للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

ما يؤرّقنا - النسبة إلى ألفاظ العقود

أ. دوان موسى الزبيدي

 

في كثير من الأحيان أجد من يصحح، ويصوب في لغة الإعلام ،والكتاّب،ويدرج  كلمات ،وتعبيرات منها كلمة (عشرينات) في قائمة الأخطاء الشائعة ويصوبها بـ(عشرينيات )لتجري  على الألسنة والأقلام ، و تشيعَ مِن خلال الصحف والإذاعات والتأليف شيوعاً يستوقف الحريصين على سلامة اللغة ونقائها، فإذا هم يُطليون البحث فيها والطواف حولها ليتحققوا من صحتها، ومن أنها جارية مجرى كلام العرب في الاستعمال، أو في القياس، أو فيهما معاً. وما أكثرَ ما صَدَرَ من كتب في القديم وفي الحديث، بَناها مؤلفوها على تَتَبُّع هذه التعبيرات والألفاظ، وبيان ما فيها من خطأ، والتنبيه على الصحيح الذي يجب استعماله مكانها.
وهذا بابٌ من العلم ظاهِرُه اليُسرُ والإغراء بالدخول منه، وباطِنُه محفوف بالمزالق والمكاره، إذ لا بُدَّ للمتوغّل فيه من أن يكون محيطاً بكلام العرب أو بأكثره، بصيراً بأساليبهم، عالِماً بشعرهم ونثرهم على مر العصور وتَعَدُّد البيئات، حافظاً، ذاكراً، قادراً على الاستشهاد وضرب المثل والإدلاء بالحجّة. وأين مَن يَدَّعي لنفسه كلَّ هذا أو بعضَه؟
ومن أجل ذلك كَثُرَت الكتب التي أَلَّفها أصحابها للردّ على مؤلفي الكتب السابقة، وبيان ما وقعوا فيه من تَسَرُّع إلى التخطئة وتوضيحِ وجه الصواب فيما ظَنّوه وهْماً أو مخالفاً لكلام العرب.
وكلا الفريقين من العلماء لا يَنْتَقِصُ مِن علم أحدهم أنه أخطأ في اجتهاده، ولا يَعيبُه أنه غاب عنه أمرٌ عرفه غيره؛ ولهم جميعاً الأجر والثواب إن شاء الله.
وما فَتِئْتُ أطلب هذا الضرب من الثواب، وأرجو أَجْر الاجتهاد، مُلقياً بدلوي بين الدلاء في ألفاظٍ شاعت ورأى غيري أنها خطأ، وكنتُ من الذين رأوا صوابها..
وأُحِبُّ الآن أن أستزيد من الخير، فأواصل في مجلتكم الوليدة  الرائدة ما كنتُ بدأتُه في  أبحاث نشرتها من قبل .
وكان الذي قادني إلى هذا الحديث ما نَشَرتْه صحف يوميّة، وأبحاث جامعيةا ،ومقالٌ كَتَبَه عالِمٌ جليل، عضوٌ في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، معروف بالرويّة والتثبُّت، طالَمَا أَنِسْنا بحديثه وأَفَدْنا منه. وتناولَ في مقاله كلمتين نقتصر هنا على الثانية من منهما، ونبدأ بنقل ما كتَبَه عنها بحروفه، قال:
"وثَمَّت كلمة ثانية يستعملها الناس في عصرنا على أنا صواب، وهي عريقة في الخطأ، وهي كلمة: العشرينات والثلاثينات والأربعينات، وما إلى ذلك من سائر العقود. وَوَجْهُ الخطأ في هذا الاستعمال أن هذه الكلمات جموعٌ لعشرينة وثلاثينة وأربعينة، وليست هذه الكلمات في متن اللغة، إذ كانت لا معنى لها.
والصواب في الاستعمال أن يقول القائل: هذا حَدَثَ في العشرينيّات والثلاثينيّات والأربعينيات، بمعنى أنه حدث في السنوات المنسوبة إلى العشرين والثلاثين والأربعين وما إليها. فالكلمة يجب أن تكون مستعمَلَةً على طريق ياء النسبة، وحَذفُ الياء هذه خطأ، عريق في باب الخطأ الذي يكاد يهبط إلى منزلة الخطيئة، لأن الفصحى من شعائر الإسلام، ولأن الحرص على العربية حرص على لغة القرآن ..".وَلِحِرْصِنا جميعاً على العربية، لغة القرآن، نستأذنُ الأستاذ الجليل في أن نأخذ بأطراف الأحاديث بيننا، ونستأنف مجالسَ كانت لنا، عَرَفْناه فيها مُحِبّاً للحقيقة والحقّ، حَفِيّاً عنهما، لا يضيق صدره بِرَدٍ أو سؤال أو تصحيح.
ولقد غاب عني فهمُ ما قصد إليه من قوله إنّ العشرينات، بغير ياء النسبة، "عريقة في الخطأ" وأن "حذف الياء هذه خطأ عريق في باب الخطأ"؛ فلم أفهم معنى "العراقة" هنا! إنَّ الذي يتبادر إلى الذهن من ظاهر اللفظة أنها تعنى القِدَم في الاستعمال على هذه الصورة. فهل وَرَدَت "العشرينات" وأضرابُها في كلام العرب قديماً؟ هل جاءت في شعرٍ أو نثرٍ من عصور الاحتجاج اللغوي؟ إنْ كانت في مثل هذه العراقة فأولى أن نقول: إِنها "عريقة في الصواب! وإن لم تكن قد تَحَدَّرَت إلينا من تلك العصور، ففي أيّ عصر بدأ استعمالها؟ فإن كانت هذه اللفظةُ لم تَجْرٍ في الاستعمال إلّا في المائة الأخيرة أو قبلها بقليل، فليس لنا أن نقول عنها إنها "عريقة"، لا في خطأ ولا في صواب.
وإن كان المقصودُ من العراقة في الخطأ أنها مخالِفَةٌ لطريقة العرب في بناء الكلمة وفي جمعها، وليس في استعمال هذا الجمع بعينه قديماً، فذلك يقودُنا إلى مسالك أخرى من الحديث.
فالعشرينات والثلاثينات والأربعينات ليست بالضرورة "جموعاً لعشرينة وثلاثينة وأربعينة" التي هي ليست "في" متن اللغة، إذ كانت لا معنى لها".
والجمع الذي ينتهي بالألف والتاء، والذي يُسَمُّونه جمع مؤنث سالماً، ليس دائماً جمعاً لمؤنث، إذ كثيراً ما جُمِعت عليه ألفاظٌ لمذكَّر غير عاقل، إذا لم يكن لهذه الألفاظ جمعُ تكسير؛ فألفاظٌ مِثلُ: حَمَّام وخَزّان، وسجِلّ، وقرار، ومُسَوِّغ، تُجْمَع على: حَمّامات، وخَزّانات، وسِجلّات، وقرارات ومُسَوِّغات؛ وكلُّها في مفردها تدلّ على مذكّر غير عاقل. بل استعملوه أيضاً في القديم والحديث لجمع الجمع، للمذكر العاقل وغير العاقل؛ في العربية، رجالٌ ورجالات، وجِمالٌ وجِمالات، وبيوتٌ وبيوتات، وبُيوعٌ وبيوعات، وأهرامٌ وأهرمات. ومفردها مذكَّر.
ثم إذا كنّا قد حَكَمنا بأن "العشرينة والثلاثينة ليست في متن اللغة، فإننا كذلك لا بُدَّ حاكمون بأن "العشرينية والثلاثينية والأربعينية" ليست كذلك في متن اللغة على وجه اليقين، ولم يَجْرِ بها لسانُ أَحدٍ من العرب في القديم. ونحنُ نَعْلم أن مَجْمَعنا في القاهرة قد بَحَثَ هذه الألفاظ وجموعها، وذَهَبَ إلى ما ذهب إليه الأستاذ الجليل، وعدَّ "العشرينات" وأضرابها خطأ، و"العشرينيات" وأضرابها هي الصواب  .
ثم إن هذه "الياء" المُقْحَمة التي قيل إنها للنسبة، مشكلة في التَصوُّر والفَهم معاً: فما أَظنُّ أحداً مِمَّن يَستعمل هذه الجموع يَصدُر عن تَصَوُّر النسبة إلى مفرداتها؛ وما أظنُّ أحداً ممن يسمعها أو يقرأها يستقرُّ في فهمه معنى هذه النسبة، وإنما يريد القائل أن يدلّ دلالة عامّة على حقبة زمنية تمتدُّ عشر سنوات، تبدأ بعدد في صورة الجمع، وليس في حقيقته جمعاً، وتتسلسل بعده تسع سنوات تالية، بِوَضْعِ عَدَدٍ قَبْلَه بَينَهُما واو العطف. هذه الدلالة العامة على حقبة زمنية معيّنة هي التي يَقصدها القائل حين يريد أن يتجنَّبَ تحديد سنة بعينها، وهي التي يَفْهمُها السامع، ولا يدور في خَلَد أحد منهما أن ينسب إلى شيء.
وإذا كان لا بُدَّ من استعمال أحد هذين الجمعين، فإنَّ تَرْك الياء أولى، واستعمال العشرينات والثلاثينات والأربعينات، أقرب إلى ذوق العربية وأدخل في أساليبها، وهو ما شاع استعماله واستساغه العرف.
-4-
ومع ذلك، فقد اعْتَسَفْنا الطريق وأصبحنا مُنْبَتّين، حين تَرْجَمَنا ترجمةً حرفية ما استعملته اللغات الأجنبية من جموع هذه الألفاظ، ثم دخلنا في تيه من الجدل في تخطئة هذه الترجمات وتصويبها، ولم نَرْجِعْ في كلّ ذلك إلى ما استعمله العرب منذ أقدم عصورهم للدلالة على هذه الألفاظ، متوهّمين أنها من المعاني العصرية المستحدّثَة التي لم تَرِدْ في كلام العرب، على حين أنهم عَرَفوها وأداروها كثيراً في كلامهم منذ الجاهلية؛ وهي لفظة العقد نفسه – بغير جمع- مقرونة بالألف واللام، وقد تُجَرَّدُ منهما في الشعر بخاصة، إذا دلّت القرينةُ على المعنى، فقالوا: العشرين، والثلاثين، والأربعين، إلى آخر العقود، بدلاً من العشرينات أو العشرينيات وأضاربهما. وَبِحَسْبِنا شواهد معدودات نأنس إليها في هذا الحكم وتطمئن إليها نفوسنا:
قال سُحَيْم بن وَثِيل الرِّياحيّ (جاهلي إسلامي):
وماذا يَدَّري الشعراءُ منّي            وقد جاوَزْتُ رأسَ الأربعينِ
أخو خمسينَ، مجتمعاً أَشُدّي      وَنجَّذني مداورةُ الشؤونِ

فللأربعينَ رأسٌ هو حَدُّها الأعلى ولها "ذَنَبٌ" هو حَدُّها الأدنى، وهي تتدرَّج  بينهما. فَسُحَيْم يَذكر أنه جاوز التاسعةَ والأربعين من عمره، وهي رأسُ الأربعين وحَدُّها الأعلى، ثم وَضَّحَ ذلك توضيحاً ما بعده من مزيد حين قال: "أخو خمسين".
ويقول دِعْبِل الخُزاعي (عبّاسي:
أفيِقي مِن مَلامِكِ يا ظَعينا        كفاكِ اللومَ مَرُّ الأَربعينا
وهذا شبيه بقول سُحَيْم؛ فالأربعون بكلّ سنواتها قد مَرَّت وانقضَت، وصار شاعرنا "أخا خمسين".
وأشهَرُ بيت في هذا المضمار قول عوف بن مُحَلَّم الخزاعيّ (عبّاسي):
إِنَّ الثمانين- وَبُلِّغْتُها-    قد أحْوَجَتْ سمعي إلى تَرْجُمانْ
ومَن عَرَفَ طريقة العرب في البيان أدركَ أن الشاعر هنا لا يريد ثمانين سنة على وجه التحديد والتخصيص، لا يتجاوزها، ولكنّه أراد العقد بمجموع سنواته، فهو في "الثمانين" بين أدنى سنواتها و"رأسها".
وقد ذكرنا أن هذه العقود قد تُجَرَّد من الألف واللام في الشعر بخاصة إذا دلّت القرينةُ على ذلك. ومِنْ أطرف ما نَسْتَشْهِد به على ذلك، وأعذَبِه، وأَنفَسِه، قول المَلَليّ:
ولقد قالتْ لِأَتْرابٍ لها

"خُذْنَ عنّي الظِلَّ، لا يُفْزِعُني"

بِنْتُ عَشْرٍ لم تُعانِقْ رَجُلاً

ولقد قَبَّلْتُ فاها قُبْلَةً
    كاُلْمُها يَلْعَبْنَ في حَجْرَتِها

ومَضَتْ تسعى إلى قُبّتِها

صُوِّرَ البَدْرُ على صورَتِها

كِدْتُ أَلْقَى اللهَ من لَذَّتِها

ولا أُحِبُّ لنفسي ولا لِغَيري أن نَعْتَسف الطريق ونَقْتْحِم الكلام بغير دليل، ولكنَّ الجوَّ يوحي بأن الشاعر لم يقصد إلى تحديد سنّ العاشرة، وإِنْ كان ذلك قد جاز، ولا يزال جائزاً على نُدرة نادرة، وإنما أراد هذه السنَّ التي تزدهر بين العاشرة والتاسعة عشرة، والتي يُطلقون على من كان فيها من الفتيات والفتيان بالإنجليزية "تِيْنْ إيجرز"، ونحار في اختيار كلمة عربية مقابلة لها.
وبعد:
فمن أراد طريقةَ العرب وما ساروا عليه في كلامهم، فأمامه هذا الشعر المُبِين، ولْيَقُل: "حَدَثَ ذلك في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من هذه المئة، أو من هذا القرن"، ولا يخافَنَّ اللّبْس؛ فنحن لا نقول: حَدَث ذلك في العشرين من هذا القرن، ونقصدُ سنة 1920، وإنما نُحَدِّدُها ونقول: حدث ذلك في سنة عشرين، وليس في العشرين.
ومن أرادَ المخالفة عن استعمالهم الذي أَلِفُوه، وأرادَ أن يُحْدِثَ كلاماً جديداً، فلا بأس عليه أن يجمع لفظ العقد فيقول: العشرينات والثلاثينات. وقد وَرَد في كلام العرب تثنية العقد:
"قال الأُخفش: أخبرني المبّرد قال: أنشدني سليمان بن عبدالله بن طاهر لنفسه: "وقد مَضَت لي عشرونان ثنتان". فقلت له: أيُّها الأمير، هذا لَحْنٌ لأن إِعراباً لا يَدْخُل على إعراب."
وإنكارُ المُبَرِّد لا ينصرف إلى  تثنية العقد، وإنما انصرف إلى وجود إعرابَين: فالواوُ والنون للرفع في جمع المذكر السالم، والألف والنون للرفع في المثنّى. ولو قال: لي عشرينان ثنتان، ما أنكر المبرِّد شيئاً.
وإذا جازت التثنية على هذا الوجه جاز الجمع.
أما ما سِوى ذلك، كإضافة ياء النسبة قَبْلَ الجمع، فشيءٌ تنبو عنه الأسماع،  وتمجُّه الأذواق، وليس ما يدعو إليه، مَهْما يُزَيِّنه لنا المزّينون بتخريجاتهم.نتابع في قضا أخر ى ننتقيها لكم إن شاء الله..


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية