للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

إشكاليات تعليم اللغة العربية في قسم التاريخ بجامعة ولاية كوغي - نيجيريا

د.آدم أديبايو سراج الدين

ومما امتاز به العصر التقدمي الذي نفتخر بأنه عصر العلم والنور وغزو الفضاء هو تدهور التعليم في الكيفية والكمية معا على حين أنه يجب أن يتقدم بتوفر الإمكانات وتكاثر الوسائل والأساليب، أما تدهوره في الكمية فيظهر في ضعف المستوى العلمي لدى حملة الإجازة الجامعية...بل خويت منها وفاض حملة الإجازات الجامعية الحديثة إلا قليلا منهم، انقلب الحصول على الإجازات العلمية غاية ولم تعد وسيلة كما كانت من قبل أو انقلب التعليم وسيلة إلى السعادة المزيفة والنجاح السريع وقضاء الشهوات الرذيلة...  

مقدمة
تعدّ نيجيريا نموذجا صريحا لدراسة إشكاليات التعليم العربي في إفريقيا بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فقد كان أكثر الدول الإفريقية سكانا، وإحدى دولها التي لها تاريخ عريق يصل في بعض الآراء المتواترة إلى عصر الحضارة المصرية القديمة ،  وما لها من التقاليد العربية وثقافتها المتوارثة وأمجادها التليدة التي تفاخر بها العالم ذات الحضارة والتاريخ ، وما لها من نشاط كبير خاصة لما شهدت لأول مرة في جامعة إبادن اتساعا في التعليم العربي الجامعي.
هذا، ولا يقل عدد جامعات نيجيريا عن مائة جامعة، منها الفدرالية والولائية والخصوصية، ومن ضمن المواد المدروسة في هذه الجامعات هي مادة التاريخ الإفريقي. فتقديرا لأهمية اللغة العربية في تدوين التاريخ الإفريقي في العصور الغابرة إلى أن جاء الأوروبيون بثقافاتهم الغربية، فإنه من الجدير أن تستعين أقسام التاريخ في تلك الجامعات بدراسة اللغة العربية بغية الوصول على المعلومات النافعة والمهمة في دراساتهم التاريخية. وقد جعل قسم التاريخ ببعض الجامعات النيجيرية التعليم العربي من المواد الاختيارية بل الإجبارية إلى جانب المواد التاريخية بالقسم.
قامت عدد من أقسام التاريخ في بعض الجامعات النيجيرية بانضمام دراسة اللغة العربية في مناهجهم الدراسية لاعترافهم أن الوثائق المدوّنة والتي سجلت التاريخ الإفريقي في العصر الإسلامي وما قبله بقليل، والذي سبق انتشار النفوذ الاستعماري الأوربي هي المخطوطات العربية التي دوّنها المؤرخون الجغرافيون العرب وغيرهم من الإفريقيين، سواء باللغة العربية أم باللغات الإفريقية المدوّنة بالحروف العربية.
ومن الجامعات النيجيرية التي تستعين باللغة العربية وتجعلها من المواد اللازمة لكل طالب في دراسة التاريخ الإفريقي على وجه الخصوص جامعة ولاية كوغي، وجامعة ولاية لاجوس، وجامعة إبادن، وجامعة بايرو كنو، وجامعة ميدغوري، وجامعة أحمد بللو زاريا، وجامعة عثمان فودي، وغيرها من الجامعات النيجيرية. وبالمناسبة فإن هذه الجامعات المذكورة هي التي تقوم بدراسة اللغة العربية إلى جانب مادة التاريخ.
 ومن المحزن لكل من له خواطر تربوية إسلامية تضاخم المشكلة التي يعانيها تعليم اللغة العربية في قسم التاريخ بجامعة ولاية كوغي - نيجيريا، مع أن النجاح في المادة من متطلبات الحصول على الشهادة الجامعية، والمشكلة معضلة عويصة تحتاج إلى حلول عاجلة كي لا تتخرج الطلبة حاملين الشهادات في هذه المادة من دون القدرة على الاستفادة بالمراجع والمصادر المكتوبة بالعربية.
هذا، ولقد حاول أعضاء هيئة التدريس بالقسم العربي بالجامعة نفسها في التوعية عن وجوبية وضرورية دمج التعليم العربي في دراسة التاريخ الإفريقي، وكانت المحاولة بدون جدوى إلا في الآونة الأخيرة...ومن المشاكل تُجابِه التعليم العربي في الجامعة – عدم التوعية لدى أعضاء هيئة التدريس في قسم التاريخ بضرورية التعليم العربي في الحصول على المعلومات النافعة في الحقائق التاريخية الإفريقية، وقامت هذه المقال بالكلام عن المشاكل التي يعاني منها التعليم العربي في هذا القسم بعد موافقة دمج دراسة اللغة العربية إلى مادة التاريخ الإفريقي.    
ليس هدف هذا البحث دراسة مشاكل التعليم العربي الإسلامي من حيث مستقبل طلابه، كما لا يهمّه دراسة مشاكل التعليم العربي لدى الحكومة النيجيرية،  كذلك ليس من شأنه النظر في المشاكل التي تحتاج التعليم العربي في المراحل التعليمية من الابتدائية والإعدادية والثانوية، أو في المشاكل الاجتماعية أو المشاكل الداخلية وغيرها كما ذهب إليها الكاتب الزيتوني . بل يرتكز المقال على المشاكل التي يعاني منها تعليم اللغة العربية، خاصة لطلبة التاريخ بجامعة ولاية كوغي، كجزء هام من المشاكل المتعددة النواحي التي تجابه التعليم العربي الإسلامي في هذه الديار.

لمحة عن اللغة العربية في نيجيريا قبل الاستعمار
ولقد وجدت اللغة العربية رواجا كبيرا بين الجماعات الزنجية حتى أصبحت لغة التعامل الرسمية، يضاف إلى ذلك الثراء الحضاري المتوارث من تطوّر الحضارات العربية القديمة، وقد ترتّب على ذلك صيرورة هذه المناطق الشمالية جزءًا لا يتجزأ عن الدول العربية،  ومنها انتشرت اللغة العربية إلى المناطق الإفريقية الأخرى. وكذلك أسهمت الطرق التجارية العابرة للصحراء الكبرى إسهامات هائلة في تاريخ المنطقتين الواقعتين على طرفيها الشمالي والجنوبي، فقد تمّ عبرها التبادل التجاري منذ أقدم العصور، ومع نشاط الحركة التجارية اتصلت إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى بحضارات العالم القديم.
بدأت اللغة العربية بالإسلام تاريخها المشترك وقوميتها الجامعة ولسانها الموحّد، وهذا يعنى أن المقاطعات النيجيرية بدأت تتعرّب بعد أن تلقت الإسلام دينًا واعتنقته عقيدةً، ومن ثمّ كان من الضروري أن تذوب الانقسامات اللغوية التي تسبّبت عن تعدّد اللغات عند ما أسلمت الأمم وتعرّبت، وفرضه تطوّر النظم السياسية والإدارية في الحكم حينما كانت العربية تتعامل مع اللغات الوطنية مباشرة دون مترجم أو وسيط، على أوسع نطاق غير محدود بالمجال الرسمي أو الديني، تطوع حينا وتتساهل لكي تلتقي مع لغة الجماهير، وتجذبهم أحيانا بقوتها وحيويتها...ثم ما لبثت اللغة العربية أن اجتازت مرحلة التبادل أخذًا وعطاءً، تأثرا وتأثيرا، وتجمع هذه الشعوب بين العربية لغة رسمية دون أن يجبرها أحد على الأمة.
عادة إن دخول الإسلام هو الذي حمل اللغة العربية إلى تلك المناطق على وجه رسمي وطبعت البلاد بطابع لا يزال مستمرًّا إلى اليوم. ولا غرو أن اللغة العربية كانت اللغة الدولية في العصور الوسطى في جميع البلاد الإسلامية، واستمرت كذلك حتى قيام الخلافة العثمانية الصكوتية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي وعاشت حتى مطلع القرن العشرين كما تتجاوز إلى القرن الحادي والعشرين الميلادي، وصارت اللغة العربية هي لغة الفكر والثقافة طيلة هذه القرون.
إن الدراسة المتأنية لتاريخنا النيجيري تفيدنا أنه بدخول الإسلام إلى هذه الديار دخلت معه اللغة العربية، وهي لغة القرآن الكريم وبها تمت تأدية الصلاة في العبادة وفي التعبد بتلاوة القرآن خارج الصلاة وغيرها وهي جزء لا يتجزء عن الإسلام، كما أنهما يسيران جنبا إلى جنب، فإن الجذور اللغوية العربية فيها قديمة قدم التجارة على طرق القوافل عبر المناطق الإفريقية، وهؤلاء التجار المسلمون قاموا لنشر الدعوة الإسلامية حملوا عبء تعليم اللغة العربية على عاتقهم، وعملا بهذه التوجيهات قام التعليم العربي في المساجد والزوايا الصوفية في بادي الأمر بمثابة المعاهد والجامعات لتخريج العلماء، ولا مراء في أن الشريعة الإسلامية منهاج حياة الأمة الإسلامية حينذاك.
والجدير بالذكر أنه على مرّ العصور أصبحت اللغة العربية لغة البلاد عن طريق التجارة أوّلاً وعن طريق الدين آخر، وصارت قدرها رفيعا وأصبح العلماء يخوضون في سبيلها مكتشفين في طريقها لطائف العلوم، ولعل أشهر الدليل على ذلك أن معظم الكتب التي كتب بها تاريخ هذه الديار كانت بالعربية ليس إلا، وقبل اقتحام الاستعمار الأوربي صارت جلّ المراكز التجارية فيما بعد مراكز ثقافية مشهورة، ومن أهمّ مراكز هذه التجارة في إفريقيا إمبراطورية كانم برنو وغيرها من الممالك القديمة، وقد لعبت هذه المراكز دوراً مهمّا في تقدّم اللغة العربية بالمنطقة إلى أن استولى المستعمرون على تلك الولايات عام 1903م.  
لقد اهتمّ بعض العلماء في المملكة بإقناع السلاطين والملوك بالدخول  في الإسلام، وقدّموا ما لا يستهان بها من خدمات وجهود في سبيل نشر الإسلام في هذه الممالك والامبراطوريات، الأمر الذي يعطى العلماء في المجتمع النيجيري الإسلامي منزلة عالية وكانوا يتمتعوا بتبجيل وإجلال يكاد يبلغ حدّ التقديس كما ذهب إليها غلادنث  لقد تولى العلماء مناصب هامّة في مجتمع كانم برنو منها مناصب إدارية حيث يوليهم السلاطين ويمنحونهم السلطات المطلقة، خاصة في أمور الدين ووظيفة القاضي، ومن ذلك كان العلماء هم أصلح من يتولى مناصب القضاء في المملكة في زمن إدريس ألوما.
تأسيسًا على المساعدة التي أسداها ملوك كانم برنو مثلا إلى العلماء لحماستهم للإسلام ولغته المعززة، عكف العلماء على تعليم اللغة العربية وتعلّموها لغة وأدبًا، وألفوا بها كتبًا كثيرة في شتى الفنون، وكانت إنتاجاتهم العلمية والأدبية كثيرة في تلك الفترة التي ألفوا فيها كتبًا ورسائل عالجوا فيها كثيرا من المشكلات الدينية والاجتماعية والسياسية  وكانت أكثرها تأليفات عليمة. تلك هي وضع اللغة العربية والشريعة الإسلامية في نيجيريا قبل أن جاء إليها المستعمرون الأوربي الذين حاولوا كل المحاولة ويستبدلونها بالقانون الوضعي كما وجدناها اليوم. وجدير بالذكر هنا أن دراسة العربية جزء هام في التعليم العربي حينذاك.
هذا، ولقد وردت عن إفريقيا في المصنفات العربية القديمة وحصرت المصادر العربية الخاصة بإفريقيا وكان من أثر ذلك أن صارت الثقافة العربية جزءًا لا يتجزأ من التكوين العقلي للأفارقة ولا سيما قبل تأثّرهم بالتيارات الثقافة الغربية التي بدأت مع حركة الكشوف الجغرافية. ولا شك أن هذه المصادر العربية هي المصادر الأساسية لدراسة قارة إفريقية في ذلك التاريخ، لقد أشار إلى أهمية هذه الوثائق العربية التاريخية التي تركها علماء هذه الديار قول رئيس جامعة إبادن سابقًا البروفيسور كينيث ديكي ما نصّه:
حين إقتحم الأوربيون إفريقيا لم يحاول علمائهم أن يفهمـوا
أو يبنوا على الحقائق التاريخية التقليدية التي وجدوها في المنطقة
بل اعترضوا عليها وبدّلوها تبديلاً
وقال أيضا:
تشكـل الوثائـق العربية مـواد الخـام العلمية البحثية في حقل
الدراسات الإسلامية والتاريخيـة في إفريقيا، أنا شخصيا كمؤرخ
كان لي رغبة شديدة في هذا التطـوّر إيمانـا مني أنه بواسطة هذه
الوثائق العربية أو الوثائق المكتوبة باللغات المحليـة بالحروف العربية
فقط يمكن للباحثين أن يكتشفوا عن خبايا إفريقيا في العصر الغابر...
وقد تضمّنت تلك المصارد العربية الأنشطة الاقتصادية والثقافية والعلاقات الاجتماعية لسكان إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى، وكذلك الأنظمة السياسية التي ساعدت في المنطقة حينذاك وقد سجلت هذه المصادر العربية بما فيها من الجوانب المختلفة منها الجغرافية والتاريخية القديمة ...مما كتبها الوطنيون الإفريقيون والمؤرخون العرب. بناء على هذا، كان للغة العربية فضل عظيم في اكتشاف الحقائق المعرفية وإخراج الكنوز المعلوماتية التاريخية، لقد أدّت هذه المؤلّفات العربية أدوارا جليلة في تدوين التاريخ الإفريقي خاصة ما نجدها في إبداعات المؤرخين والجغرافيين العرب الأدبية فأصبحت كنوزا تاريخية خالدة، مستوعبة عناصر الحياة والعمران متضمّنة الأنشطة الثقافية الإنسانية.

اللغة العربية والتاريخ في الجامعات النيجيرية
ومن الحقيقة التي لا مراء فيها أن تاريخ التعليم العربي في المدارس الحكومية في جميع مراحله متصل بتاريخ الإرساليات التبشيرية في البلاد، وأنها لعبت أدوارا هائلة في نشر التعليم الغربي والمسيحي معا في مراحله المختلفة في هذه البلاد قبل أن تنشئ أول جامعة في نيجيريا وهي جامعة إبادن عام 1948م ، وقد أدخلت فيها اللغة العربية ضمن الدراسات الإفريقية واللغات المحلية، وذلك لما للغة العربية من مكانة مرموقة لا في نيجيريا فحسب، بل في إفريقيا قاطبة، وبخاصة في الأوساط المسلمة، فأنشأ قسم خاص باللغة العربية والدراسات الإسلامية عام 1962م.
وجدير بالذكر هنا أنه قد أنشأ القسم العربي والإسلامي في الجامعة على نمط الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حيث يتم تعليم اللغة العربية باللغة الإنجليزية، وكتابة البحوث والرسائل كلها باللغة الإنجليزية، ونتيجة ذلك أن الطالب الذي مرّ بهذا المنهج قد يجيد اللغة الإنجليزية أكثر من العربية التي هي مجال تخصصه. ومما لا يخامره النسيان هنا عدم وجود الطلبة المؤهلين (الذين لهم خلفية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية) بين من إلتحقوا بالقسم في سنواته الأولى، إلا أن هناك منهجا خاصا صمم لهم في دراسة اللغة العربية، وهذا المنهج هو السائد والمنتشر في جامعات إبادن وإلورن وجوس وغيرها من الجامعات في نيجيريا الجنوبية وشمال الأوسط على التوالي.
وبمجرد أن الغرض الأساسي في تأسيس قسم العربية والدراسات الإسلامية في جامعة إبادن لا يتجاوز الحصول على الحقائق التاريخية الإسلامية الإفريقية، وكان الإشراف على البحوث العلمية في كل من قسم التاريخ وقسم العربية والإسلامية مشتركا بين الأساتذة في القسمين. ولذلك جعل قسم التاريخ بالجامعة التعليم العربي من المواد الإجبارية اللازمة لطلبة التاريخ، إلا أن المنهج الدراسي لأولئكم الطلبة يختلف عن المنهج الدراسي للذين عندهم خلفية في اللغة العربية قبل إلتحاقهم بالجامعة. وهذا هو الطريق المستعمل في بقية الجامعات حيث نجد في قسم التاريخ أو الشريعة من ليس له خلفية في اللغة العربية أن ينهج هذا المنهج في تعليمه العربي. وهذا ما يجري في قسم اللغة العربية في جامعة ولاية كوغي لطلبة قسم التاريخ.
وأما بالنسبة لوضع اللغة العربية في نيجيريا الشمالية، فنظرا لما شاع في المنطقة من الثقافات الإسلامية منذ العصور الغابرة، فإن أحوال التعليم العربي الإسلامي في جامعاتها تختلف عنها في جامعات الجنوب. فمثلا إن إلقاء المحاضرات في أقسام العربية في الجامعات يكون باللغة العربية الفصحى وكذلك أسئلة الامتحانات والأجوبة وكتابة البحوث والرسائل العلمية. فجامعات أحمد بللو بزاريا، وعثمان دن فودي بصكتو، وميدغوري، و بايرو بكنو وبعض جامعات ولائية أمثال جامعة ولاية كوغي،  وجامعة ولاية نصراوا، حتى جامعة ولاية لاجوس (في جنوب نيجيريا) تدرس اللغة العربية بالعربية. ومن هنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن المشاكل التي يعانيها تدريس اللغة العربية في الأقسام العربية في هذه الجامعات تختلف عن تلك التي تواجه أخواتها في الجامعات النيجيرية الجنوبية السابقة الذكر.     

إشكاليات التعليم العربي لطلبة قسم التاريخ باجامعة ولاية كوغي
ولما كان هذا المبحث هو لب الموضوع الذي يدور حوله هذا المقال، وسيتناول الحديث عن المشاكل التي تعانيها اللغة العربية من نواحيها المختلفة ومن مصادرها المتنوعة خاصة التي تتعلق بـطلبة قسم التاريخ في جامعة ولاية كوغي- نيجيريا، لأن تحديد المشاكل والأسباب المؤدية إليها هو بداية الطريق لإيجاد الحلول لها. إن مصادر المشاكل-حسب ما يراى هذا البحث- تأتي على النحو التالي:
1.    إشكاليات المناهج الدراسية في كليات القانون خاصة في قسم التاريخ
2.    عدم توظيف معلمي اللغة العربية الأكفاء والمتخصصين في تدريس العربية خاصة لغير الناطقين بها،
3.    الاتجاهات والأساليب في التعليم العربي
4.    عدم توفر الكتب المناسبة للتعليم حسب مستويات المتعلم وغرضه الرئيس
5.    عدم توفر المواد المبرمجة أو التعليم المبرمج Programmed Learning
وإليكم الحديث عن النقاط تفصيلاً:

أولاً، إشكاليات المناهج الدراسية في تدريس اللغة العربية لطلبة قسم التاريخ
 المناهج هي الطريق الذي يسلكه المتعلم أو المضمار الذي يجري فيه بغية الوصول إلى هدف التعليم الأسمى، تعد المناهج التعليمية من أبرز مشاكل التعليم العربي في إفريقيا عامة. هذا، ولقد تطور تدريس اللغة العربية في نيجيريا على مر العصور، فقد كان في فترة ما قبل الاستعمار جزءا هامّا من برنامج الدراسات الإسلامية معتمدا كل الاعتماد على الأساليب التقليدية، ثم تطورت إلى ما كان يجري في الجامعات الأوروبية عندما بدأت دراستها في الجامعات النيجيرية بعد الاستقلال في مطلع الستينيات من القرن المسيحي الماضي.
لا شك أن سوء المنهج في التعليم العربي يؤدي إلى عدم توفر الكتب المقررة الجيدة التي تمكّن الطلبة من تحقيق أهدافهم على الوجه الأكمل. حقا إن مجلس الجامعات النيجيرية Nigerian Universities Commission  يشدّد على أهمية المناهج الدراسية في الجامعية النيجيرية، بما فيها مناهج اللغة العربية إلا أن عدم الاهتمام الكافي بالكتب المقررة من المشاكل التي يتعرض لها المواطنون خلال التعليم العربي في نيجيريا. والمنهج الدراسي المقرر في العربيةلم يكن خاصًا لتعليم العربية لغير العرب، لا في مبادئه ولا في محاور أساسية.
وعلاوة على هذا، فإن إدارة قسم العربية الذي يقوم بدراسة الطلبة من قسم التاريخ بجامعة ولاية كوغي – نيجيريا، لا يراعي مستوى الدارس عند تصميم المناهج، مع أن الطلبة الذين يتناولون التعليم العربي على مستويات ومؤهلات مختلفة، فمنهم من كان له خلفية (ولو يسيرة) في اللغة العربية ممن قد درسوا في الابتدائية، أو الإعدادية، أو الثانوية الإسلامية قبل التحاقهم بالجامعات، ومنهم من ليس له أساس في اللغة العربية، وهم الأكثر في قسم التاريخ على الوجه الأخص. وإذا جمعنا بين هاتين الفئتين المختلفتين في فصل واحد، وندرسهما مادة واحدة، بأسلوب واحد، واتجاه واحد، فلا بد أن المحاولة ستبوء بالفشل. فلا بد من إعداد المناهج حسب مستوياتهم العلمية، نراعي فيها خلفياتهم وقدراتهم على الاستيعاب.
ثانيا عدم توظيف معلمي اللغة العربية الأكفاء والمتخصصين في تدريس العربية خاصة لغير الناطقين بها
إن عدم التخصص في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من أكبر المشاكل التي تواجه التعليم العربي في المعاهد والجامعات، لأن هناك فرقًا بين معرفة أو إجادة اللغة العربية ومعرفة طريقة تدريسها للآخرين، إذ إن الأساتذة الذين يدرسون اللغة العربية في كثير من المعاهد العليا والجامعات ليسوا متخصصين في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، اللهم إلا الذين قد مروا بالكليات التربوية حيث قد مارسوا مهارة في التدريس التطبيقي للغة، وقليل هؤلاء بين دارسي اللغة العربية في الجامعات النيجيرية.
ولأنهم ليسوا متخصصين فكثيرا ما تلاحظ قصورًا في إعدادهم للطلبة، لأنهم يدربونهم على الطرق القديمة التي تعلموا بها، ولا شك أن هذه الطرق لا تجدي نفعا في تعليم المبتدئين في العربية. فالحاصل أن المدرسين أنفسهم في مسيس الحاجة إلى الطرق الحديثة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
ثالثا: قصور في الاتجاهات والأساليب في التعليم العربي في الجامعة
إن أسلوب تدريس اللغة العربية في أقسام العربية وغير العربية أمثال الشريعة والتاريخ  لا يضع في عين الاعتبار مستوى الطلبة الذين يدرسون اللغة العربية، ولا الغرض الرئيس في تعليمها، ونرى أن لهذين الظاهرين أثرًا عميقًا في المنهج الدراسي لأي مادة تُدرس. هذا، وإن لطلبة اللغة العربية في المعاهد العليا والجامعات النيجيرية على عدة فئات؛ فئة ترغب في دراسة العربية من أجل التخصص فيها، وفئة تتعلمها لفهم القرآن الكريم وهم على الأسلوب التقليدي في دراساتهم، وفئة تتعلمها إيفاء لمتطلبات الحصول على الليسانس في علم التاريخ أو القانون وخاصة الشريعة، فإن تعيين الغرض الرئيس من أي تعليم يساعد على معرفة أسلوب التدريس المناسب، والكتب المقررة والمواد التعليمية الملائمة والمنهج التعليمي.
فعلى سبيل المثال، كان من أهم الأغراض الرئيسة لبعض طلبة العربية في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات من القرن المسيحي الماضي، فقط التمكن من الإلمام الكافي باللغة العربية المعاصرة خاصة لغة الجرائد والإذاعات والمعاملات السياسية والتجارية، وكذا تعلم بعض اللهجات العامية لاستعمالها أثناء السفر والإقامة في البلاد العربية والاستفادة منها أيضا في البحوث اللغوية والدراسات الاجتماعية، ولذلك ألّف مدرسو العربية كتبا عديدة مناسبة لهذه الأغراض  بدلا من استعمال الحوار في التدريب السمعي والشفهي.
إن الطريقة المستعملة في التعليم العربي في الجامعات وخاصة في أقسام التاريخ والشريعة هي القواعد اللغوية التمهيدية والترجمة، وكان معظمها قد تأثر بالطريقة المباشرة Direct Method والطريقة السمعية الكلامية Aural-Oral Method اللتين جاءتا كردّ شديد على طريقة القواعد والترجمة،  ولهذا يكره الطلبة اللغة العربية لما في الأسلوب من القصور. ونرى أن أسلوب تدريس العربية للعرب لا بد أن يختلف عن أسلوب التعليم العربي لغير الناطقين بالعربية، خاصة طلبة التاريخ، ممن ليس عندهم خلفية.
رابعا: يرى علماء اللغة أن عدم توفر أدوات التدريس من أهم المشاكل التي لا بد من حلها للحصول على نتيجة صالحة. وهي من المشاكل التي يعاني منها التعليم العربي في الجامعات النيجيرية عامة وجامعة ولاية كوغي خاصة. وجدير بالذكر أن كثيرا من أقسام اللغات في الجامعات يملك المختبر اللغوي إلا أن كثيرا من مدرسي اللغة العربية لا يعرفون أهمية هذا الجهاز للتعليم العربي.   
ومن هذه المشاكل عدم توفر الكتب المناسبة لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، فإن الكتب المستعملة لتدريس اللغة العربية في الجامعات النيجيرية محدودة، خاصة في الجامعات التي تدرس المادة باللغة الإنجليزية، وهذا ما تجدها في قسم التاريخ بجامعة ولاية كوغي، ولقد أشار أوغنبييه إلى أنه ليس هناك في نيجيريا كتب مدرسية جيدة لتعليم العربية  خاصة لغير الناطقين بها. فإن معظم الكتب الموجودة لا تلائم مستوى الطلبة العلمي، وأكثرها مستوردة من البلدان العربية مما ألف خاصة لأبناء العرب، والقليل المؤلف في نيجيريا لا يختلف في أسلوبه ومنهجه عن المستوردة من بلاد العرب وهي قليلة الجدوى لغير الناطقين بالعربية.    
الاقتراحات والتوصيات
نرى أن نقدم بعض الاقتراحات والتوصيات لعلها تساهم في حل بعض المشاكل التي أشرنا إليها، وهي تتلخص فيما يلي:
•    تصميم المنهج الدراسي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها خاصة لهذا البرنامج (التعليم العربي في أقسام الشريعة الإسلامية والتاريخ)، ويراعي مستويات الطلبة الأساسية وخلفياتهم ونوعياتهم واحتياجاتهم.
•    الاستعانة بمعلمي اللغة العربية الأكفاء والمتخصصين في تدريس العربية خاصة لغير الناطقين بها، وتحسين إعدادهم المهني والتربوي واللغوي ليتمكنوا من معالجة المشاكل التي تواجه طلابهم  
•    الاستفادة قدر الإمكان من معطيات النظريات اللغوية وطرائق التدريس الحديثة في اتجاهاتهم وأساليبهم في التعليم العربي، ويستند على ما يسمّونه بالوظائف اللغوية (Language Functions) حيث تستخدم فيها الاستراتيجيات التعليمية المتنوعة التي تشوق جميع الدارسين إلى المشاركة في عملية التعليم .
•    حسن الروابط والتعاون بين أقسام اللغة العربية وأقسام التاريخ، وكذا توفر الكتب المناسبة للتعليم حسب مستويات المتعلم وغرضه الرئيس.
•    إعداد الاستراتيجيات التعليمية للوحدات الدراسية، من القواعد اللغوية والتدريبات بمختلف أنواعها (ميكانيكية، معنوية، اتصالية) والنشاطات اللغوية (مواقف حوار...).
•    تحديد أهداف الدارسين وأغراضهم بكل دقة وعناية في تصميم المناهج والكتب المقررة وأسلوب التدريس واتجاهاتهم في كل مرحلة دراسية،
•    تحديد ومراعاة مستوى كفاءة الدارسين للغة العربية وخاصة لطلبة الشريعة من حيث الأساس والمهارة اللغوية عند إعداد المناهج الدراسية والكتب المقررة وأسلوب التدريس (مثلا عدم الخلط بين الفصحى والعامية في التدريس خاصة لغير ناطقين بالعربية من الطلبة في الشريعة)
•    القيام بتنظيم حلقات ودورات خاصة بتأليف الكتب المدرسة لطلبة العربية في أقسام التاريخ والشريعة، مع تركيز خاص على إعداد المادة التدريسية لأغراض خاصة (اللغة العربية لغير الناطقين بها خاصة الذين ليس لهم خلفية في اللغة العربية)


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية