|
|

طلَّابنا ..واللغة العربية مشكلة تحتاج إلى حل
د. منال زكى عمارة
فاجأتنى طالبتى وأنا أدرِّس لها بسؤال غريب...!
لماذا نتعلم اللغة العربية وندرسها وعندما ننهى دراستنا ونخرج لمعترك الحياة باحثين عن وظيفة ما يكون من أهم شروط القبول بها إتقان اللغة الانجليزية تحدثا وكتابة؟ لم أسمع معلمتى عن وظيفة تشترط إتقان اللغة العربية تحدثا وكتابة ! بل لم أسمع قط أن المتقدمين لوظيفة ما يعقد لهم امتحانا فى فرع النحو ليتأكدوا من استقامة اللسان فى الحديث ،ألهذا الحد تراجعت مكانة لغة الضاد ، ملكة اللغات ، لغة أهل الجنة ،لغة القرآن الكريم ؟!
أقول الحق....لم أكن لأتوقع مثل هذا السؤال من طالبة صغيرة فى مقتبل عمرها . ليس لديها سوى القليل من الخبرات اللغوية اكتسبتها على مدار سنى تعليمها الذى لم ينته بعد . توقفت الكلمات على لسانى وأنا أنظر لهذه الطالبة التى دب فى قلبها شعور الغيرة على لغتها الأم ، وشعُرت بالحسرة ؛ لقد وضعت هذه الطالبة الصغيرة يدها على جرح يقطر دما لم يندمل بعد ، ماذا أقول لها؟!
لملمت شعاث دهشتى ،وشعرت بنشوة تسرى فى عقلى ،ودبيب أمل يجتاح كيانى ، ما زال هناك من ابنائنا من يهتز غيرة على لغته وتراجع مكانتها عن صدارة اللغات ، بعدما طغى تيار استخدام اللغات الأجنبية فى صورة تحديات معادية للغة الضاد.
لقد شرعت الدراسات والمقالات تترى عن قضايا اللغة العربية فى العصر الحديث ،و انبرى العديد من الباحثين العرب والأجانب يدلون بدلوهم فى تلك القضايا ، فمن متحدث عن الازدواجية اللغوية ،وآخر يتحدث عن قضية التحديات المعادية للغة العربية ومن أهم تلك التحديات عدم وجود قوة الاختراع لدى المتحدثين بالفصحى نظرا لصعوبتها، ومن ثمّ تبنى العديد من الباحثين الأجانب الدعوة إلى اعتماد اللهجات المحكية لغة للتعليم أو استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية - ولعلنا نرى ابنائنا يبدعون فى ابتكار لغة للكتابة خاصة بهم تجمع بين الحروف اللاتينية والأرقام على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة- ، وثالث يدعو إلى نبذها واستبدالها بلغة أجنبية فى التدريس والتأليف مدعيا أنها عاجزة عن مواكبة التقدم العلمى والتكنولوجى واستيعاب مصطلحاته ، وغيره يدعو إلى اعتماد اللغات الأجنبية فى التعليم بالجامعات والمعاهد المختلفة - حتى يتسنى للخريجين الحصول على وظيفة مرموقة - كلغة بديلة عن الفصحى لسهولتها وقدرتها على استيعاب العلوم الحديثة ومفرداتها، ولا يخفى علينا الهدف من تلك الدعوة .
وليس هذا فحسب فقط طاف على ذهنى أقوال القدامى من علماء العرب عن استمرار العلوم فقالوا: " من العلوم علوم نضجت واحترقت ، وعلوم نضجت ولم تحترق ،وعلوم لا نضجت ولا احترقت وكانوا يضعون (النحو) فى النوع الأول من العلوم،أرادوا بذلك أنه علم قد بلغ الغاية فى التطور ولا يستطيع أحد أن يضيف فيه جديدا إلى ما وصل إليه القدماء، ولعل الدعاوى التى تبناها الغرب فى نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن فى هجومهم على اللغة العربية الفصحى كانت معتمدة فى أساسها على نظرة القدامى التى شهدت ضد حجر الأساس فى اللغة وقاعدة ضبطها وليس معها. إن التحديات التى تواجهها لغتنا العربية فى الوقت الحاضر كثيرة متعددة ،يعد من أهمها أخطارا تحدق بها مختلفة المصادر متعددة الاتجاهات على مختلف المستويات والمجالات فى وسائل الإعلام والاتصال ، فى التربية والتعليم، فى البحث والتأليف.
لابد من تضافر الجهود واجتماعها على قرارحكيم يخدم لغتنا ويحميها من الهجمات التغريبية المعادية ؛ مما يجعل الطلاب فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يستشعرون مكانة الفصحى فى حياتهم الاجتماعية والوطنية والقومية ويستسيغون جمالها، ويتمكنون من استعمالها بسهولة ويسر، وفى رأيي أن هذا لن يتأتى مع التعليم الشكلى للغة ولا مع الاعتزاز اللفظى بها لأن هذين الجانبين فقط لن يكوّنا السلوك اللغوى المعبر عن احترام اللغة ، ولن يساعدا على غرس قيمة اللغة العربية فى نفوس دارسيها ، والاقتناع الكامل بمكانتها بين اللغات. خصوصا وأن وسائل الإعلام والاتصال الآن لم تعد لتدعم هذا الأمر ؛ إذ يسارع إعلاميونا إلى استخدام اللغة المحكية (العامية)، وفى مدارسنا لا يتم إعداد معلم اللغة العربية بشكل جيد ، ولا يخضع لتنمية ذات أهداف واضحة بعد إسناد العمل إليه ، بل الأكثر من ذلك لا يتم قياس مستواه اللغوى وآدائه الفنى والتربوى على مدار سنى تدريسه .
كل هذه الأمور تجعله غير قادر على الحكم بشكل سليم على استخدام طلابه للغة العربية خاصة فى كتاباتهم الإبداعية فهو يقيس قدرة الطالب الكتابية عن طريق حكمه على الألفاظ والجمل مستندا فى ذلك على مجموعة المعارف التى تلقاها فى قواعد الإملاء والنحو والصرف ، مهملا تعليم طلابه كيف يصلون إلى مستوى الأسلوبية فى الكتابة وأمام كل هذا نجد النتيجة تصب فى أجيال تستهين بالاستخدام الصحيح للغتها العربية ، غير مبالية بعواقب ذلك.
ثمت تطورات كثيرة تحدث وأمور عدة تغيرت ، وعلوما جديدة ظهرت ، ولابد للغتنا أن تستوعب تلك الأمور وتصهرها فى بوتقتها لتخرج لنا معدنا علميا نفيسا يجذب طلابنا لدراسة لغتهم وقواعد نحوها دون ملل أو تذمر، وعدم إدراك لأهمية التمسك بتلك اللغة العظيمة التى تعكس هويتنا العربية.
إن التخلص من كل تلك الأمور التى تعمل على تقويض صرح اللغة العربية وريادتها بين اللغات لابد له من عمل تتضافر فيه جهود اللغويين والتربويين معا حتى يغرسوا فى نفوس هذه الأجيال والأجيال القادمة الثقة فى اللغة العربية الفصيحة لأنها قيمة مكتسبة وليست فطرية ، ولا أظن أن ذلك العمل بالهين ،إنه يحتاج لوقت طويل وخطط واضحة محددة ، وعمل دؤوب وقرار سياسى عربى يجسد مفهوم تعريب الحياة العربية بكل جوانبها علمية وثقافية وقومية ووطنية.
|
|
|
|
|