أ. إيهاب حمدي
احتفى العالم باللغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر، وهو اليوم العالمي لها، باعتبارها إحدى اللغات الرسمية العالمية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، ويأتي الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر لأنه اليوم الذي أقرت به الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها ولكافة المنظمات الدولية المنضوية تحتها.
والعربية هي لغة العالم الرابعة في ترتيب اللغات الأكثر انتشارًا وتداولًا على الكرة الأرضية بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن العربية هي اللغة الأم لأكثر من 290 مليون نسمة في العالم، معظمهم في العالم العربي، يضاف إليهم 130 مليونًا يتكلمونها كلغة ثانية، وتتوقع الدراسات أن يصل عدد المتحدثين بها نحو 647 مليونًا سنة 2050.
إن لغة الضاد أو اللغة العربية من أغنى وأدق لغات العالم من حيث الكلمات والمعاني، إذ يتجاوز القاموس العربي 12 مليون كلمة، بحسب قاموس “المعاني” الإلكتروني، وتنفرد العربية بحرف الضاد الذي لا مثيل له في أي لغة أخرى.
إذن، نحن أمام لغة وتراث لها جدير بالاهتمام والتبجيل والنشر، أمام لغة بها من البلاغة والبيان والمفردات الجميلة، والتعبيرات المهذبة والراقية ما يجعلها حية بين أبنائها ومحط نظر واهتمام من لا ينطقون بها.
وللعربية ميزة عن غيرها وهي أنها لغة القرآن الكريم الذي عصم العربية من الزوال وحفظها وجعلها مقصدًا للمسلمين من جميع أنحاء العالم.
هناك لا شك مسؤولية سياسية تقع على عاتق المؤسسات السياسية والهيئات الرسمية والأهلية في وطننا العربي، من تلك المسؤولية تشجيع الإبداع بالعربية وتشجيع الترجمة والنشر في كل الحقول، فاللغة كائن حي يتغذى بالإبداع والنشر والتأليف والترجمة.
أما فيما يخص المجال الإعلامي والفني فيجب أولًا وقبل كل شيء محاربة ووقف سيل الأغاني الهابطة والبرامج الفارغة التي تضر بالعربية وبالشباب العربي، وبدلًا من ذلك يجب تشجيع برامج إعلامية تتخذ من اللغة العربية الصحيحة الوسطى وسيلة للوصول للشباب العربي وتثقيفه وتربيته، فنحن في حاجة ماسة إلى إعلام يتحلى بروح المسؤولية.
أما الدراما والسينما فهما ربما تكونان رأس حربة معركتنا للحفاظ على هويتنا العربية ولغتنا الجميلة، لما لهما من تأثير قوي وفعال على شرائح المجتمع جميعًا، فيجب أن تكون اللغة العربية حاضرة في أفلامنا السينمائية ومسلسلاتنا، دون تكلف أو تعقيد لا نقول إن الفصحى هي الحل الأمثل، لكن لا بد أن يحتاط الكتاب من أن ينزلقوا لمفردات تضعف اللغة وتميعها وتدخل عليها ما ليس منها ولا فيها.
لا شك أن للدراما التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي الإسلامي مادة لها، ومن اللغة العربية الفصحى وسيلة لها قد حققت نجاحًا باهرًا منقطع النظير، خصوصًا تلك التي كتبها المبدع الفنان الدكتور وليد سيف وما مسلسلات صقر قريش، وربيع قرطبة، وملوك الطوائف، وصلاح الدين الأيوبي منا ببعيد، تلك المسلسلات التي تستمع فيها للتراكيب اللغوية البديعة والمفردات الجميلة والأوصاف الأخاذة التي تجعلك تعشق اللغة العربية وآدابها.
لم لا تشجع الحكومات والمؤسسات الرسمية أعمالًا مثل تلك؟ وهي بجانب أنها تخبرنا التاريخ وتجسده أمام أعيننا، ترقى بذوقنا الأدبي وتحافظ على جمال لغتنا من سيل الركام الذي امتلأت به الفضائيات ومواقع الإنترنت.
الوطن