|
|

رافعة المستقبل
أ. صفية الشحي
هل هناك ما يكفي من المعلومات حول نصيب اللغة العربية من المحتوى الذي تبثّه وسائلنا الإعلامية المرئية والمسموعة على مدار الأربع والعشرين ساعة؟ وهل يعزز القائمون على إعلامنا المحلي فكرة أن العربية لا تصلح إلا للخطاب الإخباري والرسمي؟ في واقع الأمر لا أملك إجابات شافية لهذه التساؤلات وغيرها، خاصة مع الجدل المتكرر الذي يثيره يوم لغتنا الأم العالمي بتعيين من اليونيسكو، ليصادف الثامن عشر من ديسمبر في كل عام.
في واقع الأمر، ليس الغريب أن يتحدث العربية كلغة أولى أكثر من ٢٩٠ مليون نسمة حول العالم، يضاف إليهم ١٣٠ مليون نسمة ممن يتحدثون بها كلغة ثانية - حسب تقديرات الأمم المتحدة في ٢٠١٧- إنما تكمن الغرابة بالنسبة لي هو أن نجد أنفسنا، خاصة كإعلاميين، في موقف المبرّر لضرورة هذا الاحتفال ولأهمية هذا الانتشار، وربما التأكيد على جمال الضاد واستثنائيته، بينما يكاد لا يفرّق معظمنا بين التاء المربوطة والمفتوحة أو بين الهاء والتاء في آخر الاسم، دون حاجة للتذكير بطريقة نطقنا للضاد، سر تباهينا العظيم بأن هذه اللغة لا تضاهيها لغة أخرى! ما الحكاية إذن؟
أعتقد أن تغيّر كفة الأولويات بالنسبة للإعلام - في فترة ما - من دور الرسالة التي قوامها اللغة، إلى هدف الترفيه والذي تمثّل الصورة حجر أساس فيه، هو أحد الأسباب التي ساهمت في تهميش الفصيحة من خطاب الحياة اليومي، وربما كانت عقدة التأسيس اللغوي التي رافقت الكثيرين في مراحل حياتهم الأولى نقطة أخرى لا يمكن إغفالها، كما أن «رأس المال العالمي» يسمع صوته للعالم بلغة إنجليزية، تنمو قواميسها سنوياً بمصطلحات واختصارات، منبت كثير منها هي الشبكة العنكبوتية، ولو عدنا إلى نقطة أولويات الإعلام، فإن مسألة اختيار مقدم المحتوى عبر الشاشة والأثير قد تتم فيها المفاضلة وفق منظور الشكل والقبول العام والمتابعين مؤخراً على حساب الثقافة اللغوية.
ولكن لنقل إن هناك أملاً كبيراً نعلّقه اليوم على مشاريع مختلفة، أطلقتها قيادة الإمارات هذا العام في سبيل إعادة التوهّج إلى وعاء فكرنا وعطائنا الإنساني، وأبرزه تمثّل في مشروع تقرير «حالة ومستقبل اللغة العربية» الذي سيركز على مجالات الإعلام والتواصل الاجتماعي والتأليف والترجمة، ضمن أجندة الإمارات الوطنية للغة العربية التي يعمل على تطويرها المجلس الاستشاري للغة العربية، الأمر الذي يجعلنا نفتتح عام ٢٠١٩ برهان قوي على إحدى أهم رافعات مستقبل هذا الوطن، اللغة، بحثاً وتعليماً وإبداعاً، والإعلام رسالة وعطاء لا ينضب.
العرب اليوم
|
|
|
|
|