للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لغة الشعر العربي المعاصر ، وتأثيرها على الفصحى

د. سليمان علي عبد الحق

     "الشعر ديوان العرب" قول مأثور روي عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وكان يقصد به أن الشعر العربي ، في كل زمان ومكان ، سجل زاخر للثقافة العربية ، يمكن أن يتعرف من خلاله القاريء على أحوال العرب السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والعلمية ، والدينية ، حيث إنه يسجل كثيراً من عادات العرب ، وتقاليدهم ، فضلاً على الأحداث المهمة في حياتهم ، ويرصدها بعناية فائقة ، ويسرد تفاصيل التاريخ سرداً قد يعجز المؤرخون عن الكتابة على منواله.
      ولست في مجال عرض أمثلة تكشف عن علاقة الشعر بحياة العرب وظروفهم المعيشية المختلفة التي كوَّنت أمزجتهم ، واتجاهاتهم ، وقيمهم الخلقية والاجتماعية ؛ لأن هذا الأمر أوضح من أن أفيض في الكلام عنه ، إذ يكفي لإثباته أن نتصفح بعضاً من دواوين أعلام الشعر العربي في أي عصرمن عصوره الزاهية .
    لكن القضية التي تشغلني هنا هي التأكيد على أن المقولة السابقة – أعني : الشعر ديوان العرب – لا يقتصر معناها على المضمون الثقافي و السياسي و الاجتماعي و الديني ، ولكنه يمتد ليشمل دور الشعر العربي وأهميته في الحفاظ على عرى الفصحى ، وإثرائها ، ومدِّها بألفاظ ، وصورٍ ، وأساليبَ جديدةٍ ، توسع معانيها ، ومبانيها .
     فقد كان الشعر العربي ، ولا أقول : لا يزال ، منبعاً ثرّاً للغة الفصحى عبر عصورها القديمة حتى عصر الجيل الثالث من شعراء الواقعية ؛ الذي من أبرز شعرائه أحمد عبد المعطي حجازي ، ونزار قباني ، وأدونيس ( علي أحمد سعيد) ، وغيرهم . ولهذا فلم يكن مستغرباً أن يستشهد  جهابذة المفسرين بكثير من أبيات الشعر ، لاسيما الجاهلي والإسلامي ، والأموي، في توضيح معاني كثير من الآيات ، والكشف عن مقاصدها ، وتعضيد آرائهم حولها.
       وعلى الرغم من تلك الانتقادات الحادة التي وجهت قديماً ، منذ أوائل القرن الثالث الهجري ، إلى ما سمى في النحو العربي بــ"نظرية الاحتجاج اللغوي" ؛ تلك التي قصرت فصاحة الشعر بله الشعراء العرب على ما قبل عصر ابن هرمة ( ت 150هــ) ، ورفضت الاستشهاد بما تلا هذا الزمن من شعر ؛ إمعاناً منها في الحفاظ على العربية الفصحى ، وتجنّباً لما قد يهجنها من ألفاظ دخيلة أو أعجمية ، تقدح في لغة الشاعر ، وتنزله عن مصاف الفصحاء. أقول على الرغم من تلك الانتقادات الحادة لهذه النظرية ، فإنها كانت ذا وجه إيجابي ؛ يتمثل في الحفاظ على فصاحة العربية ، وإلزام الشعراء بنمط ومستوىً لغويٍّ عالٍ ، لا ينزلون عنه في أشعارهم ، لكنَّ صرامة هذه النظرية ، وافتقادها للمرونة ، وإهمالها عامل التطور والتغير الدلالي بحسب العصر ، أدى إلى انصراف كثير من الشعراء والنقاد  عنها ، بل المعجميين أنفسهم – كصاحب القاموس المحيط مثلاً .
     أما أكثر الشعر في أيامنا هذه ، فقد أصبح يترنح في لغته ، ويسقط في معانيه وأساليبه ، ويتخلى عن كثير من قواعده وتقاليده الفنية ، لينزل على هوى المتلقي الذي أصبح لا يعنيه من الشعر سوى وزن يطربه ، أو غزل يدغدغ مشاعره ، أو طرفة تضحكه ! ناهيك عن منحى ناظمي الشعر العامي ، والنبطي ، و(الفرانكوأراب).
وتبعاً لهذا ، فإن اللغة الفصحى  قد فقدت ، في زماننا هذا ، مورداً غنياً من موارد إثرائها ، فأصبحنا – للأسف - نعول على ما تركه أسلافنا من الشعراء في العصور الغابرة ، وصرنا نتأسَّى بالقول الشائع : " لولا الفرزدق لضاع نصف العربية" .


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية