للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أدب عربي بلسان فرنسي

أ. منصف الوهايبي

 

استقبل الأوروبيون إجمالا الأدب المغاربي ذا اللسان الفرنسي، من شعر ونثر بحفاوة لافتة، وإن حاروا في تصنيفه؛ فقد باشروه من منظورين اثنين، فثمة من اعتبره فرنسيا بملمح عربي، وثمة من اعتبره عربيا، بتعبير فرنسي. فجون سيناك يتكلم بخصوص الجزائر على « كتابة فرنسية» و«تعبير فرنسي» ولكن بـ«ملمح جزائري». وشاطره آخرون الرأي نفسه، فأشاروا إلى إنه «أدب جزائري بملمح عربي، ولكن بلغة فرنسية.» واستعمل آخرون مصطلح «اللغة الناقلة» أي تلك التي تستخدم في الاتصالات بين شعوب ذات لغات أم مختلفة، وقالوا إنه «أدب بلغة فرنسية ناقلة»؛ وكأن اللغة مجرد وسيلة نقل للفكر أو للصوت أو للرأي أو للموقف.

أما المستعرب الفرنسي المعروف أندريه ميكال فقال عن أدب المغربي الطاهر بن جلون إنه «أدب عربي مكتوب بالفرنسية» على إقراره بأن ما نسميه أدبا فرنسيا هو الأدب المكتوب بالفرنسية، وأن هناك طريقة في الكتابة بالعربية منقولة إلى الفرنسية. والإشكال في تقديره يكمن في معرفة الجوانب المتبادلة بين فرنسا والعالم العربي؛ أي تلك التي تكون هذا الأدب.
عام 1985 كتب الطاهر جعوت: «أعتقد أن من نسميه كاتبا جزائريا هو الكاتب الذي يحمل الجنسية الجزائرية، ولا ينظر إلى بيئته وإلى العالم، إلا من منظور جزائري، يغني الجزائر، ويدرجها في سياق القيم العالمية». وقال كاتب ياسين عن كتاب التونسي الطيب السبوعي «امرأة كاتب ياسين المتوحشة» وكنت نقلت صفحات منه إلى العربية، ونشرتها في «القدس العربي»: «قرأت هذا الكتاب مرتين. وفي كل قراءة، كنت أجدني؛ كما لو أنني أجوس غابة الأحلام، في دروب لا تفضي إلى أي مكان. أستشعر هذا التيه في أثري، كلما أوغلت في الطريق المسدود [الردْبُ] بين المونولوج الذي يتلاحق بالفرنسية، وإكراهات المسرح الراهن، بالعربية المحكية ولغة تمازيرت. مدهشة حقا هذه الصفحات من قراءات مغاربي، نحس فيها؛ وهي المكتوبة بالفرنسية، طعم العربية اللذيذ؛ تلك التي يتكلمها التونسيون… وكنت أستذكر أغنية قديمة مع الكريطة» [عربة اليد]، أغنية موجعة كلها فكاهة» تناسب المسرحية، كما ينبغي حقا. وأقول وأنا أصغي إليه، الحقيقة هذه هي العربية المحكية وقد تُرجمت إلى الفرنسية. ويكفي أن نعيد الكتابة باللغة الأم وفيها، لنقف على القريحة نفسها، تلك التي تنبض في الأغنية».
 
إذن يحسن بنا أن نأخذ هذا السياق بالحسبان، حتى لا يذهبن في الظن أننا إزاء وحدة ثقافية متجانسة، أو نجعل الجغرافيا تحجب عن التاريخ؛ ولكل من هذه البلدان على وشائج القربى التي تجمع بعضها ببعض أو «الجوار الروحي» كما نحب أن نسميه؛ شخصيتها الثقافية، وتاريخها الخاص. فالجزائر اعتبرتها فرنسا «فرنسية» من عام 1830 إلى 3 يوليو/تموز 1962، وسعت إلى «فرنستها» والاستحواذ على روح شعبها، ومحاصرة العربية بل حظرها، بكل الطرق والوسائل. وأما المغرب فكان «محمية» من عام 1912 إلى 2 مارس/آذار 1956 شأنه شأن تونس من 1881 إلى 20 مارس 1956؛ وفيهما احتفظت العربية بمكانتها، بل بكثير من ألقها. على أن البلدان الثلاثة وجدت في الفرنسية ما يغني ثقافتها العربية الإسلامية، فهي»نافذة مشرعة على عالم المنطق والعقل والقياس» بتعبير الملك الحسن الثاني، و«المكسب الإيجابي الوحيد من الاستعمار» بتعبير مولود قاسم نايت بلقاسم المسؤول عن المجلس الأعلى للغة الوطنية. وفي تونس أنشأ الوزير الأكبر خير الدين مدرسة الصادقية عام 1975 وأدرج الفرنسية في برامجها؛ فكانت منارة تجاذب جامع الزيتونة العريق مكانته، ومثلما تخرج في الزيتونة الشاعر أبو القاسم الشابي الذي كان «يحلق بجناح واحد منتوف الريش[العربية]» بعبارته؛ تخرج في الصادقية الكاتب محمود المسعدي ذو اللسانين العربي والفرنسي، وبهما كتب بالقوة نفسها. وعام 1968 صرّح الرئيس الحبيب بورقيبة في مونريال بأن التونسيين لم يروا قط في الفرنسية أي نوع من أنواع «التقهقر الثقافي»؛ بل «إن تونس صنعت عقلية جديدة… بواسطة الفرنسية من حيث هي عامل بناء ولقاء وتواصل وإغناء قوي».
إذا كانت الآداب المغاربية (في تونس والمغرب والجزائر) المكتوبة بالعربية ترجع تاريخيا إلى الحقبة الأولى من الفتح العربي؛ فإن قرينتها المكتوبة بالفرنسية حديثة الميلاد، إذ نشأت خلال الحقبة الاستعمارية، وتحديدا في النصف الأول من القرن العشرين، بل إن الفرنسي جون دايجو، يرجع ظهورها من منظور أدبي جمالي، إلى الخمسينيات من القرن الماضي. وهو يعزو ذلك إلى أسباب من أبرزها الدور الذي نهضت به بعض دور النشر في التعريف بهذه الآداب ذات اللسان الفرنسي؛ وهي تحديدا: سوي ودونوال وبلون، وكان قراؤها من الفرنسيين محدودين في هذه الفترة؛ ثم أخذ عددهم يتزايد شيئا فشيئا؛ بفضل الجوائز التي حصل عليها كتاب معروفون مثل الجزائري كاتب ياسين (الجائزة الوطنية الكبرى للآداب عام 1986) والمغربي الطاهر بن جلون (جائزة غونكور1987).
 
ويمكن القول بدون أي تمحل أو تحيف على الآداب المغاربية ذات اللسان الفرنسي أو التعريض بها، إنها تنضوي إلى الأدب الفرنسي عامة؛ لأن الأدب إنما ينسب إلى اللغة وليس إلى الجغرافيا؛ أو هي تنضوي إلى «الفرنكفونية» بالمعنى الثقافي للكلمة. على أن جون دوجو يلاحظ، عن حق أن «فرنكوفوني» لا تعني ضرورة «فرنكوفيل»[محب لفرنسا]، وأن هؤلاء الكتاب المغاربيين من ذوي اللسان الفرنسي، يكتبون بدون أن يتنصلوا من هويتهم الوطنية؛ بل هم يلحون في مؤلفاتهم وفي حواراتهم؛ على أنهم جزائريون ومغربيون وتونسيون. والحق أن الكلام على أدب/ آداب مغاربية، بلا زيادة أو بهذا الإيجاز الخاطف؛ محفوف بمحاذير شتى، ولا نخاله يفضي بنا إلى طريق سالك، أو هو يوقفنا على صورة الأدب المغاربي بأظهر أبعادها وزواياها؛ أو يجعلنا نعرفها حق المعرفة. ذلك أن بلدان المغرب العربي تنص دساتيرها على أن العربية لغتها الرسمية، وأن ثقافتها عربية إسلامية. من ذلك تصريح أكثر من مسؤول جزائري بأن: «اللغة العربية هي مرجعية دستورية وحضارية وثقافية ومبدأ تم الفصل فيه نهائيا، إلى جانب اللغة الأمازيغية التي تعتبر لغة ينبغي تطويرها وتعميمها في إطار تحصين الوحدة الوطنية».
وهذا من شأنه أن يسوق إلى التريث والحيطة، حتى لا يتم تعميم «النموذج القبائلي» على مجمل مناطق المغرب العربي؛ كما ذكرت في مقال لي في «القدس العربي»، وأنا أعلق على كتاب سالم شاكر «الأمازيغ وقضيتهم في بلاد المغرب المعاصر/ ت. حبيب الله منصوري، دار القصبة للنشر بالجزائر 2003». ومهما يكن عدد هؤلاء، فإنهم يظلون أقل بكثير من الناطقين بالعربية أو المحكيات العربية. وبلاد المغرب عرفت عملية تعريب بطيئة. ولعلها تمت مع الغزو الهلالي في القرن الخامس للهجرة(11م). وهو ما يعزز من وجاهة الرأي القائل بأن الأغلبية من الناطقين بالعربية اليوم هم «أمازيغ معربون» كان أجدادهم في بلاد المغرب والصحراء يتكلمون الأمازيغية، ثم تحولوا إلى العربية لأسباب لغوية وثقافية معيشية أيضا، وليست دينية فحسب كما يقع في الظن. ويذكر الباحث أن البونيقية وهي لغة سامية من أخوات العربية، قد تكون من العوامل التي ساعدت على ترسيخ العربية في منطقتين من بلاد المغرب هما تونس والشمال القسطنطيني. فالعربية لم تحل دائما محل الأمازيغية بل محل البونيقية. وهذه أطروحة كان لها شأن في الخمسينيات من القرن الماضي. على أن هناك عوامل أخرى حافظت على التعدد اللغوي في بلاد المغرب، وهي جغرافية (عزلة المناطق الجبلية) وديمغرافية (الكثافة السكانية) واقتصادية (عوامل نظام الإنتاج وامتلاك الأرض).
يقول ديجو «إن في بلاد المغرب الكبير، أدبا ناطقا بالعربية قديما جدا، هو متجدد منذ استقلال بلدانه؛ فثمة كتابات بالبربرية منشورة يوازيها أدب شفوي شعبي غني لا يزال يرفع من شأن التراث الثقافي. فالمغرب الكبير واحد شتى [واحد في صيغة الجمع].»
 
ولعل مرد التشويه إلى مصطلحات غير دقيقة أو هي مشحونة بجملة من المعاني التنقصية، مثل المصطلح «بربري» وما يحويه من خلط في الاستعمالات اللغوية عندنا؛ فـ»برْبرَ» تعني الكلام بلا منفعة والصياح في غضب. و«تبربر» لحق بالبربر فتوحش. و«البربري» واحد البربر وهم سكان الشمال الإفريقي الأصليون. ويُطلق الاسم في مصر على الزنج والحبش، ولكنه يرد أيضا بمعنى القساوة والظلم كما في قولهم « عمل بربري». والفرنسية هنا أوضح إذ تميز بين BerbèreوBarbare
أما وقد تعذر في العربية مثل هذا التمييز، فإن استعمال «أمازيغي» يفي بالمرام، خاصة أن أمازيغ اليوم يرفضون تسميتهم بـ«البربر» بسبب الخلط الذي أشرنا إليه.
وحاصل الرأي من هذا السجال الذي يكاد لا يتوقف، أن هناك أدبا مغاربيا بلسان فرنسي وملمح مغاربي، أو «أدبا مغاربيا عابرا للحدود». ومهما يكن فإن الخبراء العرب اعترفوا في اجتماعهم باليونسكو عام 1969 بأن هذه الآداب جزء من الثقافة العربية المعاصرة.
 

القدس العربي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية