للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

صورة المولد النبوي في نماذج من الشعر اليمني المعاصر

د. أمين عبد الله اليزيدي

عبق التاريخ لا يزال سارياً مؤثراً فاعلاً في حياتنا نحن المسلمين نتذكره صلى الله عليه وسلم كل يوم بل كل لحظة وحين، يرتفع الأذان على مدار الساعة في عموم الكرة الأرضية صادحاً بشطر كلمة الحق: أشهد أن محمداً رسول الله. صدق الله القائل: ( إن شانئك هوالأبتر) عن ذلك المشنوء الذي أراد أن يعيب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرزق ذكوراً من الأولاد ورزق إناثاً فقط وهو ظن يراود كثيراً من ضعفاء النفوس الذين لا يفقهون قصدية التشريع من النكاح والتناسل في عمارة الكون وبناء صرح الدين والعلم، فلا يرون في الولد إلا تخليدا لذكرى والده الأب، أما العمل الصالح والدعوة الصالحة من هذا الولد لأبيه وأمه فلا يذكرهما إلا عاقل لبيب. قال ذلك الأبتر إن محمداً أبتر فلم يرزق ذكوراً من الأبناء فنزل قوله تعالى: ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) صدقت يا ربنا.
ومنذ فجر الإسلام وينبوع الشعر لم ولن ينضب ترنماً وتغنياً وشدواً بمدح الحبيب صلى الله عليه وسلم، مدح لا يبتغي منه الشاعر إلا وجه خالقه، لا يرى فيه المبدع جائزة دنيوية إلا تلذذه واستمتاعه بذكر حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام.
يقول صالح بن علي الحامد:
يا شعر حلِّ القوافي خير زينتها
        فما مضى لك مثل اليوم من عيد

ويقول محمد سعيد جرادة مستوحياً قصيدة البردة:
راع المشوق وميضٌ في دجى الظلم
وأوقد الشوق نيراناً مؤججةً
متيمٌ باتت الذكرى تقلبها
        وحرَّم النوم ذكرى جيرة الحرم
في صدر مضطرب الأحشاء مضطرم
على فراش الضنى والويل والندم

ويقول:
يا عيون الشعر فيضي سلسلاً
هذه الذكرى التي في ظلها
نغم أبدعه الله فما
طلع الفجر الذي إشعاعه
وبدا النجم الذي في أفقه
        جارياً تحت رياض الكلم
هزَّ صوت الحق سمع الأمم
راع سمعاً مثل هذا النغم
أنفذ السهم بقلب الظلم
جُمِعَت أضواء كل الأنجم

ويقول البردوني:
حي ميلاد الهدى عاما فعاما        واملأ الدنيا نشدا مستهاما
ويقول:
صور الجلال وزهوة الأمجاد        سكبت نمير الوحي في إنشادي
 وفي كل مديح للنبي الكريم يتبارى الشعراء والأدباء في عاطفة جياشة صادقة في تصوير مرحلة المولد النبوي مولداً حسيا بوقع جسده الشريف على أرض مكة، ومولدا تاريخيا غير وجه المعمورة وقلب الموازين على الأرض وأصلح الله به العباد بنزول الوحي وما تبع ذلك الحدث العظيم من أحداث تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة الدعوة وبناء صرح الإسلام والمؤاخاة والصدق والقيم الفاضلة بعيداً عن قيم الشر والغدر والخيانة، ويستعرض كل شاعر ما استطاع لا يألوا جهدا يدخره في بيان مناقبه التي لا يحيط بها وصف واصف ولا شعر شاعر. وفي هذه المقالة لن يتسع المقام للحديث عن مناقبه وسيرته صلى الله عليه وسلم، وحسبنا أن نورد طرفاً من شعر شعراء من اليمن الميمون عطَّروا دواوينهم بالتغني بمولده صلى الله عليه وسلم.
يقول صالح بن علي الحامد:
تصبو النفوس لوصفه فإذا بدا
بحرٌ عبابٌ جوده وسماحه
        ملأ الصدور مهابةً إكبارُه
طود عظيم حلمه ووقارُه

أما  الوجود والمولد وأثره في الكون فيقول فيه:
يا مولداً عمَّ الوجود جلاله
وسرت بشائره فما من كائنٍ
فالأفق برَّاق الأسرة باسمٌ
        كالصبح قد غمر الدُّنى إسفاره
إلا عليه من الهناء شعاره
والكون يرقص بره وبحاره

ورقصة الأكوان معنى وصورة لم يغيبا عن البردوني في قصائده الأربع التي مدح بها سيد الكائنات، يقول:
وتهلل الكون البهيج كأنه
        حفل من الأعراس والأعياد

ويقول:
بزغت تباشير السعادة والهدى
وأهل من أفق الغيوب على الدنا        بيضا كطهر الحب في الوجدان
فجران فجر هدى وفجر حنان
ويقول في صورة بديعة:
تدافع الفجر في الدنيا يزف إلى        تاريخها فجر أجيال وأدهار
وفي تدافع الفجر تصوير رائع جميل يتناسب في جمال رائع مع الانتشار والاتساع اللذين يحملهما الفجر، وقد جعل الشاعر الفعل ( تدافع) دالا على الجماعة لتكتمل الصورة.
ويقول الحامد:
لله يوم تسامى قدره فغدا
له الملائك ضجت في بشائرها
فالأرض تزهر والآفاق ضاحكة
والطير تصدح والأنهار عازفة
لا تعجبوا ساكني الدنيا بزينتها
لقد تبرجت الدنيا بزينتها
        أحقَّ يومٍ بإجلال وتخليد
وزمزمت بين تسبيح وتحميد
مزدانة بضياء غير معهود
والنسم يرقص أملوداً بأملود
قد أنجز الله موعود المواعيد
تستقبل الفجر يهدي خير مولود

ويقول محمد سعيد جرادة:
ميلاده بدء تاريخ وبعثته
ونهضة للهدى والحق شاملة
وطعنة في فؤاد الشرك نافذة
أطلَّ عيدٌ على الدنيا بطلعته
ربيعُ فضلٍ أتانا في ربيعَ فيا
        خروج شعب من الأجداث والرجم
ومعول حطَّ أنف البغي في الرغم
وصيحة وصمت سمعيه بالصمم
إطلالة البدر للسارين في الظلم
طيب الأريج وحسن الطالع الوسم

وصورة التغيير بمقدمه صلى الله عليه وسلم في حياة العرب وشأنهم معنى يؤثره محمد سعيد جراده، يقول في قصيدة مدحية:
يا أبا القاسم يا من بَعَثَتْ
أيها الصانع تاريخاً على
        روحُه في العُرْبِ ميت الهمم
نسق ظلَّ فريد السيم

وأما أثره على المعتقدات والضلالات: فيقول فيها الحامد
خمدت له نار المجوس وهابه
وغدا الضلال به ذليلاً حائراً
        إيوان كسرى حيث دُكَّ جداره
والكفر مرتبكاً علاه صَغَاره

ويقول البردوني:
وأفاقت الوثنية الحيرى على
        فجر الهدى وعلى الرسول الهادي
ويقول البردوني:
وأهلَّ من أفق الغيوب على الدنا
يا فرحة العليا أهلَّ محمدٌ
وأطلَّ من مهد البراءة، والسما
        فجران: فجر نبوة، وفجر حنان
وعليه سيما المجد كالعنوان
والأرض في كفيه تعتنقان

لعل الصورة في الشطر الثاني بالغة الروعة والتوظيف للعلاقة بين الأرض والسماء والوحي.
ماذا ترى الصحرا؟ أنوراً سائلاً
فتحت نواظرها فضجَّ سكونُها
وتلفتت ربوات مكة في السنا
وتكاد لولا الصمت تسأل جوَّها
وتيقَّظ الغافي يرى ما ترى
نزل البسيطة بالسلام محمدٌ
فإذا الجزيرة فرحة وصبابة
وتلاقت الدنيا يهنئ بعضها
        أم أنه حلمٌ على الأجفان
مالي أرى ما لا ترى عينان
حيرى تكابد صمتها وتعاني
ماذا أتى! ومتى التقى فجران!
في الوهم روح الملهم الفنان
كالنصر عند مخافة الخذلان
والجوّ عرسٌ والحياة أغاني
بعضاً فكل الكائنات تهاني

     ولم يغب عن بال الشعراء ما تمر به بلدهم من أحداث على المستوى المحلي أو الإقليمي، من تفرق وتمزق وجهل وتسلط، وعداوات ، وغيرها من مآسي الأمة، يقول الحامد:
يا منقذ الكون أدرك ملَّة صدئت
قد كان رأيك فيها واحدا فغدا
 وأمة شقيت بالذل فانشعبت
كانت تهزُّ شعوب الأرض مرعبة
فأصبحت وحماها غير محترم
إذا هوت أمَّةٌ خارت عزائمها
        دجت على شمسها سحب التقاليد
إزاءه ألف رأي غير مردود
فأهلها بين إذلالٍ وتشريد
كل الخلائق حتى الوحش في البيد
وما لها اليوم من هادٍ ولا هيد
وحقَّرت من بنيها كل مجهود

ويقول محمد سعيد جراده وكأنه يعيش اللحظة التي نعيشها اليوم:
يا رب والشرق هبَّ اليوم منتفضاً
ما ثار بغياً وعدواناً على أحد
جفا الكرى بعد أحداث مروعة
مشى على الدرب حرًّا مؤمناً يدُه
        يرنو لماضيه في عزمٍ وفي شمم
بل ثار للمثُل العليا وللقيم
وعاصفات تسدُّ الأفق بالقتم
تُهدي الزهور لموتورٍ ومنتقم

وفي قصائد البردوني هموم وطنه وأمته يقول:
والوعي كالنور يخزي الظالمين كما
أشباه ناسٍ دنانير البلاد لهم
تحسهم في يد المستعمرين كما
والناس شر وأخيار وشرهم
وأضيعُ الناس شعبٌ بات يحرسه
في ثغره لغة الحاني بأمته
وجثة شوَّش التعطير جيفتها
أعلى المبادئ ما صاغت لصاحبها
فكيف نذكر أشخاصاً مبادئهم
يبدون للشعب أحباباً وبينهم
        يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
ووزنهم لا يساوي ربع دينار
تحس مسبحة في كف سحار
منافقٌ يتزيا زيَّ أخيار
لصٌّ تستره أثواب أحبار
وفي يديه لها سكين جزار
كأنها ميتة في ثوب عطار
من الهدى والضحايا نصب تذكار
مبادئ الذئب في إقدامه الضاري
والشعب ما بين طبع الهر والفار



التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية