|
|

لغة الملائكة
أ. حسن أغا
أستوقفنى ما كتبه أ.أحمد البرى تحت عنوان «قانون طال انتظاره» حيث قال فيه! «إذا انطمست لغة قوم، ضاعت هويتهم»، والحقيقة أننا نوشك أن نقع فى هذا الفخ بإرادتنا بعد أن سيطرت علينا كلمات وعبارات أجنبية نرددها فى حياتنا اليومية بما يؤكد أن اللغة العربية تعانى خطرا شديدا.. ثم قوله «إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.. فهيا ننقذ لغتنا الجميلة».
وما ينتصر له، ويدعو إليه، من قانون لحماية اللغة العربية هو دعم وتأصيل (لسوابق) قانونية وأسانيد قومية معتمدة وتعود بنا الذاكرة سنوات إلى الوراء إلى النمسا حين قامت الدنيا ولم تقعد، يوم 5 مايو 2003، احتجاجا على مجرد (ورود) كلمتين أجنبيتين عرضا فى أحد الإعلانات التجارية بالتليفزيون واعتبر ذلك إساءة لا تغتفر للغة القومية الألمانية وفى فرنسا صدر عام 1975 (قانون اللغة الفرنسية) الذى يعاقب كل من يسيىء إلى اللغة الفرنسية نطقا وكتابة، بغرامة مالية رادعة وشكلت من فورها جهازا لرصد هذه التجاوزات وإحالتها إلى (المدعى العام)!! وفى بلادنا العربية حسمت السعودية الشقيقة، الجدل المحتدم حول الدعوى إلى استخدام الأرقام الأفرنجية بدلا من الأرقام العربية الأصيلة فأصدرت أمرا ملكيا برفض المشروع الداعى إلى استخدام الأرقام الأفرنجية بدلا من الأرقام العربية لعدم جواز تغيير الأرقام المستعملة حاليا إلى الأرقام المستخدمة فى العالم الغربى، وقد صمدت اللغة العربية، على مدى الزمان، لكثير من المحن والخطوب بين غلبة المستعمرين، وكيد الكائدين، ومع ذلك يؤلم النفس، على مدى العمر كله (80 سنة) دعوة الكثير من أبناء العربية ذاتها (ولا تتسع لها المجلدات اعتبارا من ثلاثينيات القرن الماضى تجاهلا ـ ولا نقول جهلا ـ بإعجاز اللغة العربية، وتفردها وجلالها بالدعوة ـ ظاهرها الرحمة وباطنها الدمار ـ إلى تيسير كتابتها بالحروف اللاتينية ـ تارة ـ أو (تبسيط حسابها بتدوينها بالأرقام الأفرنجية) ـ تارة أخرى وأخيرا الدعوة إلى حذف واستبعاد أبواب كاملة من نحوها، وصرفها (ومنها الممنوع من الصرف!!) وهو من دلائل إعجازها مع المطالبة بلغة عصرية (شيك) خالية من التعبيرات المهجورة (كالحيزبون، والدردبيس!!) ظنا منهم أنها من (غريب اللغة ووحشيها).. وهو جذوة الإعجاز فيها واستخدام التعبيرات الأجنبية (كالدليفارى) و(التيك آواى)، و(التيك هوم) و(الماركت) و(المول).. وغيرها التى كانت (عرضا) فأصبحت (مرضا) فى حياتنا اليومية.. واللغة العربية ـ لغة الوحى والملائكة لغة مقدسة هى تنزيل من رب العالمين يقول تبارك وتعالى مخاطبا رسوله الكريم: «نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين «بلسان عربى مبين» حينما كانت الآى تترى والخوارق جمة، رواح بها غداء جبريل «عليه السلام» حامل الوحى، وأحد حملة العرش العظيم لمدة تقارب ربع قرن هى عمر الوحى والسنة النبوية المشرفة وعز وجه الله، أن ينزل الروح الأمين، بوحى يقطر سلسلا من سلسل بلغة يشوبها مثقال ذرة ـ والذرة هى النملة الصغيرة ـ من كدر أو رنق.. بل بأكرم اللغات وأعظمها، وأدقها وأرقاها: يقول تبارك وتعالى: «الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا»، ويقول تعالى: «قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون»، (ومعناها: (قرآن عربى: لا اختلال فى ألفاظه أو تباين معانيه) ـ واللغة العربية هى معجزة إلهية، تملك من مخارج الحروف 28 حرفا بازغا، جمعت كل ما فى خلق (الصوت البشرى) ـ الحلقية واللسانية ـ من آيات ومعجزات و(مساحات) تشهد بها علوم الصوتيات (فونيك) ومن ناحية العلوم اللغوية البحتة (الفيلوجى: علم اللغات) يتوافر للغة العربية، ثروة لا تقدر من الأصول والجذور فلها ما يزيد على 15 ألف جذر بينما يتوافر للغة العبرية ـ أقرب اللغات الشرقية ـ 2500 جذر ولغة الساكسون (الانجليزية) ـ أشهر اللغات العالمية ألف جذر وإعجاز اللغة العربية، لغة الملائكة ـمع إتقان نحوها وصرفها، وجمال إيقاعها، وعذوبة ألفاظها وتعدد جذورها وروعة خطوطها وموسيقاها هى بحر فى أحشائه الدر كامن تتمتع بثروة هائلة لا يتخيلها العقل البشرى المجرد (وتحتاج مجلدات) من المفردات والمترادفات (والثنائيات) والدقة اللفظية لا تدانيها لغة أخرى فى الوجود.
ومع هذا الإعجاز اللغوى النادر الوجود يمكن أن يقتصر تعليم النشء فى مراحل التعليم الإلزامى على (النحو الميسر) الذى يقتصر على ما يكفى لتقويم اللسان والبيان، ويقى من العجمة واللحن والأخطاء اللغوية على أن نحتفظ (بالمستوى الرفيع ) فى النحو والصرف وعلوم اللغة لسدنة العلم المتخصص من طلاب المعارف والبحوث اللغوية بالمعاهد العليا.
الأهرام
|
|
|
|
|