للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة المتحيزة تعرقل المساواة بين الجنسين

أ. شيماء رحومة

 

قاد أساتذة فرنسيون، في العام 2017، حملة جمعوا خلالها نحو 27 ألف توقيع في عريضة تطالب بإلغاء قاعدة التذكير والتأنيث في اللغة الفرنسية باعتبارها تحيزا ضد المرأة. إلا أن الأكاديمية الفرنسية وقفت بوجه هذه الحملة التي قادها نحو 300 أستاذ، معتبرة في ذلك تهديدا للغة الفرنسية بالموت والانحسار و”هجوما عليها وهدما لقواعدها”.

ووصل الجدل بشأن اللغة وتغيير قواعدها إلى مؤسسات الدولة الفرنسية، فأصدر رئيس الوزراء حينها، إدوار فيليب، مذكرة تمنع إلغاء التذكير والتأنيث في المراسلات الرسمية، جاء فيها أن “صفة التذكير حيادية يمكن استعمالها لتشمل المرأة”.

لكن هذا القرار وسع دائرة الجدل في أوساط المثقفين ودعاة المساواة بين الجنسين في اللغة وخبراء اللغة والتعليم في فرنسا، وهو جدل امتد أيضا ليشمل مجتمعات لغوية أخرى، ومنها اللغة العربية، التي تجمع من المفارقات الذكورية/الأنثوية الكثير.

تلتقي أغلب اللغات عند نقطة أن تغليب المذكر على المؤنث مصدره الرئيسي أن واضعي اللغة وقواعدها على مر التاريخ هم الذكور. واليوم، ومع التحرر من قيد سيطرة جنس على آخر، وإن بصورة نسبية، تعالت الأصوات المطالبة بالمساواة في اللغة أيضا. ويرى أنصار المساواة أن تغليب المذكر على المؤنث في قواعد اللغة تحيز ضد النساء، وأنه حان الوقت لتغيير هذا “الإجحاف”، وقد بدأ بعض الكتاب فعلا يخرجون عن هذه القواعد في كتاباتهم.

النحاة رجال
يقول خبراء لـ”العرب”، إن اللغة العربية تحمل في طياتها جريرة مجتمع ذكوري فصّلها وفق نظرته للمرأة. ويذهب البعض إلى تبني نظرية “المؤامرة” باعتبار أن جميع النحاة الأولين هم رجال.

وهناك من يرى أن اللغة خاضعة لسلطة المجتمع الشرقي الذي يتباهى بكونه مجتمعا ذكوريا أبويا، يمجّد الرجل على حساب المرأة، بما أن اللغة ليست ظاهرة لوحدها، بل هي تابعة للعادات والتقاليد.

وفي مسعى موضوعي لتحليل ظاهرة ذكورية اللغة، التي هي في الأساس كلمة مؤنثة، وفق قواعد التأنيث في اللغة العربية، حاول العديد من الباحثين تتبع المسار الذي انتهجه النحاة في وضع القواعد اللغوية للوقوف على هذا التحيز.

ويشير الباحث العراقي في التراث الإسلامي، رشيد الخيّون إلى أن “كتبا عديدة صُنفت، خاصة بقواعد العربية، لتدارك الالتباس بين المذكر والمؤنث في الأشياء، حتى أن البعض يعتبر تذكير بعض الأشياء لا ينسجم مع اللفظ، فالبطن مذكر والبئر مؤنث، ولا يفوتنا بيت أبي الطيب المتنبي (وما التَّأنيث لاسم الشّمس عيبُ/ ولا التَّذكير فخرٌ للهلال). لكنه في البيت الذي سبقه يكشف عن منزلة الأنثى أو المرأة الأقل من الرجل، إلا أن تكون بمواصفات أم أو أخت سيف الدولة الحمداني (ولو كان النّساء كمن فقدنا/ لفضلت النّساء على الرّجال)”.

ويضيف الخيّون في حديثه لـ”العرب” “ظهر تخريج لتقسيم الأشياء إلى ذكر ومؤنث، والتبادل بينهما في بعض الأحيان، بما يُسمى بالمؤنث المجاز والمذكر المجاز، أي ما لا مقابل له في الجنس، كالكائنات الحيّة. غير أن هناك تعمّدا في التذكير حتى وإن كان حضور المرأة هو الأقوى، فوجود رجل أو رجلين يأخذ التسمية إلى التّذكير، بل هناك قياسات خاطئة أخذت تستخدم، بعد أن أخذت المرأة تبرز في السياسة والوظائف، فالوزير والمحامي والطبيب والمعلم والنائب إلخ يستخدم للأنثى والذكر، وهذا قياس خاطئ على الإطلاق، بل وفيه نظرة دونية للمرأة، بحذف جنسها.. هذه طبيعة اللغة مِن الصعب تغييرها، لكن علينا الحرص أن تؤنث الألقاب وتُذكر حسب الجنس، فيكون: وزيرة ووزير ونائبة ونائب إلى غير ذلك”.

وتشاطر الروائية التونسية هند الزيادي الباحث العراقي هذا الرأي، حيث قالت “وما السعي إلى الحفاظ على دلالة اللغة المذكرة إلا مزيدا من تكريس تكلّس اللغة الذي يعكس بالضرورة تكلس الفكر الذي نحتها وظروف نحت تلك المفردات”.

لكن بين هذا الحرص الذي يدعو إليه الخيّون على الحاجة إلى تأنيث بعض الكلمات وبين الإبقاء على تذكيرها، ظهرت الكثير من التأويلات الضمنية المعادية والمسيئة للمرأة والمخالفة كليا للمعنى الظاهر، فتأنيث بعض الألقاب على سبيل المثال كالنائب/نائبة (وهي التسمية التي تطلق على العضو أو العضوة بمجلس الشعب)، يجعل المفردة في صيغتها المؤنثة تفضي إلى ربط المرأة بالمصيبة بوصف المعنى المضمر للكلمة يحمل هذه الدلالة.

 وهو ما يعمق من إقصاء وتهميش النساء، كما ذهب إلى ذلك الباحث العراقي، حين ربط هذه القراءات التي تحمل في ظاهرها طرافة وفي بواطنها استعلاء على تاء التأنيث، قائلا “هناك قياسات خاطئة أخذت تستخدم، بعد أن أخذت المرأة تبرز في السياسة والوظائف”، وبالتالي فالتفسيرات متعمدة غاياتها الحط من مكانة المرأة حين تستلم منصبا هاما أسوة بالرجل.

أكثر من معنى
في المقابل، يرى بعض المتخصصين في اللغة أن الكلمات التي تم تقديمها كدليل على هذا التحيز يمكن أن تحمل أكثر من معنى. ويعتبرون أنه لا يشترط في تأنيث الصفة أن تلحقها تاء التأنيث دائما؛ فمن الصواب أن يقال: حرمك المصون، والعطوف، والطموح، والقاضي، والنائب، وهي بذلك تستوي مع المذكر.

وقدموا صفات تحولها تاء التأنيث إلى معنى جميل، كالقول للمذكر عاف، وللمؤنث عافية، والعافية هي مطلب جماعي بما تحمله من معاني تدل على تمام الصحة.

وكان الدكتور بسام عورتاني، باحث فلسطيني مختص في علم الاجتماع، برّأ في حديث سابق لـ”العرب” اللغة من التحيّز ضد المرأة، قائلا “اللغة العربية أداة تؤنث وتذكّر كما يحلو لك، وبالتالي طريقة الاستخدام هي التي تطرح إشكالية التمييز، يعني المشكلة في الثقافة وطرق التفكير لدى المجتمع، فإن كان يحمل ثقافة عنصرية، فإنه بالتالي سيبحث عن مفردات تخدم عنصريته وإن كان يميز بين النساء والرجال فسيبحث عن مفردات في اللغة تخدم ما يصبو له.. إذن اللغة عموما ليست لها علاقة بالتمييز أو العنصرية”.

وشددت الزيادي في حديثها لـ”العرب” على أن “اللغة كائن حي وليست كيانا مقدّسا منزّلا. بمعنى أنها قابلة للتطور والتطوير”، معتبرة أن “اللغة كائن حي متطور يمر بمراحل وتفاعل مع أوعيته الزمنية والإنسانية والاجتماعية وبالتالي فإن ذلك تترتب عليه عدة نقاط”.

وأوضحت أن “النقطة الأولى، بما أن اللغة مخلوقة وهي وعاء للفكر ولكل طارئ فهي بالتالي تؤثر فيه وتتأثر به، وثانيا بما أنها كذلك فهي حتما ستكون مرآة لعصرها ولعلمائها وأفكارهم وما كان رائجا في عصورهم وما كان مُضمرا”.

وتابعت “أما ثالثا، لما كان ذلك كذلك سنجد بعض الكلمات التي يمكن أن تحمل صيغة المذكر وحدها ليس لعلامة جنسية بارزة فيها فهي مجرد دال لساني ومدلول، لكنها في اعتقادي تأثرت بالمُضمر واصطُلح بها على المذكر والمؤنث”.

ولفتت الزيادي في خاتمة حديثها إلى أنه “على اعتبار أن اللغة كائن حي ومتطور فمن العبث والعشوائية التمسك بصيغ معينة فيها بدعوى أنها القاعدة. في حين أنه من المعقول جدا الدعوة إلى إحياء المجمّعات اللغوية لبسط

هذه القضية وإيجاد مخرج مشرف لها يراعي فيها الحضور المؤنث الذي فرض نفسه وخرج من ظلال علماء اللغة القدامى ومن عباءاتهم ليعلن ذاته واستقلاله التام”.

ويرى الكاتب الجزائري، نبيل دبابش، أنه “لا يوجد مرجع بعينه حول الموضوع بل اللغة تعكس ذهنية المجتمع.. والعرب لهم ذهنية ذكورية ولهذا نجدهم يغلبون الذكورية في كل خطاب.. ونفس الشيء موجود في اللغات اللاتينية”.

وأكد دبابش لـ”العرب” أن هذا التحيز ضد المرأة يتعرض إلى الذكورية في اللغة، مشيرا إلى أن”تصنيف الكلمات أساسه بنية المجتمع.. وكل المجتمعات التقليدية ذات بنية ذكورية.. قليلة هي المجتمعات الأميسية (أو النظام الأمومي: نظام اجتماعي ظهر في مرحلة تاريخية من تطور المجتمع البدائي، حيث كانت الأم تمثل دور المسيطر فيالاقتصاد الاجتماعي، وهو نظام عرفته جميع الشعوب بدون استثناء)”.

لكن من الطريف والمفارقة أن المرأة كانت سببا مباشرا في نشأة علم النحو، وإن كان العديد من الدارسين ربط ذلك باللحن عند المرأة، لكن هذا لا ينفي أنها كانت الواعز الأساسي لقيام هذا العلم بذاته.

ويقال حول ذلك إن دوافع أبوالأسود الدؤلي لوضع علم النحو كانت بسبب ابنته، حيث وثق كتاب “الأغاني” للأصفهاني هذه القصة التي جاء فيها أن أبا الأسود الدؤلي دخل على ابنته في يوم شديد الحرّ، فقالت له مخبرة عن حرارة الجو: يا أبت ما أشدُّ الحر؟ فجعلت الدال مرفوعة، فظن أنها تسأله: أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهرا ناجر (صفر)، فقالت موضحة: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك، وفي الواقع أنه كان واجبا عليها أن تنصب الدال، لتعني التعجب من شدة الحر، ولكنها لحنت، فانتبه العالم العراقي لوجوب وضع قواعد للنحو تحميه من اللحن والخطأ.

وإن كانت هذه القصة توضح أسباب نشأة النحو العربي، فإنها شكلت عند البعض سببا إضافيا لربطها بتهميش المرأة.

حسام الحداد: حول ذكورية اللغة العربية
 
اللغة العربية لغة “ذكورية” تمارس انحيازها العلني والمباشر للرجل على حساب المرأة، حيث يمكن لذكر واحد أن يلغي مجتمعا كاملا من النساء في تذكير الأفعال، وقد ساوت اللغة العربية صرفيا بين الاسم العربي المؤنث والاسم الأعجمي. ونجد أن التمييز النوعي “ذكر/أنثى” لا يقتصر على الممارسات والأفعال بل يمتد إلى الخطاب واللغة، في انتصار لهما للذكر دون الأنثى. حيث أن “ذكورية الخطاب ومنها ذكورية اللّغة في حّد ذاتها، نتاج لوعي ثقافي كامل يجعل من مركزية الذَكر أساسا للحركة والتعبير وإنتاج الثقافة”.

وإذا تتبعنا تجليات الثقافة الذكورية في بنية اللغة العربية فسنجده جليا، وهذا طبيعي ما دام الخطاب هو لسان الثقافة ووريثها الشرعي. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر حديث ابن عقيل عن جمع المذكر السالم “فيشترط في الجامد: أن يكون علما، لمذكر، عاقل، خاليا من تاء التأنيث، ومن التركيب…” والمتتبّع لهذه الّشروط المجحفة يُدرك الخلفية الّذكورية، والغريب هنا إقحام تاء التأنيث ضمن هذه الشروط مما يجعلها تقابل الذكورة من ناحية وتقابل العاقل من ناحية ثانية، فكأن إقحام العاقل شرطا من شروط قبوله جمع المذّكر السالم اعتراف بعدم وجود الأهلية في الأنثى ما دامت قد جُمعت معه.

وقد لمحنا ذلك في تحليل ابن عقيل، حيث يقول “وإن كان علما لغير مذكر (يقصد أنثى) لم يجمع بهما، فيقال في زينب زينبون، وكذا إن كان علماً لمذكر غير عاقل»، وحسب ما وضحناه من شاهد ابن عقيل يتبين لنا كيف يساوي بين الَعلم المذّكر غير العاقل والَعلم المؤنث العاقل، وهي مساواة تنبع من عقلية ذكورية تحط من قيمة الأنثى وتُعلي من قيمة الّذَكر”. ولا تقف العنصرية الذكورية ضد الأنثى على هذا فقط بل نجدها في قضية التنوين، إذ تُعد جنة التنوين حلماً صعب المنال أمام نضالات التأنيث، فبنية اللّغة العربية تحرم الأنثى حقها من التنوين.

إن التنوين في الُعرف اللّغوّي دخول ساحة التمّكن في اسمية أو ما سماه النحاة «تنوين التمكين»، وهذا ما يجعل سماته خالصة لا تشوبها شبهة، والتنوين في اللّغة «نون زائدة ساكنة تلحق الأخر لغير توكيد»، وهي نون تُثبت لفظاً وتسقط كتابة. وقد تطفو النزعة الذكورية من خلال ظاهرة الممنوع من الصرف والتنوين أكثر حين نلاحظ شيوخ النحو يعلّلون المنع من التنوين للاسم المؤنث المنقول من المذكر، يقول المرادي “أو منقولاً من مذكر نحو ‘زيد’ إذا ما سُّمي به امرأة، لأنه حصل بنقله إلى التأنيث ثقل عادل خفة اللّفظ”.

وليس هذا فقط، وإن ما يُمنع من الصرف والتنوين كّلما اقترب من دائرة التأنيث، إذ يجيز سيبويه انصراف الصفات التي على وزن فعلى إن كانت ألفها لغير التأنيث، أما إن كانت ألفها للتأنيث، فإنها تُمنع، ويتعمق أكثر في التعليل الذكوري حين يتعرض أيضاً لباب “ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف”، ويصّرح بأن ذلك منعه من الانصراف في النكرة والمعرفة. ونرى أيضا أن معظم تعليلات سيبويه في قضية الصرف والتنوين هي تعليلات ذكورية، وأحياناً يعلنها صراحة حاملة معها آنفة الذكر، يقول سيبويه “ذلك أن المذكر أشّد تمكناً، فلذلك كان أحمل للتنوين”، “هذا باب ما ينصرف في المذكر البتّة مما ليس في آخره حرف التأنيث”.

شعار سيبويه ومن تبعه من النحاة هو “إنما كان المؤنث بهذه المنزلة ولم يكن كالمذكر، لأن الأشياء كلّها أصلها التذكير ثم تختص بعد، فكل مؤنث شيء، والشيء يذكر، فالتذكير أول وهو أشد تمّكناً” وعليه يمكن القول إن الأصلية والفرعية هي التي حكمت هذه القسمة، بحيث تحولت المرأة، حسب عبارة سيبويه، إلى شيء في قوله “كل مؤنث شيء”، وبالتالي فهي تابعة للمذكر ذليلة له.
 

العرب

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية