أ. عبد العزيز محمد قاسم
*1)* تشرفتُ السبت الماضي برفقةٍ كريمةٍ من أساتذة اللغة العربية، فكنت بمعيّة أ.د. عبدالله السلمي، وأ.د. سعيد المالكي، وأ.د. عبدالرحمن السلمي، ومعنا الشاعر د. عبدالاله جدع، والصديق عبدالرحمن الحجوري، وبعض الأحبة.
كانت رحلة ماتعة لمزرعة في مدينتي الأحبّ الطائف الجميلة، وأخذت اللغة العربية حيزاً من حواراتنا.
*2)* سقتُ للرفقة خشيتي من تقهقر اللغة العربية بفعل سطوة الميديا، وفشوِّ العامية فيها، فضلاً عن المفردات الانجليزية الهائلة التي دخلت أحاديث هذا الجيل الجديد، بفعل التقدّم الحضاري للغرب وتأخرّنا، وقلت بأنه ربما بعد 50 عاما؛ سنجد العربية المحكية هجينة بالكامل، واللفصحى في الحضيض عبر كل تاريخها..
*3)* ردّ عليّ الأحبة بألاّ خوف أبداً على اللغة العربية؛ لأنها تحمل مقومات البقاء في ذاتها، وأنها لغة حية بنفسها، وإن ضعُف أهلها.
وأضافوا بأن لغتنا ثريّة بمفرداتها واشتقاقاتها ومترادفاتها، حتى لو هُجرت بعض مفرداتها المتداولة اليوم، فثمة مفردات أخرى تنمو، أو يُعاد الحديث بها، عكس كثير من اللغات الفقيرة في المترادفات.
*4)* قال لي رفقتي بأن لغتنا خالدة؛ لمعجزة إلهية فيها، وأنها محفوظة بوعد الله، لأنها لغة القرآن الكريم.
وأن هناك بعداً آخراً غير الديني، وهو البعد القومي، فأهل اللغة يتشبثون بلغتهم لأنها تمثل قضية وجود لهم. كانوا على ثقة كبيرة من مكانة الفصحى وقوتها.
طمأنوني، وأنا من تلمّس تقهقرها..
*5)* طرحتُ عليهم قضية المجامع اللغوية، التي كانت لها شنّة ورنّة في القرن الماضي.
فمجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي أنشئ عام 1932، ومرّت عليه أسماء لامعة أمثال أحمد لطفى السيد وطه حسين وإبراهيم مدكور وشوقى ضيف وفاروق شوشة.. أين هو ولماذا بهُت دوره؟
مجمع القاهرة هذا؛ فرض وجوده بقوة بذلك الجيل، وفي الساحة الثقافية المصرية، وتجاوزها إلى كل البلاد العربية.
*6)* هناك مجمع اللغة العـربية بدمشق الذي أنشئ عام 1919م، ومرّ عليه فحولُ اللغة، من أمثال محمد كرد علي وعبد القادر المغربي وطاهر الجزائري.
لم نعد نسمع عن انجازاته, ولا عن أعلامَ لغةٍ بارزين كمثل الذين ذكرت آنفاً.
رغم أنني غير متخصص باللغة؛ إلا أن أسماءهم كانت حاضرة في الساحة الثقافية، وسمعت بها وجهودها.
*7)* طبعا لا ننسى العراق، فهناك المجمع العلمي العراقي الذي أنشئ عام 1947م. والعراق ثراءٌ وعمقٌ للغة العربية، ورجال خالدون أسهموا بقوة في خدمة العربية.
بالتأكيد أن الظروف السياسية كان لها دور، ولكن ليس لهذا الحد من الخفوت والشحوب.
أين هي تلك المجامع اللغوية العريقة؟
لماذا بهُت دورها، ولم نعد لها أثرا في الساحة الشعبية ؟
كان هذا سؤالي للرفقة.
*8)* سألت رفقتي المؤنسة الكريمة من أهل اللغة: هل يوجد اليوم من يطاول أسماء محمود شاكر ومحمود الطناحي، عبدالسلام هارون، عبدالله الامام؟
أسماء عريقة كانت نجوماً في سماء اللغة، ولا أجد اليوم من يضاهي قاماتهم، أو انجازاتهم في خدمة العربية.
كانت اجابتهم بوجود بعض الأسماء، وإن لم تشتهر.
*9)* انبرى د.عبدالله عويقل السلمي بالإجابة بأن تلك الكوكبة الزاهية في القرن الماضي كانوا إزاء أرضية خصبة ليبدعوا ويقدموا نتاجاتهم، وينقبوا في مسائل شتى، حتى لم يبقوا للجيل الجديد مساحة.
وأن أجواء ذلك القرن الفارط خدمت ذلك الجيل، عكس أجواء الزمن الحالي، الذي شحّت فيه مساحات البحث، لذلك قلّت الأسماء النجوم.
*10)* أيضا سألت عن خفوت الأسماء المحلية، وعدم وجود أسماء لامعة.
ساق لي رفقتي اسم د.عبدالرزاق الصاعدي، وأشادوا جدا به، رغم أنه يقوم بجهد ذاتي في مجمع اللغة الافتراضي. ذكروا أيضا د.عبدالعزيزالحربي وجهوده في مجمع مكة اللغة العربية.
تذكرت د.محمد يعقوب تركستاني وما خدم به اللغة أيضا في الصحافة.
*11)* ذكر د.عبدالرحمن السلمي اسم الصديق الحبيب د.عبدالله الوشمي ومركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، وجهود المركز كذلك.
قلت لهم بأنني أدركت مطالبات من بعض أساطين اللغة العربية السعوديين وعبر الصحافة قبل عقدين من الزمن بإنشاء مجمع للغة العربية في السعودية، فاللغة انطلقت من هنا، ولكن توقفت تلكم المطالبات، ولا أدرى ما سبب تأخر ذلك؟!
*12)* الحقيقة أن الوقت أدركنا، وجوّ الطائف البديع سربل أرواحنا، وبتنا نتنعم به بعيدا عن هموم اللغة، ولكن السؤال كان ما يزال يلوب في نفسي، عن سبب عدم تبني وزارة التعليم مثلا، تحويل مركز اللغة العربية الذي يرأسه الصديق الوشمي لمجمع لغة كبير، وعلى مستوى دولي، يقوم بخدمة تعريب المصطلحات الوافدة، والاسهام في تطوير العربية وخدمتها في مجالات شتى؛ خدمة حقيقية تكون علامات تاريخية في مسيرتها، يذكرها لنا اللاحقون.
*13)* أعترف بأنني غير متخصص، ولكنني محبٌّ للغة الخالدة، وأتمنى أن أطالع مجمعاً للعربية ينطلق من وطني، يقوم بدور تاريخي بما قام به مجمع القاهرة، الذي كان أحد أسباب انشائه وقتها؛ فشو العامية والدعوة للكتابة بها في مصر.
أهل اللغة العربية اليوم أدرى مني بأولوياتهم، ولكن الكرة في ملعبهم..
المصريون