأت مع ثلاثينات القرن العشرين بلغة عربية كانت فريدة فى ذاتها وعلى نحو جعلها جميلة سائغة ومحببة إلى الملايين من جماهير القارئين فى كل أنحاء الوطن العربى.
 
استخدم العبقرى "محفوظ" ما يمكن أن نسميه بأنه "اللغة الثالثة".. لا هى بالفصحى المتحجرة ولا هى بالعامية الشوارعية.. ومالنا فى هذا التوصيف نذهب بعيداً: إليك يا صديقنا شهادة رفيعة القدر من واحد كان فى القمة حيث الحفاظ على اللغة العربية..

يقول الدكتور طه حسين:

    •    " إن روعة قصص نجيب محفوظ تأتى من لغتها.. هى لم تُكتب فى اللغة العامية المبتذلة، ولم تكتب فى اللغة الفصحى القديمة التى يشق فهمها على الناس.. وإنما كتبت فى لغة وسطى يفهمها كل قارئ لها مهما كان حظه من الثقافة.. وهى مع ذلك لغة فصيحة نقية لا عوج فيها ولا فساد..".

وهكذا.. تكلم طه حسين.

إن قضية اللغة فى حياتنا لاتزال بحاجة إلى المزيد.. وخاصة من حيث علاقتها، وعلاقتنا بنظيرتها الشقية اللهلوبة التى تحمل إسم "العامية".

من هنا فالحديث موصول بإذن الرحمن.
 

البشاير

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية