للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

راهن اللغة العربية في أوطانها - النظرة المستقبلية - 3

د. محي الدين عميمور

يبدو هنا أن طريقنا نحو التألق الحضاري العالمي المنطلق من نهضة ثقافية وطنية شاملة مرهون بأمرين، أولهما توحيد مناهج التعليم في الوطن العربي كله، بحيث تكون لغة العلم القاعدية هي العربية، ومن هنا أشرت إلى منهج تعليم الفرنسية، وثانيهما أن ندرك بأن الإسلام يضم قوميات متعددة يزداد تألقها يوما بعد يوما، بينما لا تجد أهم القوميات طريقها نحو موقف موحد يضمن لها مكانها ويكفل لها مكانتها، لأنها لم تفهم ضرورة التكامل بين القومية والدين، وما زالت أسيرة أحقاد الجمال الجرباء ورهينة الخلفيات الظلامية وحسابات أشباه الزعماء.
وأنا أعرف أن هناك من يزعمون بأن كلاما كهذا هو من قبيل "لغة الخشب"، لكن الحقائق عنيدة، والدراسة المتأملة للواقع تثبت بأن من يرددون هذه المزاعم هم جزء من أسباب نكبتنا، لأنهم جزء رئيسي من جموع "الطلقاء"، الذين سرقوا الإسلام بالأمس ويسرقون اليوم أوطانا تهاونت في الحفاظ على مقومات وجودها.
والخروج من هذه الوضعية التي تختلط فيها المأساة بالمهزلة، بحيث لا يعرف الإنسان هل يضحك أم يبكي، منوطٌ أولا بالطبقة السياسية، سلطة ومعارضة، وبجمعيات المجتمع المدني التي تدرك دورها في خلق الانسجام الاجتماعي العام, ويتلخص الأمر هنا بكل بساطة في أن يجعل كلٌٌّ من الانتماء الحضاري العربي الإسلامي جزءا أساسيا من برنامج عمله ونظام حياته، يسهر على رعايته ويراقب فعاليته ويحاسب كل من هم تحت سلطته على أدائهم لمستلزماته.
وربما كان أهم الأدوار هنا ذلك المنوط بالتجمعات الوطنية، أحزابا أو جمعيات، التي تنادي باللغات أو اللهجات الجهوية، والتي يتحتم عليها أن تدرك أن اللغة الوطنية والرسمية هي تلك التي تجسد تواصلا حضاريا يمتد من الأمس إلى الغد، وجسرا وجدانيا يربط بين كل أبناء الأمة، وساحة فكرية تلتقي فيها جموعهم، وقاعدة لبناء مشروع المجتمع الذي يعكس الإجماع الوطني الواعي، ويترجم الإرادة الوطنية في المجالات الداخلية والخارجية.
ولغة التواصل بالتالي ليست مجرد موروث صوتي، تجاوزه الزمن والعلم والتطور ويتعصب له البعض بحكم انغلاق مفتعل، ولا هي مجرد حنين لوجودٍ سكاني قديم، ينطبق عليه قوله تعالى " تلك أمة قد خلت"، أو توقف عند لحظة تاريخية، كانت جنينا نما وتطور فتغيرت معالمه، يتجاوز الاعتزاز المشروع بالطفولة إلى تشبث ببعض صورها، والنتيجة شروخ وطنية تفتت الأمة وتعرقل بناء المجتمع الواحد.
وهنا لا بد أن نسترشد بتعامل بلدان العالم المتقدم مع تاريخها وثقافتها وحضارتها وتطور لغاتها، ونقتدي ببرامجها المستقبلية التي تحقق ديناميكيتها المتواصلة، حتى لا نكون شيئا مثل الهنود الحمر في المُحتشدات الأمريكية.
وهذا يفرض أن يكون التعامل مع اللغات المحلية ولهجاتها المختلفة كجزء من كل، يُهتدى في ممارساته بتجارب الأمم التي تملك شعوبها جذورا مشتركة وثقافات متعددة وتاريخا واحدا ومستقبلا متكاملا، ولست أرى في بلادنا مجالا للخلط بين الاعتزاز بالأمازيغية كعمق تاريخي وكلغة وطنية وبين الانزلاق إلى اعتبارها عرقا مستقلا عن عرق باقي الأمة.
ومن جانب آخر فإن وطنية اللهجات في بلادنا يجب ألا تنطلق من الكره المرضيّ للعربية (ARABOPHOBIE) والذي زرع الاستعمار بذوره في بعض مناطقنا ويتأكد دور المخابرات الأجنبية في محاولة استغلاله، ومن معالمه قصر الثنائية اللغوية على اللهجة المعنية واللغة الفرنسية دون غيرها، ثم يأخذ الأمر طابعا مستفزا هدفه مجرد إثبات الوجود وتسجيل المواقف بما يُحوّل اللهجة أو اللغة المستعملة إلى "غيطو" ينغلق حول نفسه ويستثير عداء لا مبرر له.
والواقع أن قضية اللهجات تحتاج دراسة واعية.
وأنا لست خبيرا في اللسانيات لكنني أتصورُ أن ما يُقصد به، غالبا، من تعبير اللهجة (Dialecte) هو في واقع الأمر لكنة (Accent) وهي اختلاف في نطق كلمة لا يُغيّر من كتابتها، فكلمة: "مشينا" تنطق في الجزائر بجزم البداية، بينما تفتح الميم في النطق المشرقي، ولا اختلاف جوهريا عن الفصحى في الحالتين.
ويُمكن أن تحرّف بعض الكلمات نطقا وكتابة، كأن تقول "فيروز" ... "نطرتك" في الصيف، وتقصد ..."انتظرتك" في الصيف، ومثلها كلمة "المسيد" في الجزائر والدالة على المدرسة والتي هي تحريف لكلمة "المسجد" بتحويل الجيم ياء، ومثلها كلمة "الحيّة" في الغرب الجزائري والتي يقصد بها "الحاجة"، ولكن تغير الكلمة الدالة على معنى مُعيّن هو الذي يُحول اللكنة إلى لهجة، ففي لبنان مثلا نجد كلمة "العجقة" التي تعني "الزحام" أو كلمة "بلّشنا" وتعني "ابتدأنا"، وهو ما يُضاف إلى طريقة النطق لتكون اللكنة لهجة.
ورغم أن العامية، بلكناتها ولهجاتها، يمكن أن تكون مصدر إثراء للغة الفصحى، فإن الفصحى هي دعامة الوحدة اللغوية، وهي التي تجعل من الشعوب أمّة، ومن هنا فإن المطلوب هو الالتزام في الحياة العامة بلغة تقترب من الفصحى، اكتفاء بتسكين الأواخر وابتعادا عن استعمال الكلمات المُغرقة في إقليميتها، خصوصا في المواد الإعلامية التي تسوق عبر التلفزة والإذاعة والأفلام السينيمائية.
وأذكر من جديد، ونحن نعيش أمطار الشمال الثقافية والإعلامية، بأن اللغة الوطنية هي جزء أساسي في إستراتيجية الأمن القومي (Sécurité Nationale) وهو ليس أمرا يحتكره رئيس أو وزير أو مؤسسة سيادية بل هو مهمة الجميع لأنه مسؤولية الجميع، والمثقفون الوطنيون هم النخبة المنوط بها السهر على نقاء اللغة وانتشارها عبر التعامل اليومي، خصوصا عندما يكون بجانبهم قانون يدعم نشاطهم ويحمي حركتهم من كل اتجاهات التلوث اللغوي، وتكون وراءهم طبقة سياسية واعية، بالمعنى الحقيقي لكلمتي الطبقة والوعي.

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية