أ. مفيد نجم
على غير العادة كان الاحتفال بيوم اللغة العربية نهاية العام المنقضي مناسبة لسجال واسع، بين المدافعين عن هذه اللغة، والمشككين بقدرتها على التطور ومواكبة العصر. وكان كل من الطرفين يجتهد في عرض الحجج، التي تدعم موقفه، وتؤكد رجاحة رأيه. والحقيقة أن هذا السجال لم يكن يختلف عن سجالاتنا حيال قضايا أخرى، حيث يصبح الدفاع عن الرأي أهم من الوصول إلى الحقيقة.
يتلخّص الموقف المدافع عن العربية بالحديث عن ثراء هذه اللغة، وقوتها كما تجلت في تأثيرها في لغات أجنبية عديدة، وقدرتها على التطور، في حين ينفي عنها الآخرون هذه الصفات، ويؤكدون أنها هزمت أمام اللغات المحكية. إن هذا التباين الكبير في المواقف هو وجه آخر لهذه الأزمة، التي يعيشها العقل العربي، والتي تجعل لغة السجال تحل محل لغة الحوار الموضوعي والهادف.
كانت العربية لغة حضارة وعلم ولذلك أثّرت في لغات عالمية، واليوم لم تعد كذلك، ولذلك أصبح تأثير اللغات الأجنبية عليها تحديا واضحا لها. المشكلة باتت في كيفية استعادة هذه اللغة دورها السابق، في أن تكون لغة علم وحضارة، وهو ما يجب النقاش حوله.
لم تزل العلوم في جامعاتنا تدرس باللغات الأجنبية، وما يزال الجدل محتدما بين النخب العلمية، حول قدرة العربية على استيعاب علوم العصر وتدريسها في جامعاتنا. كذلك لم تزل مجامع اللغة العربية أشبه ما تكون بالمتاحف، عاجزة عن تفعيل دورها والتنسيق في ما بينها، حول قضايا اللغة ومشاريع تطويرها لكي تصبح قادرة على مواكبة التطور العلمي والتقني في العالم.
ولا يختلف الحال بالنسبة لطرق تدريس العربية ومناهجها وإعداد كوادرها علميا وتربويا، في مواجهة التحديات التي تواجهها العربية من قبل اللغات العالمية، التي فرضت هيمنتها بوصفها لغة العلم والتكنولوجيا وحتى وسائل الاتصال المختلفة. كل هذا يجعلنا بحاجة كبيرة إلى جعل الاحتفال بالعربية، مناسبة لإعادة التفكير والبحث في طرق تطويرها وتعزيز مكانتها في حياتنا العلمية والثقافية والاجتماعية، لكي ننتقل من السجالات غير المجدية، إلى البحث عن إجابات علمية للأسئلة الكبيرة، التي تطرحها علينا العربية في هذا العصر.
إن تفعيل دور المجامع اللغوية العربية، وتوثيق علاقاتها مع مراكز البحث والإعلام والثقافة والتربية، والعمل المستمر على تطوير مناهج تعليم اللغة العربية، لكي تواكب التطور في طرق التدريس الحديثة، ووضع الخطط المدروسة والعلمية الطموحة للنهوض بواقع هذه اللغة، في جميع مجالات الحياة، هو ما يجب أن تسعى إليه الجهات المعنية بها، دون أن ننتظر هذه المناسبة السنوية للتغني بها، ونتجاهل ما هو مطلوب من أبنائها لتجديد حياتها.
العَرب